صنعاء 19C امطار خفيفة

قراءة أولية في بيان إشهار (التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية) ولائحته التنظيمية (١-٢)

أُعلن في مدينة عدن يوم الثلاثاء الموافق 5 نوفمبر الجاري، عن إنشاء تكتل سياسي جديد، باسم (التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية)، لا يختلف هدفه الرئيسي عن هدف سلفه (التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية)، الذي كان قد أُعلن في مدينة سيئون في يوم السبت الموافق 13 أبريل من عام 2019م، وهو الاصطفاف مع الشرعية والعمل معها على إسقاط الانقلاب الحوثي، كما ورد في بياني إشهارهما. وقد رأس التحالف الوطني السابق مستشار الرئيس عبد ربه في ذلك الحين، رئيس مجلس الرئاسة الحالي. ورأس التكتل الجديد رئيس الوزراء الأسبق في الحكومة المعترف بها دولياً.

وانضوت في إطار التكتل قوى وأحزاب سياسية كانت قد انضوت في إطار التحالف الوطني، مع زيادة في عددها لصالح التكتل. وإذا كان دور التحالف الوطني وفعله السياسي قد انتهى عملياً بإعلانه بيان الإشهار في سيئون، فإن انتهاء دور التكتل وفعله السياسي، بعد إعلانه بيان الإشهار في عدن، يبقى موضع ترقب وتخمين. 

ولابد، قبل محاولة تقديم قراءة أولية لبيان إشهار التكتل ولائحته التنظيمية، لابد من التأكيد على أن أي تجمع لأحزاب ومكونات يمنية يهدف إلى إخراج اليمن من محنته الراهنة، هو تجمع مرحب به، بل هو تجمع مطلوب، تمليه الضرورة، وتستدعيه المصلحة الوطنية، على أن يكون تجمعاً صادراً عن إرادة وطنية خالصة، معبراً عن توجه جاد نحو تجاوز الواقع الصعب الذي صنعناه بأيدينا، قبل أن يصنعه الآخرون. 

إن أي تجمع جديد ينشأ لابد أن يكون منطلَقاً لمد جسور الحوار والتفاهم فيما بيننا، والسعي إلى تجاوز صراعاتنا، والاتفاق على كلمة سواء، توحد صفوفنا وتصوب توجهاتنا، عبر حوار وطني جامع، جاد وصادق ومبرأ من كل ما عشناه خلال العشر السنوات العجاف المنصرمة، من مناورات قصيرة النظر واستعانة بالغريب على القريب، ورفض التوافق والتعايش والحياة المشتركة، ونشر ثقافة الكراهية والأحقاد وادعاء الاصطفاء والتميز. وهي ثقافة طارئة، لا تؤسس للتعايش والتعاون، بل تؤسس للعداء والتنافر. ثقافة لم يعرفها المجتمع اليمني عبر تاريخه الطويل، رغم تعدد الكيانات وتعاقب الدويلات، التي تنافست وتصارعت على جغرافية اليمن الواحد. فكل ما عرفه اليمن من صراعات سياسية، كان يبقى عائماً في السطح، لم يمس العمق ولم يؤثر على المجتمع اليمني في بنيته وفي علاقاته وفي تعايشه وتواده وتراحمه، ولم يؤد إلى تخندق المذاهب والمناطق والمكونات الاجتماعية، بعضها في مواجهة بعض، على النحو الذي نشهده اليوم.  

هذا التخندق الذي لا يمكن أن يكون تخندقاً يمنياً صرفاً، خالياً من شوائب التدخلات الخارجية، يجب أن نتنبه إلى خطورته، وأن نوقظ في دواخلنا حس المسؤولية الوطنية، والحرص على سلامة اليمن وتماسك مجتمعه وبناء دولته الواحدة القوية المستقلة، دولة اليمنيين جميعهم، لا دولة منطقة أو طائفة أو عشيرة أو سلالة. فالدولة اليمنية الواحدة، المبنية على أسس الشراكة الوطنية والمواطنة المتساوية والتبادل السلمي للسلطة عبر صناديق الانتخابات، هي الضمان الوحيد لسلامة أرضنا ووحدة شعبنا واستقلال قرارنا وتعايش مكوناتنا الاجتماعية، وبدونها نحن ضائعون جميعاً. ومن الوهم أن يتخيل بعضنا أنه يمكن أن ينجو وحده، دون الآخرين. فنحن مجتمع واحد متداخل الأمشاج والأنساب والعلاقات والروابط، موحد اللغة والثقافة والتاريخ والجغرافيا. ولا يمكن أن ينجو بعضه ويهلك بعضه الآخر. فإما أن ينجو كله أو يهلك كله. 

لقد أثار إعلان إنشاء التكتل جدلاً واسعاً وردود فعل، اتسم معظمها بالحدة. وانقسم الناس بين مرحب بإنشائه وبين رافض له. ولكل من الفريقين منطلقاته وقناعاته التي يبني عليها موقفه. ومن خلال متابعة ما كتب ويكتب في وسائل التواصل الاجتماعي وما قيل ويقال في اللقاءات والمجالس الخاصة، يمكن أن نوجز أبرز منطلقات الفريقين على النحو الآتي:  

 

أبرز منطلقات المرحبين بإنشاء التكتل: 

 

رفض انقلاب الحوثيين وكل ما ترتب عليه، وتحميلهم مسؤولية الانزلاق إلى الحرب، بسبب استيلائهم على السلطة وتمددهم العسكري في المحافظات الشرقية والغربية والجنوبية حتى مدينة عدن.   

رفض الخطاب الطائفي للحركة الحوثية، الذي من شأنه أن يعمق الانقسام في المجتمع ويضعف القدرة على التعايش بين مكوناته الاجتماعية.

عدم الاقتناع بحجج حكومة صنعاء ومبرراتها في التحلل من مسؤوليتها، كسلطة حاكمة، في صرف رواتب الموظفين ومعاشات المتقاعدين، بصورة كاملة ومنتظمة، في المناطق التي تسيطر عليها. ولاسيما أن مبرراتها لم تمنعها من صرف الرواتب العالية بصورة منتظمة لفئة مختارة من كبار الموظفين، وعدم صرفها للآخرين. فمن يتولى الحكم ملزم بصرفها لجميع منتسبي الأجهزة الحكومية دون استثناء، مادام حاكماً، مهما كانت الظروف والصعوبات والمبررات.

الضيق بالسياسات الاقتصادية والمالية والتعليمية للسلطة في صنعاء، وعدم الرضى عن تعطيلها لدور البنوك في الحياة الاقتصادية، وتجميدها أموال المودعين فيها، مما ألحق أضراراً فادحة بالبنوك وبالمواطنين وبالدورة الاقتصادية الطبيعية في المناطق التي تسيطر عليها. 

سياسة الاستئثار بالوظيفة العامة، لاسيما المواقع العليا فيها. وعدم إعمال المعايير الموضوعية ومبدأ تكافؤ الفرص في التعيينات والترقيات والامتيازات، بين أبناء الوطن الواحد.

 

أبرز منطلقات الرافضين له:

 

عدم جدية وجدوى أي مكونات وتحالفات وتكتلات جديدة، متأثرة بأجندات خارجية. فمثل هذه المكونات والتحالفات تنشأ لمقتضيات آنية، لن تلبث بعد أن يزول المقتضى الآني الذي أنشئت من أجله، لن تلبث أن تلحق بسابقاتها التي لم يكن لها من إنجاز إلا بيان إشهارها، ثم لم يعد أحد يسمع عنها شيئاً.

خيبات الأمل المتراكمة بالشرعية وتفرعاتها، بسبب استسلامها للإرادة الخارجية، وسلبية أدائها ولا مبالاتها بالوطن والشعب، وعدم اكتراثها بمعاناة الناس وبغلاء المعيشة وبتدهور سعر العملة الوطنية، وعجزها عن توفير أبسط شروط الحياة الكريمة لمواطنيها، بما في ذلك الكهرباء، التي أضحت في هذا الزمان من ضروريات الحياة الطبيعية للبشر.

حالة الفوضى التي تعيشها الشرعية وغربتها عن الواقع، وكأنها تعيش في عالم آخر، لا يمت بصلة إلى الوطن وهمومه. مما يجعلها غير مؤتمنة على حاضر الوطن ومستقبله. 

عدم تحرك الشرعية والمكونات السياسية الداعمة لها للدفاع عن استقلال اليمن وسلامة أراضيه واتخاذ موقف قوي ومبدئي ومعلن من الانتهاكات التي تمارسها بعض الدول في الأراضي والجزر اليمنية.    

الحضور الملفت للنظر للسفير الأمريكي في مؤتمر تأسيس التكتل، الذي لم يخف حماسه لإنشائه وترحيبه به، واعتباره "لحظة محورية في التاريخ السياسي لليمن". وهو حضور مستغرب ومستهجن، يوحي بأن الأمريكيين لم يكونوا بعيدين عن عملية الإنشاء، لأسبابهم الخاصة. 

