غادر مسقط رأسه قبل ست سنوات، رفقة أسرته، واستقر في صنعاء التي أكمل فيها دراسته الثانوية، ليحصد قبل أيام تفوقًا تعليميًا مبهرًا، في ظل ظروف اقتصادية صعبة.
وعلى الرغم من التزاماته العائلية والعمل في أحد المطاعم لإعالة أسرته المكونة من ستة أفراد، تمكن الطالب سامي عبده عبدالله (17 عامًا) من تحقيق إنجاز استثنائي بحصوله على معدل 97.13% في الثانوية العامة، القسم العلمي، ليصبح مثالًا يُحتذى به في المثابرة والإصرار على تحقيق الأهداف.
لم يتخلَّ سامي عن حلمه في التفوق الدراسي، وقال إنه غير راضٍ عن نتيجته في الثانوية العامة، وإن ظروفًا أعاقت استكمال أجوبة إحدى المواد الدراسية، وحالت دون إعلان اسمه ضمن أوائل الثانوية العامة على مستوى الجمهورية. لكنه مازال متمسكًا بحلمه في دراسة الفيزياء النووية.
يقول سامي القادم من قرية "الكوم" في مديرية برع بمحافظة الحديدة، إن حلمه الذي سعى من أجل تحقيقه في أن يكون أحد الأوائل، لم يتحقق بسبب تأخر المركز الامتحاني عن بدء الامتحان في وقته المحدد.
وبصوت حزين يضيف لـ"النداء": كان يفترض في امتحان مادة "التفاضل والتكامل" أن ندخل القاعة عند الساعة 8:30، ولكن تأخر المركز الامتحاني، وبدأنا عند الساعة التاسعة، ولم يكن الامتحان بتلك السهولة، وكان يحتاج إلى وقت طويل".
ويردف: "خرج جميع الطلاب، وبقيت أنا، كان لديّ ما يقارب سبعة أسئلة أجبت عليها وسؤال التظليل، وعندما استعددت لنقل الإجابات إلى الورقة المخصصة، اقترب المراقب مني، وقال: الوقت انتهى".
الحلم المكسور
عقب هذه العبارة اسودت الدنيا في عينَي سامي، وشعر بأن قصر أحلامه تهاوت قلاعه.. وعندها طالب المراقب بأن يمهله ولو خمس أو عشر دقائق، لكن محاولته باءت بالفشل، وأصر المراقب على سحب الورقة من بين يديه.
خرج بعدها من المركز الامتحاني مكسور الخاطر، ووصل إلى قناعة تامة بعدم دخول أي اختبار آخر، ولكن زملاءه قدموا له النصح بإكمال الامتحانات، وتعويض ما خسره في المواد الأخرى، وهذا ما قام به سامي بالفعل، وأكمل الامتحانات المتبقية رغم انكساره الذي استحوذ عليه.
المكافح الصغير
ويعد سامي المعيل الوحيد لأسرته، إذ يكافح في عدة جبهات من أجل لقمة العيش من جهة، ومذاكرته لإخوانه من جهة ثانية، ومستقبله العلمي من جهة ثالثة.. فهو وقبل أن ينتقل إلى الثانوية العامة، كان يذهب إلى العمل، ويعود للمذاكرة إلى أوقات متأخرة من الليل.
كان يبذل جهودًا مضاعفة في دراسته على أمل الحصول على منحة دراسية خارج اليمن. ومن أهدافه التي سعى لتحقيقها دراسة "الفيزياء النووية"، وهو تخصص غير موجود في اليمن.. كان يقضي فوق العشر ساعات بالمذاكرة في أيام اختبارات الثانوية العامة، ويسهر كثيرًا من أجل تحقيق حلمه.
بدأ سامي في العمل وهو بعمر صغير، وكان يمتهن أعمالًا بسيطة بالأجر اليومي، ثم توقف عن العمل في الصف الأول الثانوي، بعدها استأنف العمل في الصف الثاني الثانوي، وكان عقب الانتهاء منه يعود مباشرة إلى المنزل للمذاكرة، وفي حال كانت لديه مذاكرة كثيرة أو امتحانات يطلب إجازة أو يأخذ إذنًا مسبقًا قبل انتهاء الدوم، وفي نهاية مرحلة الثانوية العامة تفرغ تمامًا للدراسة.
وعن هذه المرحلة يقول سامي: "قبل دخولي المدرسة لأخذ شهادة الثانوية العامة، قمت بجمع رسوم الدراسة، بالإضافة إلى مساعدة من أخي غير الشقيق الذي يعمل في السعودية ".
ويضيف: "وبسبب ظروفي الاقتصادية التي مررت بها أثناء الدراسة، وصلت لدرجة أني لم أعد أريد الذهاب للمدرسة، وأريد التوقف عنها، ولكن ما إن تمر فترة يضيق فيها حالي، حتى يأتي الفرج، وتصلح أموري".
مبادرات مجتمعية
وكما يقال لكل مجتهد نصيب، فبعد حصول سامي على معدل كبير رغم كل الالتزامات التي عليه، كانت هناك مبادرة جميلة من إدارة مطعم "الربيع" الذي يعمل فيه، وتحديدًا في قسم المبيعات، فقد تم تكريمه وترقيته إلى مشرف إداري، بالإضافة إلى رفع راتبه.. كما حصل على منحتين من بنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي؛ واحدة للدراسة في الجامعة، وأخرى لتعلم اللغة الإنجليزية.
ولكن يظل حلم سامي مستحوذًا على فكره إلى أن يحققه، ويصل إلى أعلى مراتب التعليم من خلال منحة يطمح لها في أية دولة تدرس التخصص الذي يريد.