ليس هناك من أصحاب مهنةٍ في اليمن لامستهم تأثيرات الحرب الجارية بالبلاد أكثر من فئة الصيادين، الذين ما انفكوا يدفعون ثمنًا غاليًا من قوتهم وأرزاقهم.
فلم تقتصر تأثيرات الحرب اليمنية التي طالت صيادي البلاد، على المياه الدولية، بل إن المياه الإقليمية المحلية كانت هي الأخرى مسرحًا لمعاناة الصيادين أيضًا.
والاصطياد في اليمن مازال لم يبارح شكله التقليدي الذي لم يرتقِ إلى مستوى الصيد الحديث باستخدام الأساليب العصرية أو شركات وسفن الصيد الحديثة، وهذا ما يضع حقوق الصيادين في مهب الريح.
آخر حلقات مسلسل المعاناة، كان اعتقال مجموعة من الصيادين التقليديين في مدينة عدن، في مايو الماضي؛ بمبرر اقترابهم من رأس جبل معاشيق، الذي يحتضن القصر الرئاسي في عدن؛ العاصمة المؤقتة للبلاد.
حيث اعتقلت الأجهزة الأمنية أربعة صيادين من أبناء المدينة في أحد سجون قصر معاشيق الرئاسي بعد القبض عليهم في صيرة.
مصادر مقربة، أفادت بأن ياسر سلّام السلومي، من أبناء مديرية صيرة، وهو صياد ولاعب سابق في نادي التلال الرياضي، اعتقل، وتم الزج به في معتقل خاص بالصيادين في منطقة معاشيق. في اليمن فقط يحتوي القصر الرئاسي على سجون خاصة.
المصادر أضافت أن ثلاثة صيادين آخرين من أبناء عدن متواجدون أيضًا في المعتقل ذاته، بتهمة اقتراب قواربهم من رأس معاشيق بمسافة ميل واحد.
اعتقالات متواصلة
"النداء" تواصلت مع الهيئات المختصة والمعنية بالصيادين في مدينة عدن، التي اعترفت باعتقال صيادين في عدن الشهر الماضي.
وقال مستشار هيئة المصائد السمكية لخليج عدن، المهندس نائل سعيد أحمد، إن أجهزة الأمن اعتقلت مجموعة من صيادي مدينة عدن الشهر الماضي.
وأوضح أحمد لـ"النداء" أن الصيادين المعتقلين تم الإفراج عنهم بعد أخذ ضمانات منهم بعدم الاقتراب مجددًا من منطقة رأس معاشيق.
وكشف أن هذه الاعتقالات التي تطال الصيادين في عدن "تحصل كثيرًا"، وليست المرة الأولى، بخاصة في هذه المنطقة التي تُصنف بأن عملية الاصطياد فيها "محرمة".
تحذير الصيادين
وبيّن المهندس نائل أن هيئة المصائد السمكية في خليج عدن تحذر الصيادين من الاقتراب من عديد مواقع، وفي مقدمتها رأس معاشيق.
ولفت إلى أن الهيئة وجمعية صيرة المختصة بالصيادين، بالإضافة إلى قوات خفر السواحل، دائمًا ما تحذر الصيادين من هكذا اقتراب، وهناك مواقع محددة تُصنف بأنها "مناطق محرمة".
واستدرك: "لكن بعض صيادينا يتجاوزون الخط الأحمر الذي تمثله هذه المناطق، وعلى رأسها "معاشيق"، وبالتالي يتعرضون للحجز".
غير أن أخطر ما تطرق إليه المهندس نائل هو تعرض هؤلاء الصيادين أحيانًا إلى إطلاق الرصاص الحي والمباشر.
واختتم مستشار هيئة المصائد السمكية بخليج عدن حديثه مع "النداء"، بالإشارة إلى أن بعض الصيادين يتعرضون لحجز قواربهم، "لدينا الكثير من الحوادث المشابهة حدثت خلال الفترات السابقة".
غياب الحماية
أضعفت الحرب الموقف الحكومي في اليمن، والذي لم يعد يرتقي إلى مستوى حماية الصيادين اليمنيين أو حتى حماية المياه الإقليمية، حيث بات الصيادون عرضة للاعتقالات من دول الجوار.
وعدا صيادي عدن الذين يتعرضون للاعتقالات وإطلاق النار الحي ومصادرة قواربهم من قبل جنود الحماية الرئاسية في معاشيق عدن، يعاني صيادو اليمن، بصورة متزايدة، جراء الحرب المستعرة في البلاد منذ نحو 9 أعوام، وتضاعفت معاناتهم على وقع الانتهاكات التي تمارس بحقهم من قبل دول إقليمية أبرزها إريتريا التي استغلت ضعف الحكومة المركزية.
قبل الحرب، كان القطاع السمكي يمثل ثاني أكبر الصادرات في البلاد بعد الثروة النفطية، غير أن هذا القطاع تعرض لأضرار بالغة خلال سنوات الحرب، وفقد نحو 60 بالمائة من الصيادين اليمنيين فرص عملهم، الأمر الذي انعكس سلبًا على الأمن الغذائي في المناطق الساحلية، التي ارتفعت نسب الفقر فيها بصورة غير مسبوقة.
في فوهة المدفع كان صيادو محافظة الحديدة والساحل الغربي، أكثر المتضررين من غياب الحماية الحكومية للصيادين، حيث يقبع المئات منهم في سجون إريتريا، بحسب مكتب الإعلام بمحافظة الحديدة (تابع للحكومة المعترف بها دوليًا).
المكتب أشار في إحصائية حديثة، إلى أن السلطات الإريترية اعتقلت منذ مطلع العام الماضي، أكثر من 500 صياد، فيما بلغ عدد المفرج عنهم من سجونها 398 صيادًا يمنيًا من أبناء تهامة الساحلية، غربي اليمن.
ولفت إلى أن السلطات الإريترية تفرض على الصيادين أثناء فترة الاحتجاز أعمالًا شاقةً داخل المعسكرات كتشييد وبناء مساكن دون أي مقابل مادي.
آخر عمليات الإفراج عن الصيادين اليمنيين كانت في الـ12 من مايو الماضي، حين أفرجت السلطات الإريترية، عن 17 صيادًا كانوا محتجزين في سجونها منذ أشهر، في حين تستمر بخطف عشرات الصيادين اليمنيين تحت مبررات اقترابهم من مياهها الإقليمية، وتتخذ ضدهم انتهاكات، وتصادر ممتلكاتهم.
وقالت مصادر محلية من صيادي تهامة إن إريتريا أفرجت عن 49 صيادًا يمنيًا محتجزًا في سجونها، منذ بداية العام 2024، وذلك بعد أن صادرت قواربهم ومعدات الصيد الخاصة بهم.
التصعيد في البحر الأحمر
في المقابل، فاقم التصعيد الذي يشهده البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، من معاناة الصيادين اليمنيين.
وأشار مكتب الإعلام في محافظة الحديدة -في بلاغات صحفية سابقة- إلى تأثر عشرات الآلاف من الصيادين في المحافظة الساحلية. وكشف عن مقتل عدد كبير منهم وفقدان آخرين، جراء التصعيد العسكري الذي يشهده البحر الأحمر منذ نحو ثمانية أشهر.
وبحسب إحصائية المكتب، فإن نحو 40 صيادًا في عداد المفقودين، منذ بدء الهجمات، منهم 22 لم يتم التوصل إلى أي أثر لهم بعد إجراء عدة مسوحات بإشراف الحكومة.
وتسببت هجمات البحر الأحمر في تعطيل أغلب مراكز الإنزال السمكي في الحديدة.