وأخيراً هناك من انطلقوا في ردود الفعل من ضيق وخيبة أمل بالأطراف السياسية كلها، المسلحة منها والمدنية، الحاكمة والمحكومة، ضيقاً وخيبة أمل بلغا حد الرفض لها جميعها دون استثناء، بكل تنظيراتها وشعاراتها ومشاريعها وممارساتها، وبكل ما تعلنه وتزينه ظاهراً، وتخالفه باطناً وظاهراً. ولعل أغلب هؤلاء الذين فقدوا ثقتهم بالأطراف السياسية كلها يمثلون، بفطرتهم وتلقائيتهم وعدم ولائهم لأي جهات خارجية، لعلهم يمثلون الموقف الصحيح، في هذه الظروف الملتبسة. ونحن نلاحظ أن أعداد هؤلاء تتزايد كل يوم، لا سيما في أوساط جماهير الشعب، التي لم تعد قادرة على تحمل ما تعانيه من ظروف معيشية لا تطاق، والتي ترجع سبب معاناتها لا إلى القوى الخارجية وحدها، بل وإلى الأطراف اليمنية المتصارعة بالدرجة الأولى، بسياساتها قصيرة النظر وممارساتها غير المسؤولة وتبعيتها لقوى إقليمية ودولية لها مشاريعها الخاصة. 

وفي أجواء ردود الفعل هذه، والجدل الحاد الواسع، الذي تجاوز في بعض تعبيراته حدود اللغة المقبولة في الحوار بين المتحاورين، وجدت ميلاً إلى أن أبدأ بقراءة ما صدر عن التكتل الجديد، لأقف على ما طرحه نظرياً، دون أن يغيب عن ذهني السلوك العملي، الذي يؤكد صدقية الطرح النظري، أو عدم صدقيته. فبدأت بقراءة لائحته التنظيمية، قبل قراءة بيان الإشهار. لأن بيانات الإشهار تأخذ عادة طابعاً إنشائياً. في حين أن اللوائح التنظيمية، تُكتب في الغالب بلغة قانونية أكثر دقة ورصانة.

 

اللائحة التنظيمية

 

الباب الثاني:

إذا ما تجاوزنا الباب الأول من اللائحة (التسمية والتعريفات)، باعتباره باباً نمطياً يتكرر في كل اللوائح المنظمة للعمل، وانتقلنا إلى الباب الثاني (الأسس والمبادئ)، المكون من أسس ستة، فسنجدها مبادئ وأسساً سليمة، ماعدا الغموض الذي يكتنف الأساس الثاني، وهو (المرجعيات المتفق عليها وطنياً وإقليمياً ودولياً). فقد تحاشى كاتب اللائحة تسمية هذه المرجعيات. فترك الأمر ملتبساً، قابلاً للاجتهاد والتأويل. فالصياغة مبهمة، قد يفهم منها المرجعيات التي سيتوافق عليها اليمنيون بإرادتهم الحرة المستقلة. وهذا أمر مقبول. ولكن على الأغلب سيفهم منها أن المقصود هو (المرجعيات الثلاث)، التي تكرر إيرادها في بيانات وتصريحات سابقة، وفي برامج كثيرة مناوئة للحركة الحوثية وحكومتها في صنعاء، وهي المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن رقم 2216، الخاص باليمن. وهذه مرجعيات تجاوزتها الأحداث التي عاشها اليمن على مدى عقد من الزمان، ولم تعد حتى القوى الخارجية تظهر اهتماماً بها، ولم تعد ذات موضوع، إذا ما استثنينا منها مخرجات الحوار الوطني، الذي مثل توافقاً يمنياً عاماً، ومازال يمثل مرجعية صالحة وأرضية يمكن البناء عليها. 

فالمبادرة الخليجية، المعلنة في 3 أبريل 2011م، جاءت لتكون بمثابة مخرج سلمي من الأزمة السياسية المستحكمة حينذاك، مع تأمين الحصانة للشريحة الحاكمة من أي محاسبة، بل وتحصينها من أي استبعاد أو تهميش في الحياة السياسية. وبعد أن قبلت بها القوى السياسية المعارضة، ظل الرئيس الراحل علي عبد الله صالح يتمنع عن توقيعها، رغبة منه في انتزاع أكبر قدر من التنازلات من القوى السياسية المعارضة، تمكنه من مواصلة حياته السياسية بارتياح، ريثما يرتب أوراقه ويلتف على المبادرة بعد حين، ويعود إلى السلطة. ولم يكن خافياً أن تلك المبادرة قد صُيغت في صنعاء، بتوجيه من الرئيس علي عبد الله صالح، ثم نُقلت إلى دول الخليج العربي لتتبناها وتقدمها باسمها إلى القوى السياسية اليمنية، كما صرح بذلك مراراً الرئيس على عبد الله صالح نفسه، ولم يشكك أي شخص أو أي طرف سياسي بما صرح به الرئيس. 

