صنعاء 19C امطار خفيفة

مواقف دولية متمايزة قد تفضي لإفشال التدخل السعودي

2009-12-14
مواقف دولية متمايزة قد تفضي لإفشال التدخل السعودي
مواقف دولية متمايزة قد تفضي لإفشال التدخل السعودي
* موقف عماني "ضد الحربـ" يستدعي إيفاد العميد أحمد إلى مسقط
* "ورطة" الرياض في صعدة تبدأ بخلق "جنوبـ" مضطرب للمملكة كما لليمن "جنوبها" المتأزم
- محمد عايش
مع دخول حرب صعدة شهرها الخامس على الجبهة اليمنية، والثاني على الجبهة السعودية.. بدأ التمايز في المواقف الدولية إزاءها، وإزاء التدخل السعودي، يتضح ويخرج إلى العلن بشكل متدرج.
يوم السبت، اتخذ مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، جيفري فلتمان، صيغة أكثر وضوحا في موقف بلاده المعارض لما تصر عليه المملكة العربية السعودية وحلفاؤها العرب من وجود "تورط إيراني" في أزمة صعدة.
وقال فيلتمان، الذي كان يشارك في مؤتمر أمني إقليمي في البحرين "تحدث العديد من أصدقائنا وشركائنا إلينا عن احتمال وجود دعم خارجي الحوثيين، وسمعنا الافتراضات عن الدعم الإيراني للحوثيين". مضيفا: "لكي أكون صريحا ليست لدينا أي معلومات مستقلة عن هذا (الأمر)".
وقال إنه يجب عدم المبالغة في الجانب الطائفي للصراع، وحث جميع الأطراف على إبقاء القضية قاصرة على اليمن. موضحا: "يبدو أن الناس يجدون أسبابا لتوسيع الصراع عندما يكون من مصلحتنا الجماعية جميعا تضييقه". وأضاف "أعتقد أنه من الخطر المبالغة في الانقسامات (بين الشيعة والسنة)".
تأتي تصريحات فيلتمان منسجمة مع حزمة مواقف أمريكية صدرت خلال الأسابيع الماضية تنحو منحى المطالبة بإيقاف الحرب في صعدة والاعتراض على التدخل السعودي فيها، وبين هذه المواقف التطور الأبرز داخل مجلس الشيوخ الأمريكي الذي حث إدارة الرئيس باراك أوباما على بذل ما بوسعها لإنقاذ اليمن من الانهيار جراء أعمال العنف الدائرة فيه بين المسلحين الحوثيين وقوات الحكومة.
وأقر المجلس، الجمعة قبل الماضية، بالإجماع تشريعا ينص على أن انتشار حالة من الفوضى والإرهاب في اليمن سيُشكل تهديدا خطيرا ليس فقط للشعب اليمني بل للدول المجاورة والولايات المتحدة أيضا. ويُطالب التشريع الذي يرعاه بشكل أساسي السيناتور الديمقراطي بن كاردين والجمهوري ريتشارد لوغار، الرئيس أوباما "بدفع القوات الحكومية والحوثيين إلى وقف القتال الدائر بشكل فوري والسماح للمساعدات الإنسانية والدواء بالوصول إلى المدنيين".
***
أمن النفط وتجنب "خدمة" إيران
ويبدو الموقف الأمريكي الراغب في حسم صراع صعدة سلميا وكشأن داخلي يمني، مرتكزا بشكل أساسي على 3 منطلقات: أولهما الخوف من تفاقم هذا الصراع ليعصف بالاستقرار الهش في اليمن بما يخدم الجماعات المتهمة لواشنطن بالإرهاب والتي ستجد في اليمن حينئذ موقعا ممتازا لإطلاق المزيد من عملياتها ضد أمريكا والغرب.
وثانيا احتمالات أن يتسع الصراع لينتقل إلى داخل أراضي المملكة التي تشكل الاحتياطي النفطي الأكبر في العالم، ومن مصلحة واشنطن عدم تهديد استقرار هذه المصالح النفطية.
بينما ثالث منطلقات أمريكا في معارضتها لاستمرار الصراع؛ يكمن في حقيقة كون الصراع نفسه يمنح إيران ورقة إضافية لمجموع أوراقها وملفاتها التي تستمد منها القوة في مفاوضاتها مع أمريكا وأوروبا بشأن مشاريعها المختلفة، وعلى رأسها المشروع النووي ودعم قوى المقاومة لإسرائيل.
