صنعاء 19C امطار خفيفة

لماذا حاربتم النازية والفاشية؟ وهل الفلسطينيون النازيون الجدد؟

يرتبط السؤال بما لن نمل من تكراره في الوطن العربي وفي العالم الثالث والدول التي ليست داخل حذاء أمريكا. والسؤال منطقي، ويعبر عن واقع ألمنا وخيبتنا من السياسة الأمريكية في منطقتنا على وجه الخصوص. حاربت أمريكا والاتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا النازية لأنها كانت نظامًا دمويًا، عدوانيًا، توسعيًا وعنصريًا. هذه الأوصاف الأربعة تنطبق كلها على النظام الصهيوني.

 
فهو: ١. دموي قبل وبعد إنشائه عام ١٩٤٨. وسيزداد دموية بقنبلة النصف طن الأمريكية التي هي في طريقها الآن إلى جيش الاحتلال.
و٢. عدواني لأن وظيفته الحربية ضد السلام القائم على بعض العدل، رغم أنه سارق لأرض ومحتل لشعب قبِل بالفتات ليس استسلامًا منه، ولكن لأن محاربي النازية بالأمس يقفون ضد حقوقه، ولا يعترفون بحريته.
وهو ٣. توسعي، ويكفي النظر إلى خريطة دولته بدءًا من تحديدها في قرار تقسيم فلسطين، وليس غير فلسطين اسمًا لهذا الوطن المحتل. وبالمناسبة لقد أنكرت جولدا مائير، في خطاب لها بالقدس الغربية المحتلة، من على شرفة بيت الخالدي المغتصب كالوطن كله، وجود شعب اسمه الشعب الفلسطيني، وهي الأوكرانية المولد التي حملت الجواز الفلسطيني، وكانت هُويتها فلسطين قبل احتلال الجزء الأكبر من فلسطين عام ١٩٤٨، وهي من قالت في مقابلة تليفزيونية: أنا فلسطينية، وكانت قبل عام النكبة تشتري تذاكر سفرها ومشترياتها بالجنيه الفلسطيني، ويفتشها في المطار شرطي فلسطيني، وتقرأ صحيفة "بريد فلسطين Palestine Post" التي تحولت بعد النكبة إلى "بريد القدس Jerusalem Post".
و٤. هي عنصرية ليس فقط بالقرار الدولي الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة برقم ٣٣٧٩ في عام ١٩٧٥، ولكن لأسباب أخرى منها:
أولًا: تعاملها مع فلسطينيي ٤٨ كـ"مواطنين" من الدرجة الثالثة في كل شؤون حياتهم من خدمات بلدية وتعليمية وصحية وأمنية، ومن يزور مناطقهم من الغربيين لا تخطئ عيناه الفوارق الكبيرة بين رفاهية مستعمري فلسطين البيض وأوضاعهم.
ثانيًا: النظر إلى الفلسطينيين وجيرانهم العرب على أنهم أدنى من المستعمِرين، شعب الله المختار. هذه الهلوسة الدينية تحتقر كل شعوب العالم، بما فيها الشعوب التي تدعمها حكوماتهم بالمال والسلاح والدبلوماسية والإعلام والتبرير والانحياز الكلي.
ثالثًا: تعاون إسرائيل الشامل مع النظام العنصري الأبيض في جنوب إفريقيا الذي انهار عام ١٩٩٤، بما فيه التعاون الاستخباراتي ضد مناضلي المؤتمر الوطني الإفريقي وحركات التحرر الإفريقية، والتعاون النووي، قبل أن تتخلى جنوب إفريقيا عن هذا السلاح بعد سقوط نظام الأبارتهايد استجابة لشروط الغرب لتفكيكه سياسيًا مع بقائه مهيمنًا اقتصاديًا، وحرمان نظام الأغلبية السوداء من امتلاك هذا السلاح الطاهر فقط عندما تمتلكه النظم البيضاء. لقد أجرت إسرائيل بعلم أمريكا وحلفائها الغربيين أولى تجاربها النووية في صحراء كلهاري في جنوب إفريقيا، ولاذ كل هؤلاء بالصمت. الغرب لم يعترض سوى على القنبلة النووية الباكستانية، واليوم على البرنامج النووي السلمي لإيران، ولم يطلب من إسرائيل التوقيع على معاهدة منع الانتشار النووي.
رابعًا: تحالف إسرائيل استخباراتيًا وعسكريًا مع الأنظمة الفاشية والديكتاتوريات العسكرية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، زائير موبوتو، وتشيلي بينوشيه، والأنظمة الدموية في البرازيل والأرجنتين ونيكاراجوا وغيرها، ومع هذا لايزال الغرب يسميها الدولة الديمقراطية.
خامسًا: وهو الأكثر أهمية، استمرار احتلالها لفلسطين وخنقها لحياة وحرية الشعب الفلسطيني، واستغلالها لموارده، وأهمها المياه التي تجعل المستعمِر القادم من أمريكا الذي كان لا يلوي على شيء، يعيش حياة مرفهة، بينما يعيش الفلسطيني في فقر مائي دائم.
تضاف إلى هذه الحقائق، حقيقة كبرى، وهي أن المصالح الغربية كلها في منطقتنا، وليس في الكيان الاستئصالي المعتمد أمنيًا وماليًا وتسليحيًا على أمريكا والغرب.
إسرائيل الوظيفية ضد مَن بعد اختفاء الاتحاد السوفيتي؟ الإجابة الموضوعية تخنق هذه الدول "الديمقراطية" التي تعرف أن مصالحها عندنا، ومنها نفطنا عصب اقتصادها الذي يباع لها بسعر أرخص بكثير جدًا من الكوكا كولا وسلعها التي تملأ أسواقنا، وعندما كنا نقاطع بعضها، تصرخ، وملياراتنا التي تودع في بنوك الغرب ومئات الآلاف من طلابنا الذين يدرسون في جامعات غربية، وبدونهم ستواجه هذه الجامعات أزمات مالية غير هينة، وسياحنا الذين يتجهون إلى مدن الغرب أكثر مما يتجهون إلى المدن والشواطئ العربية.
بهذا الصدد أنقل عن صحيفة "الجارديان" أن العربية السعودية قالت لبريطانيا "يا ولية" توقفي عن إثارة موضوع حقوق الإنسان، وتذكري أنك مستمرة كدولة نووية عظمى ذات اقتصاد قوي ومنافس بأموالنا المودعة لديكِ وبعلاقاتك الواسعة معنا. ومن يومها أغلقت "الولية" فمها، وها هي في يوم كتابة هذا المقال تتراجع من الدرجة العاشرة في أقوى الاقتصادات العالمية إلى الدرجة الثانية عشرة، وتسبقها المكسيك.
اليوم العرب قلوب شتى، وهذا ما تريده إسرائيل وأمريكا، فقد نزعوا بأيديهم أسلحتهم، وقبلوا أن تكون أيديهم هي السفلى في أكثر الحقب خطورة على الأمن القومي العربي والمصالح الوجودية العربية. لقد خذل الجميع فلسطين، ومن يخذل فلسطين يخذل نفسه، وقريبًا سيخرج من التاريخ.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً