"كرة ثلج مازالت تواصل تدحرجها، ونار فتنة قد تلتهم الأخضر واليابس".. هكذا وصف سياسيون يمنيون وناشطون أزمة اختطاف الشخصية القبلية المنتمي لمحافظة أبين، المقدم علي عشال الجعدني.
قبل نحو ثلاثة أسابيع أقدم مجهولون على اختطاف الجعدني في مدينة عدن (جنوبي اليمن)، ومازال مصيره غامضًا حتى لحظة كتابة التقرير، رغم التصعيد الذي قامت به قبائل أبين للكشف عن مكانه.
التحذير من الفتنة
حذر سياسيون في المحافظات الجنوبية، وناشطون إعلاميون، من إغفال القضية وعدم التسريع بالكشف عن مصير عشال الجعدني، محذرين من تصاعد الاحتقان في أبين ووصوله إلى كافة مناطق الجنوب.
غير أن مطالب قبائل أبين قوبلت يتضامن من قبل قبائل جنوبية عديدة في يافع وردفان وشبوة، وقفت إلى جانب قضية اختطاف عشال، وناصرت مطالبهم؛ منعًا لحدوث الفتنة.
تطورات القضية
وفي تطور متسارع، أصدرت قبائل أبين مساء الجمعة بيانًا للرأي العام، شددت على ضرورة إشراك إدارة أمن محافظة أبين في التحقيقات مع المشتبه بهم ، وقالت انها ستعمل على رفع الطريق الدولي في أبين لمدة أربعة أيام، تبدأ السبت (السادس من الشهر الجاري) حتى يوم الثلاثاء، كمهلة لتنفيذ مطالبها، ملوحة باستئنافها في حال عدم الاستجابة.
ومنذ أسابيع، تشهد القضية تطورات متلاحقة وخطيرة، بدأت بمطالبة قبائل "الجعادنة" في أبين لإدارة أمن محافظة عدن بالكشف عن مصير عشال الجعدني، والمتورطين في إخفائه قسرًا، حد وصفهم.
تجاهل السلطات الأمنية بعدن لمطالب قبائل أبين، دفع هذه الأخيرة إلى تشكيل لجنة مختصة لمتابعة القضية داخل عدن، والتقى رئيسها، مدير أمن أبين أبو مشعل علي الذيب الكازمي برئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي.
مصدر في اللجنة المشكلة، وصف لـ"النداء" لقاء الكازمي بالزبيدي بـ"الفاشل"، وقال إنه لم يخرج بأية نتائج، ولم يحقق مطالب قبائل أبين بالكشف عن مصير الجعدني. الأمر الذي دفع بالقضية نحو التصعيد، إذ شهدت مدينة عدن، الأسبوع الماضي، انعقاد لقاء تشاوري موسع لممثلي قبائل وأبناء أبين، وخرج اللقاء ببيان شديد اللهجة وطالب بسرعة الإفصاح عن مكان المختطف المقدم علي عشال الجعدني، وإطلاق سراحه.
وجرّم البيان عمليات الاختطاف ومداهمة منازل المواطنين من أية جهة كانت، دون إحضار أوامر قضائية مسبقة، كما طالب محافظ عدن بفتح ملف كافة المُقصرين والمُهملين في واجباتهم الأمنية.
أعقب ذلك قيام قبائل أبين بتشكيل قطاع قبلي على الخط الدولي الرابط بين حضرموت وعدن، كإحدى خطوات التصعيد التي تسببت بمنع مرور قاطرات وقود الكهرباء من حضرموت إلى عدن.
مداهمات واشتباكات
وفي الساعات الأولى من فجر اليوم الجمعة، داهمت قوات أمنية من محافظة أبين، منزلًا في منطقة "الممدارة" التابعة لمديرية الشيخ عثمان، بمدينة عدن، يتواجد فيه عدد من المشتبه بهم، بالتورط في اختطاف عشال الجعدني، بحسب مصدر في لجنة المتابعة.
المصدر أشار إلى أن دخول قوات أمنية من أبين إلى عدن تمثل سابقة في اختصاصات العمل الأمني بين المحافظات؛ غير أن تجاهل السلطات الأمنية في عدن لمطالب قبائل أبين واللجنة المُشكلة لمتابعة القضية فرض هذا الواقع.
وأضاف: نتج عن المداهمة اعتقال شخصين من المشتبه بهم، داخل المنزل، ومقتل جنديَين اثنين من القوات الأمنية القادمة من أبين، عقب اشتباكات بين الجانبين.
واعتقلت القوات الأمنية أيضًا شخص يدعى سميح النورجي وبرفقته آخرون، في جولة عبدالقوي بالشيخ عثمان، والنورجي هو أحد المتهمين الرئيسيين في اختفاء علي عشال الجعدني، ويرتبط بعلاقات مع قيادات أمنية وإدارة مكافحة الإرهاب بعدن، وفق المصدر.
وكانت قبائل أبين اتهمت إدارة أمن عدن بـ"التساهل وعدم جديتها" في البحث عن المختطف عشال، أو ضبط المتهمين باختطافه؛ الأمر الذي دفع القبائل إلى التهديد بالزحف إلى عدن، للكشف عن مصير الجعدني.
التهرب من المسؤولية
وخلال الأيام الماضية، تهربت عدد من القيادات الأمنية بعدن من مسئولية معرفة مصير “عشال”، أو مكان اختفائه، عقب بيان صادر عن إدارة أمن عدن، اطلعت عليه "النداء"، أشار إلى توصله لـ"خيوط الجريمة".
وتضمن البيان الإشارة إلى شخص يدعى سميح النورجي، قال إنه المشتبه به الرئيسي باختطاف عشال الجعدني، على خلفية قضية أراضٍ، كما تم استدعاؤه والتحقيق معه، ثم الإفراج عنه بضمانة قائد إدارة مكافحة الإرهاب بعدن، يسران المقطري.
غير أن هذا الأخير ظهر في مقطع مرئي يرد على بيان إدارة أمن عدن، ويتحدث عن عدم علاقته بالمدعو سميح النورجي، وأنه لم يضمنه للجهات الأمنية.
ويبدو أن هذا التخبط الذي ظهرت عليه السلطات الأمنية المسؤولة في مدينة عدن، هو الدافع وراء قيام قوات أمنية من أبين بالدخول إلى عدن ومداهمة منزل المشتبه بهم، والقبض على ثلاثة أشخاص في مقدمتهم سميح النورجي، والشروع في التحقيق معهم.
مؤشرات أولية للتحقيقات
مساء اليوم الجمعة، بدأت نتائج التحقيقات التي أجرتها القوات الأمنية مع المشتبه بهم المقبوض عليهم، بالظهور.
وقال المصدر القبلي في لجنة المتابعة لـ"النداء"، إن رقعة المتهمين بدأت بالتوسع، وكشفت التحقيقات تورط قيادات أمنية في مدينة عدن باختطاف المقدم علي عشال الجعدني.
وأضاف المصدر أن حديث المشتبه بهم أظهر ارتباطًا وثيقًا بين قضية اختطاف عشال الجعدني، ومقتل رجل الأعمال هاني المنصوري، مالك إحدى شركات العقارات في عدن.
وقُتل المنصوري في مدينة إنماء غرب عدن، أمام منزله، في 20 مايو الماضي، برصاص مسلحين مجهولين، كانوا يستقلون باصًا صغيرًا نوع "فوكسي"، هو نفس الباص المستخدم في عملية اختطاف عشال الجعدني، وفقًا للمصدر.
يذكر أن مدينة عدن تخضع -منذ أغسطس/ آب عام 2019- لسيطرة تشكيلات ووحدات أمنية متعددة موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي، لا تأتمر لأية قيادة موحدة، وهذا ما أدى إلى تدهور الوضع الأمني في المدينة، بحسب مراقبين.
ولعل تطور الوضع الأمني في عدن، والذي استدعى تدخلًا لقوات أمنية من أبين، يُنذر بمزيد من التصعيد في قادم الأيام، مع انكشاف تورط أسماء رفيعة في القضية، الأمر الذي قد تكبر معه كرة الثلج، ولن يستطيع أحد إيقافها في ما بعد.