ومن هنا تأتي تصريحات المسؤولين الأمريكيين المقللة من شأن الاتهامات اليمنية والسعودية لإيران بالتورط في الحرب، حيث هذه الاتهامات التي "لا دليل عليها" ستنتهي إلى استدعاء إيران ونفوذها كأمر واقع في صعدة، بما أن تلك الاتهامات تهيئ الأجواء لخلق تواصل حقيقي بين جماعة الحوثيين وطهران. أي أن ما يحدث من قبل صنعاء والرياض هو دفع للحوثيين باتجاه الارتماء في أحضان الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالفعل. ولأن الحرب، على عكس ما هو مفترض منها، منحت هذه الجماعة المزيد من القوة والاتساع، فإن ذلك سيصب في النهاية في مصلحة إيران، وبالتالي فمن المهم بالنسبة لواشنطن الإبقاء على صراع صعدة "مسألة يمنية" بعيدا عن التدخل السعودي، أو بعيدا عن "تضخيم البعد الطائفي" السني/ الشيعي في الحرب، طبقا لتعبير فيلتمان.
***
عمان.. "الحوار" كبديل
في الأثناء ظهر الموقف اللافت لسلطنة عمان، الجار الثالث للسعودية واليمن، وأكثر دول الخليج قربا مما يحدث. وهو الموقف الذي بدا حريصا على تأكيد وجود "تمايز" يصل حد التناقض بين موقف مسقط وموقف الرياض من صراع صعدة. وينطوي ضمنا على موقف عماني ضد الحرب ودخول السعودية كطرف فيها، كما ضد استعداء إيران واتهامها بدعم الحوثيين.
تصريحات وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي نهاية نوفمبر الماضي، لصحيفة الحياة السعودية، حملت حزمة مواقف عمانية شكلت مبعث قلق للحكومة في صنعاء استدعى منها إيفاد نجل الرئيس صالح العميد أحمد علي، قائد الحرس الجمهوري، في زيارة إلى العاصمة مسقط إثر نشر تلك التصريحات، دون أن تعرف لاحقا طبيعة ما حملته الزيارة أو ما عادت به من هناك.
4 قضايا رئيسة لامستها سلطنة عمان بتعامل مختلف: أولا: "الحوار" هو الطريق الوحيد لحل أزمة صعدة، وما يحتاجه اليمن هو "دعم الاستقرار فيه" وليس الحرب، طبقا لبن علوي، في إشارة ضمنية إلى عدم صواب التدخل السعودي على خط القتال في صعدة، وثانيا: لا وجود لتدخل إيراني في ما يحدث في اليمن، ولكن درجت العادة على اتهام إيران بالوقوف خلف كل شيء كما كان يحدث مع الزعيم جمال عبدالناصر الذي، وفقا لإشارة الوزير العماني الساخرة، كان يتهم بالوقوف حتى خلف "غرق سفينة في البحر الكاريبي". وثالثا: التحاق اليمن بالعضوية في مجلس تعاون دول الخليج لم يعد واردا ولا ممكنا بأي حال، وما هو متاح هو فقط "مساعدة اليمن في بعض المجالات". ورابعا: على أحزب اللقاء المشترك المعارضة في اليمن أن تتقدم بحلول للأوضاع المتدهورة من غير التعويل على الحكومة فقط (وهو أول خطاب من دولة إقليمية موجه لأحزاب المعارضة).
***
"جنوبـ" في المملكة كما لليمن "جنوبـ"
استمرار الوضع الميداني على حاله من التعقيد أمام الجيش السعودي منذ دخوله الحرب، في الرابع من نوفمبر الماضي، يشير إلى أن الأمور ستصل به إلى ما وصل إليه الجيش اليمني من قبله: عدم الحسم وتفاقم الخسائر باطراد طوال 5 سنوات.
باستثناء آلاف الأطنان من القنابل والصواريخ التي استنفدتها قوات السعودية ضد أهداف متفرقة (معظمها مدنية) داخل الأراضي اليمنية، فإن أي هدف حيوي لم يتحقق للسعوديين ضد جماعة الحوثي التي تمكنت يوم الجمعة من احتلال موقع سعودي جديد هو موقع الجابري، بدلا من أن تكون قد تقهقرت "عشرات الكيلومترات" داخل أراضي اليمن وفقا للهدف المعلن للجيش السعودي عند بداية المعارك.
وطبقا لتحليلات عديدة فإن الرياض لن تحتمل، في النهاية، حربا طويلة الأمد، كما أن المواقف الدولية المشار إليها آنفا ستثمر ضغطا على المملكة ينتهي إلى اتخاذها قرارا بإيقاف المعارك تحت أي صيغة. وفي حال تحقق ذلك فهل ستجد الحكومة اليمنية نفسها في مأزق نتاجا لانسحاب الدور العسكري السعودي؟ إن هذا ما يبدو مشكوكا فيه لجهة المعروف من قدرة نظام الرئيس صالح على تطويع المآزق بما يفضي إلى تأجيل نتائجها على الأقل إن لم يكن الاستفادة منها.
فالتدخل السعودي، في كل الأحوال، أنتج بعض الخيارات الجيدة بالنسبة لصنعاء قد تلجأ إليها بشكل أو بآخر، وضمن هذه الخيارات التحول إلى موقع المستفيد مما قد يكون ورطة حقيقية ألقت السعودية بنفسها فيها وقد تفتح عليها عددا من الملفات والأزمات التي تجد نفسها معها مضطرة لتقديم "مزايا" نوعية لنظام الرئيس صالح.
ومن حيث المبدأ، أمكن للتورط السعودي حتى الآن خلق مشروع لـ"جنوبـ" مضطرب في المملكة كما هو الحال مع اليمن التي تعاني "جنوبا" مضطربا.
فكل شيء على الخاصرة الجنوبية للسعودية لن يعود كما كان عليه قبل بدء العمليات العسكرية للمملكة، بدءا بواقع نشوء "عدو" استراتيجي (الحوثيون) يشكل سياجا عازلا لنفوذ السعودية في محافظة صعدة ذات الثقل الجيوسياسي والمساحة الجغرافية الكبيرة، وانتهاء بما ستثيره، على المدى المتوسط، مشكلة "التهجير" القسري الذي تعرضت له حوالي 600 قرية سعودية تم نقل سكانها من قبل سلطات المملكة بمبرر الحرب ولكن ضمن خطة لإحداث تغيير ديموغرافي في الجنوب ذي الأغلبية الشيعية المضطهدة.
إن هذا سيمنح الحكومة اليمنية ورقة حيوية تستطيع المقايضة بها في أي وقت: فعلى الرياض أن تعمل على ضمان استقرار نظام الرئيس صالح في المحافظات الجنوبية، كي يعمل الأخير على حماية جنوب المملكة من نتائج "ورطة" صعدة.
ولم تعد أزمة صعدة مسؤولية الحكومة اليمنية منذ تدخل الجيش السعودي، وهذا يعني أن قرار الحرب أو السلم هناك يصبح مرتبطا بطرف آخر غير الرئيس علي عبدالله صالح الذي كان قد أصبح مرهقا لاستفراده بهذا القرار منذ منتصف 2004، وببساطة يمكن للرئيس أن يكتفي بقرار إيقاف الحرب على الجانب السعودي، ليوقفها هو على الجانب اليمني متجنبا التأثير السلبي لإيقافها من قبله دون أن يكون قد حقق فيها نتائج مرضية.
إن معظم القطاعات السياسية التي ستستغل فشله في صعدة (حسين الأحمر مثلا الذي اعتبر إيقاف الحرب الخامسة خيانة وطنية، أو حزب الإصلاح الذي يسخر بشدة من عدم الوصول للحسم العسكري كما يعارض الحل السلمي عبر وساطة كوساطة قطر)، كل هؤلاء هم حلفاء وثيقون للسعودية ولن يجدوا فرصة للانقضاض على صالح عند فشله في الحسم طالما فشلت المملكة أيضا.
سياسة "التنقل بين المعسكرات" ستحضر مرة أخرى، إذ سيصبح لدى الحكومة اليمنية إمكانية أكبر للوصول لعلاقات "تحالفية" مثمرة مع إيران، عند تبدي معالم الإنهاك على الحليف السعودي، الذي يغادر مواقع نفوذه الواحد تلو الآخر خلال السنوات الأخيرة، لمصلحة الجمهورية الإسلامية: من أفغانستان إلى العراق، ففلسطين وسوريا ولبنان، وحاليا اليمن وباكستان.
لعل هذا ما يجعل صنعاء تبقي على "خيط" من المودة مع حكومة طهران، فهي في غمرة اتهامها لإيران بدعم الحوثيين تحرص على "استثناء" الحكومة الإيرانية، والحديث فقط عن ضلوع "مؤسسات وأطراف ومرجعيات" إيرانية غير حكومية.
[email protected]

إقرأ أيضاً