في الغرب، تُعتبر الفردية والذاتية من القيم الأساسية التي يتم تعليمها للأطفال في المنزل والمدرسة، باعتبارها حقًا يجب على الآباء والأمهات والمعلمين توفيره لأبنائهم. الهدف من ذلك هو تشكيل وعي الطفل بحقوقه وهويته. عندما يُعلَّم الطفل منذ صغره أن له حرية خاصة تتعلق بجنسه، وجسده، وهويته، وأن هناك أمورًا تقع ضمن نطاق خصوصيته، فإنه يترسخ لديه أن هذه القيم جزء لا يتجزأ من هويته الشخصية.
ومع ذلك، يجب أن يكون هذا الفهم متوازنًا؛ فالمدرسة وسوق العمل يضعان الفرد في إطار عمليّ مختلف يُعلّمه كيفية العمل ضمن فريق، واحترام الرأي الآخر في القضايا العامة، والتفاعل مع المجتمع بشكل صحي ومتزن.
إذا تم تأسيس هذا الفهم منذ الصغر، يصبح من السهل على الفرد التفاعل مع العالم من حوله بانسجام. أما إذا لم يستوعب هذه القيم إلا في مراحل متأخرة من حياته، وربما بعد تجربة الهجرة أو الانتقال إلى بيئة جديدة، فقد يتبنى مفهوم الفردية بطريقة مبالغ فيها، تُشبه الأنانية أكثر من كونها توازنًا.
في هذه الحالة، يصبح الفرد مهاجرًا فردانيًا بنمط خاص؛ ينظر إلى الفردية باعتبارها مرادفًا لحقوقه المطلقة: "نفسي فقط"، "حقي فقط"، "جسدي ملكي"، "وظيفتي فقط"، "رأيي فقط". لكنه قد يمارس هذه الحقوق بشكل يجعل هويته تبدو مشوشة وغير واضحة، مما يترك انطباعًا بأنه كائن بلا انتماء حقيقي، سواء إلى جسده أو إلى مجتمعه.
المهاجر الفرداني يواجه تحديات مختلفة؛ إذ يبالغ في تأكيد فرديته، ليس فقط كردة فعل على المجتمع الجديد الذي انتقل إليه، بل أيضًا كوسيلة للدفاع عن نفسه في وجه غربة مضاعفة: غربة الجغرافيا وغربة الهوية. من هنا، يصبح ضروريًا لهذا الفرد المهاجر أن يعيد فهم الفردية كمفهوم يوازن بين الحرية الشخصية والمسؤولية الجماعية، بحيث لا تتحول فردانيته إلى عائق أمام اندماجه في مجتمعه الجديد أو فهمه لدوره ضمن محيطه.