وأما القرار الأممي رقم 2216، المتخذ في 14 أبريل 2015م، الذي يتكرر ذكره كمرجعية من المرجعيات الثلاث، فقد جدت أحداث في السنوات العشر المنصرمة تجاوزت الكثير من مضامينه وبنوده. فإذا كان لابد من التمسك به وبالمرجعية الأخرى (المبادرة الخليجية)، دون الأخذ في الاعتبار حركة الزمن وتوالي الأحداث، فلابد أولاً من العمل على تحديثهما، قبل الحديث عنهما كمرجعيتين صالحتين للتداول. 

 

الباب الثالث (الأهداف): 

 

 ينص البند رقم (7) من هذا الباب على "تعزيز علاقة اليمن بدول الجوار ومحيطها العربي والمجتمع الدولي". ويبدو لي هذا البند ناقصاً غير مكتمل. إذ كان لا بد في سياق التأكيد على تعزيز علاقة اليمن بدول الجوار ومحيطه العربي والمجتمع الدولي، وفي ظل التدخل الخارجي المكشوف في شؤوننا الداخلية، كان لا بد من التأكيد على أن تبنى هذه العلاقة على أسس الاحترام المتبادل وعدم المساس باستقلال اليمن وبسلامة أراضيه واحترام سيادته الوطنية واستقلال قراره السياسي وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.    

ينص البند رقم (8) على "محاربة الفساد والغلو والإرهاب ورفض التمييز بكافة أشكاله". وهذا نص ممتاز، صياغة ومعنى. ولكن قد يساور الكثيرين الشك في صدقيته وجديته، ولاسيما في ما يتعلق منه بمحاربة الفساد. فالكلام النظري شيء يسهل قوله، ولكن المحك هو الممارسة العملية. فهل المنشؤون للتكتل جميعهم دون استثناء، ومعهم الحكومة المعترف بها دولياً، جادون في محاربة الفساد؟ وهل هم قادرون على ذلك؟ وهل سيبدأون أولاً بما توجبه الآية الكريمة (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)؟ إنني أكاد أجزم بأن أسئلة كهذه سوف تتبادر إلى ذهن أي مواطن يقرأ هذا البند الممتاز.   

وينص البند رقم (10) من باب الأهداف هذا على "مساندة الحكومة في برنامجها الاقتصادي لتقديم الخدمات ورفع المعاناة عن كاهل المواطنين". والحكومة المقصودة هنا، بطبيعة الحال، هي الحكومة المعترف بها دولياً. وهذا نص قد يثير بعض التساؤلات. فمثلاً: هل يوجد فعلاً برنامج اقتصادي للحكومة، يتوجب على التكتل مساندته؟ وإذا كان موجوداً، فلماذا لا يلمس المواطنون أي أثر إيجابي له في حياتهم المعيشية؟ وإذا كان موجوداً، فكيف نفسر تخبط الحكومة وسلبيتها ولا مبالاتها بمعاناة الناس اليومية، من انعدام الخدمات وانفلات الأسعار علواً دون أي كوابح وانهيار سعر العملة الوطنية المتسارع انهياراً غير مسبوق، مما يضاعف معاناة المواطنين ولا يرفعها أو يخفف منها؟ ولماذا لم يعالج برنامج الحكومة الاقتصادي، الذي يُفترض أنه موجود، لماذا لم يعالج أبسط متطلبات الحياة الطبيعية وأكثرها بداهة في هذا الزمان، وهي الكهرباء، التي يعاني المواطنون من غيابها معاناة لا تُحتمل؟  

أما البابان، الرابع والخامس، اللذان تناولا التكوين والعضوية، والهيكل والاختصاصات، فهما بابان نمطيان، يتكرران في كل اللوائح المماثلة، وليس هناك ما يدعو للتوقف عندهما. 

 

الباب السادس (الأحكام العامة):

 

 في المادة رقم (24) من هذا الباب، الخاصة بمصادر التمويل، تُركت الهبات والتبرعات التي تمثل مصدراً من مصادر تمويل التكتل، تُركت مطلقة دون ضبط أو تقييد. ففي اللوائح التنظيمية المماثلة، يُقيد قبول الهبات والتبرعات عادة بعبارات واضحة وبقيد محدد، وهو اشتراط أن لا تمس أي تبرعات أو هبات بسمعة المنظمة أو الجمعية او الحزب أو التحالف أو التكتل...إلخ. وهو الشرط الذي لا يمكن أن يسقط أو يُهمل. لأنه الضمان لعدم الوقوع في دائرة التمويل من جهات مشبوهة، يمكن أن تؤثر على التوجه الوطني وعلى استقلالية القرار السياسي اليمني. فهل عدم إيراد هذا الشرط ناتج عن سهو يمكن تداركه، أم كان مقصوداً؟

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً