صنعاء 19C امطار خفيفة

حاتم أبو حاتم.. الطالب الذي قابل "خورتشوف" وتصور مع "ناصر" في موسكو

حاتم أبو حاتم.. الطالب الذي قابل "خورتشوف" وتصور مع "ناصر" في موسكو
الزميل علي الضبيبي مع اللواء حاتم أبو حاتم

يراقب اللواء طيار حاتم أبو حاتم تطورات الأوضاع في "كيّيف" من موقعه في صنعاء، باعتباره أول طيار يمني تخرج من هذه المدينة العريقة.

يبدو الصباح شيّقًا مع هذا المناضل العتيد العائد لتوه من حصة رياضة انتظم عليها يوميًا ضمن "أحسن فريق"، وهبّطت وزنه من 120 إلى 80 كجم.

المناضل الكبير حاتم أبو حاتم، بصحة جيّدة، وهو في الصورة مرتديًا جاكيت مهندسي الطيران، الذي يحتفظ به من أواخر السبعينيات.

لا يحتاج حاتم أبو حاتم إلى تعريف. فهو أحد الشخصيات المعروفة على المستويين الوطني والقومي. لكن ما لا يعرفه الناس عنه أنه قابل رئيس الاتحاد السوفيتي "نيكيتا خورتشوف"، بعد الانقلاب عليه (1965)، وكان وضعه تحت الرقابة والإقامة الجبرية.

يا له من مغامر! يبحث عن بيت زعيم " الكريملين" في ذروة الحرب الباردة!

كان يحب خورتشوف الداعم الأكبر لحركات التحرر الوطني حول العالم.

يقول العم حاتم: "كانت صور خورتشوف معلقة في كل غُرف الدراسة والسكن، وفي كل مكان. وفجأة اختفت في لمح البصر، وفي اليوم التالي عرفنا أنه انقلاب".

وفي أحد صباحات موسكو، على إثر الحركة الانقلابية التي أطاحت بـ"خورتشوف"، قرر حاتم أبو حاتم -وهو يومها طالب سنة أولى في كلية الطيران- أن يبحث عن بيت "خورتشوف"، وأن يزوره.

يضحك على مغامراته.. ويقول: "تمكنت من العثور على بيت خورتشوف فعلًا، وكان بيتًا صغيرًا مكونًا من ثلاث غرف وصالة استقبال صغيرة، ويعيش فيه هو وأسرته الصغيرة تحت الإقامة الجبرية، ويطل على النهر".

عندما طرق الباب كانت طرقاته بجلافة كأي يمني قادم من جبال نهم، فأسرع خورتشوف بنفسه نحو الباب، وهو يصيح: من بالباب من؟! وفتح، وإذا بحاتم أبو حاتم وجهًا لوجه مع رجل كان إلى قبل أشهر، يقع تحت يديه "الزر النووي".

كان خورتشوف بنظر القوى الكبرى أخطر رجل في العالم! حيث وهو الذي ضرب بجزمته على طاولة الأمم المتحدة، متحديًا الرئيس الأمريكي، وهدد بتحويل نيويورك إلى بحر من جحيم.

سلّم عليه خورتشوف، وحدّق في وجهه، باستغراب، لكن بحزم: من أنت؟ وماذا تريد؟!

يقول أبو حاتم: "رددت أنا يمني، وجئت أسلّم عليك".

فقال خورتشوف: "من أين؟ أنا لا أعرف شيئًا عنك..."، فقلت: "أنا عربي، ونحن العرب نحبك، لأنك تحب العرب". فقاطعه خورتشوف قائلًا: "لا. لا.  أنا لا أحب العرب. أنا أحب ناصر فقط".

يقول حاتم أبو حاتم: "اندفعت لاحتضانه بفرح، وقلت: وأنا أحب عبدالناصر مثلك.. إذن إحنا خُبرة".

حينها رحب به رئيس الاتحاد السوفيتي المعزول، وأدخله إلى صالة منزله المخصصة للضيوف، وقدم إليه هو وعائلته الماء والحلوى، وجلس قليلًا يدردش معه، ثم قفل عائدًا إلى سكنه الطلابي بمشاعر قبيلي قام بالواجب.

هكذا هي سيرة وحياة حاتم أبو حاتم، مليئة بالإثارة والمغامرة، ولكن أيضًا: بالصراحة والشجاعة والإدهاش.

يتذكر حاتم أبو حاتم مُدن الاتحاد السوفيتي، وكيف وصلوا إلى موسكو "زنجبيل بغباره لا نعرف شيء"!

ويضيف: "والله إننا عجزنا جميعًا كيف نتعامل داخل دورات المياه، حيث إننا لأول مرة نشاهد كرسيًا إفرنجيًا، وكنا نظنه حوضًا لغسل الأيدي".

