تابعنا، كما تابعت الشعوب العربية وكل شعوب العالم، الانتخابات الأمريكية التي انتهت بفوز الرئيس الأمريكي السابق ترامب على منافسته كامالا هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي، أول امرأة (من أصل إفريقي وآسيوي) تُرشح للرئاسة في أمريكا التي لم ترأسها امرأة قط منذ تأسييها، مقابل 46 رئيسًا كلهم من البيض، باستثناء الرئيس باراك أوباما، الرئيس الخامس والأربعين، الذي شكك العنصري ترامب في أمريكيته وفي ولادته في أمريكا حتى تخلى مؤقتًا عن نزعته العنصرية التي لن تفارقه.
كنا نتمنى أن تحذو أمريكا حذو اليمن، التي حكمتها امرأتان قبل الإسلام وبعده وحُق لها أن تسمى الوطن الأول للشورى والحكمة. ولكن ذلك لم يحدث، فقد اكتسح الجمهوريون الانتخابات الأمريكية، التي شملت انتخابات الرئاسة والانتخابات الجزئية لمجلسي الشيوخ والنواب وحكام الولايات، ونتج عنها اكتساحهم للأغلبية في الكونجرس بمجلسيه، والسيطرة على الأغلبية في حكام الولايات. حدث هذا لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة.
لعل من العوامل وراء خسارة الحزب الديمقراطي هي ضعف الرئيس بايدن، وانقياده للصهيوني بلينكن، والتزامه بدعم العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي الضفة الغربية ولبنان. وإذا قبلنا بأن انتخابات أمريكا تهيمن عليها القضايا والسياسات الداخلية، إلا أن العدوان الصهيوني على شعبي فلسطين ولبنان قد شغلا مساحة لا بأس بها من اهتمام الأمريكيين الذين بدأوا يشعرون بخطر الهيمنة الإسرائيلية على القرار السياسي والعسكري الأمريكي، وسلب أمريكا القوة الأعظم استقلالها وهيبتها، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الصهيوني أنتوني بلينكن، الذي أعلن من تل أبيب المحتلة بعد طوفان الأقصى مباشرة، أنه يزور إسرائيل كيهودي، أي أنه اعتبر ديانته في مقام أعلى من ولائه الوطني لأمريكا.
لقد كانت احتجاجات الطلاب في عدد من المدن والجامعات الأمريكية إنذارًا بتحول سيكبر مع الوقت ضد الصهيونية وضد احتكار دولة الإبادات الجماعية تمثيل يهود العالم، لوجود عدد غير مسبوق من شباب يهود أمريكا يقفون مع عدالة القضية الفلسطينية وضد العدوان الصهيوني باسم يهود العالم، ورفضًا لما سماه الجزار الفاشي نتنياهو "الدفاع عن الحضارة الغربية".
لم يكترث بايدن وإدارته لهذا التحول الهام، لأنه صهيوني كما جاء على لسانه. ومع كل انحياز فج للعدوان، وغياب التعاطف مع الضحايا، وحماية إسرائيل وحماية نتنياهو ووزير الدفاع المقال من الوقوف أمام العدالة الدولية في محكمة الجنايات الدولية كمجرمي حرب. إن الفرصة لاتزال متاحة لبايدن حتى يناير القادم، وهي الفترة المتبقية من إدارته، لإعادة الثقة في صفوف الحزب والشباب الديمقراطيين، ولوقف حرب الإبادة بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني، لأن ليس لديه ما يخسره بعد أن فقد حزبه الرئاسة والكونجرس.
لقد أطلق المرشحان وعودًا بوقف الحرب في فلسطين ولبنان، لكنهما من جانب آخر أكدا دعمهما لدولة العدوان الصهيوني باسم حق الدفاع عن النفس، وهي التي تمارس الحروب منذ أكثر من 75 عامًا وحتى اليوم ضد الشعب الفلسطيني، وضد البلدان العربية المجاورة، في ظل صمت معظم دول العالم، وبخاصة الدول الأعضاء في مجلس الأمن.
يواصل هذا الكيان الغاشم قتل الأبرياء في فلسطين ولبنان، الذي فُرض على وطننا العربي بقرار أممي عام 1947، وهو ما أشار إليه الرئيس الفرنسي ماكرون مؤخرًا.
لقد فشلت الأمم المتمدة أيضًا لسبب وحيد هو انحياز أمريكا لدولة العدوان والتوسع، ونأمل ألا يتحول مجلس الأمن إلى مجلس لا يحافظ على السلم والأمن الدوليين، وهي وظيفته الأساسية، ويصمت عندما تكون الحروب سياسة إسرائيلية ممنهجة ضد العرب.
ومن جهة أولى، ليرى العرب في الانتخابات الأمريكية درسًا يجنبهم الأسوأ، ويقفوا وقفة رجل واحد مع فلسطين ولبنان وسوريا، قبل أن تطالهم مدافع إسرائيل واحدًا بعد الآخر، وهم الذين يمتلكون العديد من أوراق الضغط لتحرير فلسطين والجولان ومزارع شبعا اللبنانية من أطول احتلال.
إن الأمن والاستقرار في منطقتنا العربية، بموقعها الاستراتيجي وثرواتها الاقتصادية، لن يتحقق إلا بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. لأن الأمن والاستقرار والسلام في منطقتنا الاستراتيجية هو استقرار لشعوب العالم قاطبة.
نعم للسلام، لا للحرب.