في اليمن، يُعتبر الغناء وكل ما يتعلق به من أدوات موسيقية وعزف، من المحرمات، سواء من الناحية الدينية أو الاجتماعية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: أي الحرامين أكثر نفاذًا وصرامة؟ يشير الواقع إلى أن الحرام الاجتماعي أقوى من الحرام الديني، وذلك بسبب وجود سلطة تنفيذية اجتماعية قاهرة، لا تمتلكها السلطة الدينية، لأن القائمين على سلطة التنفيذ ينتمون اجتماعيًا إلى الشريحة الاجتماعية المهيمنة. بمعنى آخر، "إذا كان غريمك القاضي، فمن تشارع؟!".
يوجد الكثير من الفنانين الذين ينتمون إلى فئات اجتماعية نافذة، قد مارسوا الغناء، ولم يتمكن أصحاب السلطة الدينية من محاسبتهم أو منعهم، أو حتى إصدار فتاوى ضدهم، وذلك بسبب قوة ونفوذ الشريحة الاجتماعية التي ينتمي إليها هؤلاء الفنانون. يمكن الاستشهاد بأسماء مثل الفنان محمد حسين حميد الدين المعروف بمحمد أبو نصار، والفنان فؤاد الكبسي، ومحمد حمود الحارثي، الذين ينتمون إلى شريحة السادة. هناك أيضًا فنانون ينتمون إلى شريحة القضاة، وهي الشريحة الثانية في سلم الهرم الاجتماعي، وغيرهم من الفنانين الذين ينتمون إلى شرائح اجتماعية تحتل مكانة عليا في الهرم الاجتماعي.
الحماية التي يحصل عليها الفنان من هذه الشرائح الاجتماعية، يمكن أن تحصل عليها أيضًا فتاة مارست الحب إذا كانت تنتمي إلى نفس الشرائح. لأن واقعة حديث "لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقتْ" مستمرة بتمثلات وتمظهرات مختلفة. والسؤال هنا هو: من يعيش في كنف الآخر؟ هل يعيش الديني في كنف الاجتماعي أم الاجتماعي في كنف الديني؟ وما هي ضوابط وحدود العلاقة بين الطرفين؟
في الحقيقة، انتصر الاجتماعي على الديني في مراحل متعددة من التاريخ اليمني، سواء في العادات أو التقاليد، أو في غيرها من الصراعات الوجودية والنفعية. ورغم أن الاجتماعي قد تنازل في بعض ممارساته لصالح الديني في إطار تبادل المصالح المشتركة، إلا أن كفة الاجتماعي بقيت مرجحة حتى تدخلت السياسة والعنصر المذهبي في تنظيم العلاقة بين الطرفين. كانت هذه الحيلة الذكية من الأئمة الهادويين لاحتواء الاجتماعي القبلي، وتطويعه، واستخدامه في صراعاتهم السياسية والعسكرية، والتحالف القبلي الحوثي الراهن هو دليل على ذلك.