ويضيف، وهو يضحك: "لكي تعرفوا أين كنا عايشين في اليمن، وأين كان العالم. كنا غُرباء على كل شيء. وعندما أردنا قضاء الحاجة لم يكن أمامنا إلا أن نختبئ بجوار كانتونات كبيرة، ونتصرف... عندما شاهدونا الروس ونحن بالعشرات، قامت قيامتهم، لأن هذا وباء وتصرف همجي، وجاءت البلدية ينظفون ويغسلون المكان، وكانت حالة طوارئ، ومن طيبة الروس لم يعاقبونا أبدًا".

يقول أبو حاتم، وهو يضحك: "في اليوم الثاني ذهب أحد الطلاب إلى المكان نفسه، لقضاء حاجته، فكمشته الشرطة، وسلمته إلى إحدى موظفات النظافة، فأخذته إلى الحمام، وعلّمته كيف يجلس على الحوض، وكيف يفتح البانيو، وكيف ينشف يديه، وانفرج الوضع"!

لا يرى حاتم أبو حاتم في ذلك حرجًا، لأن هذا هو الحال القائم الذي كان عليه وضع أول دفعة من الطلاب اليمنيين (شمالًا وجنوبًا)، تصل روسيا، وحالة اليمن البائسة للغاية.

كان الطلاب اليمنيون في مختلف أنحاء العالم يومها، عاشوا نفس الوضع، ووقعوا في نفس الحرج، وذاك انعكاس تستطيع من خلاله أن تقيس مستوى التخلف الحضاري والثقافي، وانعدام المظاهر المدينية لدى اليمنيين، وكيف كانت حياتهم متأخرة عن العالم.

يتذكر "كيّيف"، ويأسف ضمن مشاعر حزينة من أعماق قلبه، لما أصاب هذه المدينة الجميلة من دمار: "كانت أجمل مدن الاتحاد السوفيتي، كانوا شعبًا واحدًا، وقد مكثنا فيها ثماني سنوات، ندرس، ولم نشعر أبدًا بأي تمايز عرقي أو قومي بينهم".

عاد حاتم أبو حاتم إلى صنعاء، مطلع السبعينيات، كأول ضابط ومهندس طيار يتخرج من الاتحاد السوفيتي، حاملًا بين يديه شهادة الأكاديمية العسكرية في مجال الطيران، بتقدير امتياز.

ورغم أنه ينحدر من أسرة مشيخ في قبيلته، إذ ينادون الفرد من بيت أبو حاتم بـ"النقيب"، إلا أن حاتم أبو حاتم لا تعجبه هذه الصفة، وإنما يفضل أن ينادى بـ"المهندس حاتم أبو حاتم": "إنها الأجمل والأحب إلى قلبي.. أنا درست، وأحمل شهادة علمية من إحدى أعرق الأكاديميات العسكرية في العالم".

وعن كيفية اختياره لدراسة الطيران، يقول: "كنا حوالي خمسين، وعندما وزعونا على التخصصات كلٌ حسب رغبته واختياره، أنا شعبت تشعوبة أهل نهم، واخترت طيران، ووقع لي وعد أغبر. كان هذا أصعب التخصصات، لكني تغلبت على كل الصعوبات، وتخرجت بتفوق".

ليس جديدًا أن نعرّف بحاتم أبو حاتم، باعتباره ينتمي إلى قبيلة "نهم" البكيلية (شرق صنعاء)، ولكن ما ينبغي الإشارة إليه أن أبو حاتم كان أحد الطلاب المشاغبين في مدرسة "الإصلاح" بميدان شرارة، منتصف الخمسينيات، ثم لاحقًا في مدرسة "التحضير". ومن هذه الأخيرة كان أحد الطلاب الذين قادوا أول مظاهرة ضد الإمام أحمد، قبل ثورة سبتمبر بأربعة أشهر، وتحركوا رافعين صور جمال عبدالناصر من ميدان شرارة إلى الإذاعة، ويهتفون بشعار: "يعيش عبدالناصر ويسقط الإمام".

تم تشتيت هذه المظاهرة الطلابية بكتيبة من "فوج البدر"، وزجوا بأغلبهم في السجن، "أما أنا فعرفني أحد حرس السجن، وخلصني من الحبس، وقال لي: اهرب إلى بيت مدير المدرسة، وفعلًا ذهبت إلى المدير، وأخبرته أنني مطلوب للسجن، وأنني أريده أن يساعدني بالهروب، فقال لي: "واصل دراستك بس، وعنقل لهم إنك ما خرجت تتظاهر ولا شي". وعلى هذا واصل حاتم أبو حاتم دراسته حتى تخرج وحصل على شهادة الإعدادية، وكان من ضمن أساتذته: سيدنا غالب، ومحمد الخولاني، وعبدالله الخروش، ومحمد جباري، وعبدالعزيز المقالح، الذي كان أروعهم وأكثرهم ثقافة وشعبية.

... تتبع تفاصيل شيقة وممتعة لم تنشر من قبل عن مغامرات وحياة حاتم أبو حاتم.

 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً