صنعاء 19C امطار خفيفة

تعز: سوق سوداء للوقود في المدينة والساحل والرواتب تأتي من الحوبان

تعز: سوق سوداء للوقود في المدينة والساحل والرواتب تأتي من الحوبان
فرع شركة النفط اليمنية بالمخا- منصات التواصل

طردت سلطتا الحرب "الشرعية" في المدينة والساحل بمحافظة تعز، أزيد من 400 موظف في فرعي شركة النفط الحكومية، وأبقتاهم في منازلهم، وتفرغتا للإشراف على سوق سوداء تحقق أرباحًا سنوية خارج المالية العامة، لا تقل عن 50 مليار ريال، وفقًا لتقديرات مختصين.

 
سلطة الحرب الثالثة التي تسيطر على شرق المحافظة، هي الأخرى تدير المشتقات النفطية بأسعار السوق السوداء، من مبنى ملحق في محطة الشركة الحكومية في الحوبان.
في المدينة التي يهيمن على سلطتها تجمع الإصلاح، تم الاستيلاء على مقر شركة النفط، وتحويله إلى ديوان للمحافظة، وتدار السوق السوداء وأزيد من 250 طرمبة عشوائية، من مكتب إيجار بمبلغ 700 دولار شهريًا، في عمارة بنك التضامن.
 

4 دكاكين في المخا..!

 
استأجرت سلطة الساحل في المخا، 4 دكاكين لتسويق الوقود، ووضعت عليها العلم الوطني، ولوحة مكتوبًا عليها "شركة النفط اليمنية"، لتدير سوقًا سوداء منها، بعد إغلاق مبنى الشركة في حرم الميناء، وإغلاق منشأة التخزين الحكومية في حرم الميناء، بمبرر مخاطر على الملاحة الجوية. أزيد من ذلك تحويل خزانات محطة كهرباء المخا إلى استثمار خاص لتخزين الديزل وتسويقه عبر تجار سوق سوداء، والاستيلاء على محطة الوقود التابعة للشركة من قبل عضو في مجلس القيادة الرئاسي، قام بتسليمها لأحد المقربين منه.
 
أمس الأول، اعتقلت سلطة المخا مواطنًا كتب عن فساد تسويق المشتقات النفطية في المديريات الساحلية.
داهم "حراس الجمهورية" منزل المواطن إسماعيل الزوقري، واقتادوه إلى إحدى الثكنات قبل أن يطلقوا سراحه بعد إمضاء بالتوقف عن الكتابة مجددًا عن فساد النفط، وفقًا لتأكيدات مصادر "النداء".
كتب الزوقري عن الدكاكين التي تدير سوقًا سوداء باسم شركة النفط الواقعة في الدائري الشمالي، مشيرًا إلى فرض جبايات بواقع 30 ريالًا باسم الدكاكين عن كل ليتر، تذهب لصالح حيتان الفساد.
 
طرمبة وقود متنقلة على متن سيارة في مدينة تعز (ارشيف)
 
يقر جميع مسؤولي الشرعية في تعز، بفساد تسويق النفط في محافظتهم المنكوبة. في فعالية بمناسبة مرور 3 آلاف يوم حصارًا، ذكر محافظ تعز أن محافظته يتم تموينها بالمشتقات النفطية بأسعار السوق السوداء، ومطلع العام 2023م، زعم مدير مكتب شركة النفط في المدينة علي الأجعر، أنه سيلاحق قضائيًا المسؤولين عن سرقة منشأة سد الجبلين لتخزين الوقود، التابعة للشركة، وأكد أنه سيطرق كل الأبواب لوقف السوق السوداء. قالها في جلسة مساءلة، لكنه لم يفعل أي شيء منذ عامين.
 

تقديرات غير رسمية

 
يقدر مختصون في شركة النفط أن تسويق المشتقات النفطية في مناطق الشرعية في المدينة والساحل في محافظة تعز، يصل شهريًا إلى 15 مليون ليتر من وقود الديزل والبنزين، إذ تفاوتت أسعار البيع بين محافظتي عدن وتعز، خلال الأعوام 2022م 2023م، بمتوسط 200 ريال و260 ريالًا في كل ليتر.
تشير بيانات مكتب وزارة المالية في محافظة تعز، إلى أن تسويق المشتقات النفطية يتم خارج إطار المالية العامة، وأن إيرادات فرعي الشركة في المخا والمدينة تسجل "صفر" ريال سنويًا.
 

كوارث من صنع الفساد

 
مطلع نوفمبر الجاري، اندلع حريق في طرمبة وقود عشوائية في الخط الدائري الغربي بمدينة المخا، اكتفى المسؤولون في المؤسسة العامة للنفط والغاز والسلطة المحلية بالتقاط صور بجانب المحطة المحترقة بعد الكارثة.
وعقب كارثة حريق محطة وقود عشوائية في وادي القاضي، وسط المدينة، حدثت أواخر مارس 2023م، وجه المحافظ مدراء عموم المديريات ومكاتب الأشغال والجهات الأمنية، بإزالة جميع طرمبات الوقود العشوائية في مناطق الشرعية. وخلال عام ونصف من توجيهات المحافظ، تم استحداث 30 طرمبة عشوائية، ليصل عددها إلى 300 طرمبة عشوائية في سبتمبر الماضي، وفقًا لتأكيدات مصادر "النداء".
 
طرمبة وقود متنقلة على متن سيارة في مدينة تعز (ارشيف)
 
المسؤولون في مكاتب الأشغال العامة والسلطات المحلية بالمديريات والدفاع المدني، لا يعملون وفقًا لواجباتهم الوظيفية في مواجهة مخاطر انتشار طرمبات الوقود العشوائية في الأحياء، فهذه الاستثمارات الكارثية تحقق أرباحًا مهولة تعمي أبصارهم، وعائداتها تسيل لعابهم أيضًا. قبل أشهر تم تشكيل لجنة لإزالة طرمبات الغاز العشوائية في المدينة، لكن عمل اللجنة انتهى بعد فرض جبايات 500 ريال تضاف على أسعار بيع كل أسطوانة غاز للمواطنين بمزاعم تخصيصها لدعم وإسناد جبهات الحرب (المتوقفة منذ سنوات). وفي ما يخص الوقود، الأمر مربح أكثر، إذ تصل العائدات إلى 1000 ريال، تذهب لصالح المسؤولين من بيع كل 20 ليترًا في سوق الطرمبات العشوائية المنفلت.
 

رواتبنا تأتي من الحوبان..!

 
"يرفض المتربحون من السوق السوداء عودتنا إلى العمل في المدينة والمخا منذ سنوات، وكل شهر نذهب إلى الحوبان لاستلام رواتبنا من شركة النفط التي يديرها الحوثيون".
يضيف "م.ع"، الموظف في شركة النفط، لـ"النداء": يعيش مسؤولو الشرعية على فساد تسويق الوقود، ويمنعون عودتنا، فجميع المحطات توفر وقودًا مغشوشًا، وجميع الطرمبات تمارس الغش في التعبئة، وتسرق المستهلكين ما لا يقل عن لتر واحد في كل دبة (20 ليترًا).
مطلع العام المقبل، سيتجه نحو 400 موظف إلى الحوبان، لتجديد بيانتهم عند سلطة الحوثيين.
يتابع حديثه بألم: "أوقفونا من أعمالنا، رقدونا في بيوتنا، ورموا بنا للحوثي ليدفع رواتبنا".
 

وقود مغشوش

 
يتنافس تجار السوق السوداء المرتبطون بسلطات الساحل والمدينة، على تموين المحطات المرخصة 40 محطة و300 طرمبة عشوائية، من مصادر مجهولة، والكميات التي يتم جلبها لا تخضع للرقابة التموينية وجودة المنتج.
يقول مسؤول محلي لـ"النداء" إن 6 محطات حكومية، تم ضبطها مؤخرًا بسبب بيعها لبنزين ممتازًا (90)، تبين أنه مغشوش بعد شكاوى ملاك سيارات تضررت سياراتهم.
يتم جلب كميات كبيرة من وقود صافر المدعوم، وتسويقه في تعز بأسعار السوق السوداء.
 

حلول كارثية

 
اتجه أكثر من 1500 سائق لاستبدال منظومات وقود مركباتهم، وتحويلها للعمل بالغاز البترولي، بدلًا من البنزين، بسبب ارتفاع أسعار الوقود، والغش في جودة الكميات المباعة في المحطات، والذي سبب أضرارًا بمركباتهم.
يبحث المواطنون عن حلول لمشاكلهم الناجمة عن الفساد، إذ تشكل منظومات وقود الغاز مخاطر كبيرة بسبب افتقادها معايير الأمان.
 
عشرات المخابز في المدينة  تلجأ الى الحطب بسبب ارتفاع وقود الديزل ( النداء )
 
وعلى الجهة الأخرى، فإن ارتفاع أسعار وقود الديزل دفع ملاك الأفران والمخابز إلى استخدام الحطب كملاذ أخير لتقليل كلفة الإنتاج، وهو الأمر الذي أدى إلى اقتلاع واسع للأشجار في وادي الضباب وريف المحافظة، بصورة غير مسبوقة.
يشير أحد العاملين في مخبز بجوار مكتب التربية، إلى شاحنة أخشاب: نستهلك في المخبز شاحنة واحدة من الحطب كل 15 يومًا.
 

فرعان في محافظة واحدة

 
في العام 2003م، تم الإعلان عن افتتاح فرع لشركة النفط اليمنية في مديرية المخا، إلى جانب فرع الشركة بالمدينة.
محافظة تعز هي الوحيدة التي يوجد بها فرعان، بحسب موظفين في الشركة تحدثوا لـ"النداء": كان الهدف الأساسي من افتتاح الفرع في المخا هو تهريب الوقود المدعوم آنذاك إلى القرن الإفريقي.
في العام 2008م، ذكر تقرير برلماني أن الكميات التي تم تسويقها عبر فرع المخا، تعادل حصص 5 محافظات، "كميات كانت تهرب إلى الصومال والقرن الإفريقي"، يؤكد أحد موظفي الشركة.
 

من المسؤول..؟

 
يتهرب المسؤولون من الرد على أسئلة "النداء"، ويبررون الفساد الكارثي بأنهم في وضع حرب.
وبعد اشتراط أحد المسؤولين في الإدارة التنفيذية لشركة النفط اليمنية في عدن، عدم ذكر اسمه، حمل المسؤول السلطة المحلية في محافظة تعز ما وصفها بعرقلة عمل فرع الشركة في المدينة، لكنه استدرك بتعاون السلطة المحلية مع إدارة الشركة مؤخرًا.
وعن الحلول التي ينتظرها المواطن من قيادة الشركة، قال لـ"النداء": إن جميع فروع الشركة في عدن وشبوة وحضرموت ومكتب سقطرى، تعمل في وضع طبيعي باستثناء تعز، محملًا السلطة المحلية مسؤولية إزالة طرمبات الوقود العشوائية، وتسهيل مهام قيادة الفروع في المدينة والمخا، لاستعادة عمل الشركة، ومواجهة السوق السوداء.
وعن المدة الزمنية لاستعادة عمل فروع الشركة، أكد المسؤول لـ"النداء" أن محافظة تعز تعاني من كارثة الحرب، ومنشأة الشركة وأصولها تضررت بشكل كبير، وتحتاج إلى فترة غير محددة لتجاوز المشكلات، وترتيب الأوضاع، حسبما ذكر.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً