جنوبيون في صنعاء
هلال الجمرة
أخيراً توحّد اليمنيون على ساحة التغيير. وأثبت الشباب الثوريون أن أصل خلافهم هو النظام القائم. وبالتخلص منه سيظل الشعب موحداً والبلد كذلك. فهؤلاء الشباب (جنوبيون وشماليون) يؤمنون بأن السلطة الحاكمة هي من عبثت بالوحدة الشعبية التي تكونت قبل الوحدة السياسية سنة 1990، وبغضبهم المشترك الذي يخرس أصوات الشقاق التفوا حول هدف موحد يتمثل في: إسقاط النظام.
وسط آلاف من المتظاهرين المعتصمين في ساحة التغيير أمام جامعة صنعاء حتى يرحل الرئيس علي عبدالله صالح، يهتف عشرات الشباب الجنوبيين بنفس الحماس برحيل صالح، ويخيمون مع الشماليين جنباً إلى جنب من أجل إسقاط ديكتاتور يحكم اليمن الشمالي منذ 33 عاماً، والجنوب منذ 21 عاماً.
عمر محمد المعطري، مواليد الوحدة اليمنية، الصبيحة بمحافظة لحج الجنوبية، يقول إنه لم يشعر بروح الإخاء "إلا قبل أسبوع عندما انضم إلى المعتصمين في ساحة التغيير". ويشارك مجموعة من أبناء صنعاء وتعز خيمتهم منذ تعرّف عليهم في الساحة قبل أيام، ويفيد بأنه: مرتاح جداً هنا وأحس أني وسط أسرتي وأهلي وربعي.
جاء المعطري، وهو جندي في لواء جواس بمحافظة صعدة، إلى الساحة بعد أن وجد أنه يقتسم مع المعتصمين نفس الهموم، وأن "المقصد واحد والهدف واحد هو رحيل الفساد ويمثله علي عبدالله صالح". رافعاً الوحدة شعاره، ومؤكداً حبه للشمال والشماليين، وقال: "الشعب وطني ولم يفسده سوى نظام صالح، فهو الذي أوجد النزعات المناطقية والعنصرية، والكراهية بين أبناء الشمال والجنوبـ".
"ما أجمل الوحدة وما أحسن اسمها... لكن خانوها السرق والفاسدين"، صدح بالبيت الشعري الذي يؤكد حبهم للوحدة. وقال إنه قد أتى إلى الساحة ب10 من أبناء منطقته للاعتصام، وكل يوم يصطحب معه آخرين.
ويرى مانع الحداد، 21 عاماً، وهو من أبناء مديرية جبن محافظة الضالع، أن مشاركته في الثورة مهمة جداً من أجل إحداث التغيير. وقال إنه يعتبر من بداخل الساحة "أكثر من إخوة". ويعتقد أن الوحدة الحقيقية تتجسد "وسط هذا الاعتصام الوطني العظيم بنسبة 99%".
يدرس مانع في كلية التجارة ويشارك في الاعتصام على فترات. ويبدي سعادته من "أن المطالب في الشمال والجنوب أصبحت موحدة وهي سقوط النظام". ويشير إلى أن عدد الذين يعرفهم من أبناء منطقته يزيدون على 13 شاباً.
في 3 خيام صغيرة قريبة من بوابة الجامعة، علقت عليها ورق مكتوب عليها خيمة أبناء محافظة الضالع، يقيم الشاب عسير الحمري، 19 عاماً، رفقة 15 آخرين من أبناء الضالع جميعهم يدرسون في جامعة صنعاء. قال عسير لـ"النداء": نحن هنا نمثل الشعب، وأنا ضد أن نرفع شعار المنطقة التي ننتمي إليها، لأن هدفنا هنا هو القضاء على المناطقية والعمل من أجل اليمن.
يشارك عسير في اللجنة الأمنية التي توفر الحماية للمتظاهرين، ويقوم بأدوار أخرى في لجنة التنظيم في حال تفرغ من العمل في اللجنة الأمنية. وهو يؤكد أنهم لن يتراجعوا عن مطلب إسقاط النظام "حتى لو سقطت آخر قطرة من دمنا"، وقد طلب مني أن أؤكد على هذه الجملة عدة مرات. وقال: لأول مرة أحس أني أنتمي إلى هذا الوطن في هذه الساحة. مؤكداً على عزمهم ورباطة جأشهم "مع أننا نتوقع الموت في أي لحظة، لكننا لا نخاف، فهذا هو قدرنا".
عدنيون التحقوا بالمظاهرات قبل شهر، وآخرون التحقوا بها عندما خرج شباب عدن للتظاهر والمطالبة بإسقاط النظام، وفريق ثالث التحقوا بها قبل يومين بعد الأحداث الدامية التي شنتها قوات الأمن على المتظاهرين سلمياً في عدن أثناء توجههم إلى خور مكسر. فقتيبة محمود، 23 عاماً، التحق هو ونحو 7 من زملائه بالمظاهرات في صنعاء بعد أن سمعوا باستخدام الأمن للرصاص الحي ضد المعتصمين سلمياً في باب الجامعة قبل أسبوعين، وراح ضحيتها بسام الأكحلي، الذي ما يزال بين الحياة والموت في مستشفى الكويت الجامعي.
وفي مظاهرات واعتصام ساحة التغيير في صنعاء يتواجد العشرات من العدنيين نساءً ورجالاً. يقول قتيبة، وهو خريج تجارة دولية، إن النظام يحيك مؤامرات لجرّ المناطق الجنوبية إلى مربع عنف غير المظاهرات السلمية. وقد تأكد له ذلك عندما بدأ بقتل المتظاهرين قبل يومين في عدن. ولم يستبعد أن يكون الغرض من قتل أبناء عدن هو تحريضهم على رفع شعارات انفصالية تطالب بالانفصال، وترفع شعارات معادية لأبناء الشمال.
ولأن المجتمع العدني مدني و"غير مسلح، فقد تجرأت الحكومة بالخروج لهم بالرصاص الحي وقتلهم أمام العالم"، قال يعقوب. وأضاف: لقد تم التعامل معه بهذا العنف لأنه لا يوجد فيه قبائل.
قتيبة وعبدالله نديم ومحمد طاهر ومحمد ياسين، جميعهم شباب من مواليد الوحدة اليمنية، يؤكدون حرص أبناء عدن والمحافظات الجنوبية على الوحدة. ويقول مأمون علي يعقوب، 22 عاماً، حاصل على مؤهل بكالوريوس محاسبة دولية من بريطانيا، لقد أصبحت مطالبنا موحدة في الشمال والجنوب: إسقاط النظام. وأضاف: كما نطالب بالتدخل الدولي لإيقاف القتل المجاني الذي يقوم به النظام في عدن، ونطالب بإحالة علي صالح وزمرته إلى المحاكمة. وبنظر محمد طاهر، 23 سنة، فالنظام القائم هو الذي أوجد الشرخ بين أبناء الشمال والجنوب وزرع بينهم الكراهية. ولهذا فمطلبهم هو ذاته مطلب الشماليين: ضرورة إسقاط هذا النظام.
*****
أرادها حرباً مناطقية فتوحدت معركتهم ضده
انضمّ عبدالملك إسماعيل، 24 عاماً، من قبيلة أرحب محافظة صنعاء، إلى المظاهرات الشبابية المطالبة بإسقاط الرئيس صالح، بعد 3 أيام من رفع مؤيدي الرئيس صالح شعارات مناطقية، في محاولة منهم لإجهاض الثورة السلمية للطلاب في وقت مبكر، حينما بدأوا يهتفون بجوار تظاهرة للطلاب أمام جامعة صنعاء: "ارحلوا يا براغلة"، واعتدوا على المتظاهرين بالجنابي والهراوات. حينئذ تأكد وهو طالب في كلية الشريعة والقانون، أن الهدف وراء الأصوات التي ترفع شعارات المناطقية هو التشويش على المطالب العادلة وإثارة الفتنة وإدخال الشعب في حرب مناطقية وعنصرية.
ظل النظام القائم على اللعب بهذه الورقة ل3 عقود. لكن الشباب "أفاقوا من غفلتهم وتأكدوا أن النظام يستغلها لصالحه"، قال أحمد الصلوي، 18 سنة. واعتبر التظاهرات المطالبة بإسقاط النظام الذي يشارك فيها، بأنها "أعادت الروح الوطنية للشعب ووحدته، ولمّت شمله، وأذهبت عنه الخوف، وتسعى لإزاحة الضيم عنه".
في ساحة التغيير لا مكان للمناطقية، فأبناء عدن وتعز وصنعاء وعمران ومأرب والحديدة وكافة محافظات الجمهورية تجاوزوا تلك التفاهات، وأصبحوا لا يفكرون سوى "بإسقاط نظام عنصري طالما عمل على إثارة المناطقية واستغلالها في ضرب الشعبـ"، بحسب تأكيد صدام عبدالله، طالب في كلية الآداب. وترى سحر محمد، أن النظام قد "اعتمد على سياسة فرّق تسد، ليبقى هو فقط ويذهب من دونه إلى الجحيم".
ما يزيد على ألف شعار معلقة على خيام وجدران الساحة، لا يوجد فيها ما يثير المناطقية والعنصرية أو المذهبية. وجميعها تصب في هدف وحيد هو الرغبة في التغيير، رغبة جيل الشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم 35 عاماً، في رؤية "رئيس جديد، رئيس يختارونه هم، رئيس يحقق آمالهم وطموحاتهم ويلبي مطالبهم، رئيس بلا أسرة وأبناء"، وفقاً لبعض الشعارات التي عُلّقت.
تلاشت النزعات المناطقية والعنصرية والمذهبية في الساحة، وأصبح الشيعي يهتف جوار السني، وابن تعز يهتف جوار ابن عمران وخولان وعدن، والهاشمي يهتف مع القبيلي والمزين، والمرأة تهتف مع الرجل.. جميعهم بصوت واحد: ارحل... ارحل.. ارحل، ومن في ساحة التغيير في صنعاء يهتفون بشعارات ساحة الحرية بتعز وساحة الحرية في عدن: يا علي ارحل ارحل الكرسي تحتك ذحّل.
وكان الردّ على النزعة المناطقية التي أراد مؤيدو الرئيس العمل عليها وتخويف الناس من الخروج إلى الشارع خوفاً من حرب أهلية كما حذر الرئيس أكثر من مرة وهدد بأن وضع البلد من بعده سيكون حرباً من "طاقة إلى طاقة"، بأن علّق المتظاهرون صور المناضل الأستاذ النعمان على عدد لا بأس به من الخيام.
ومن ساحة التغيير يصلون على قتلى عدن وتعز صلاة الغائب والعكس. لقد اتحدوا على ألا يتراجعوا في إسقاط الرئيس ونظامه، وعلى بناء يمن جديد خالٍ من المفسدين.
الحزبية أيضاً لم تعد موجودة سوى في المنصة، أما الهتافات والشعارات فجميعها متفقة على أنه "لا حزبية ولا أحزاب.. ثورتنا ثورة شبابـ".
****
الهتافات لمن بين الجموع: إنها للشعب وحده
على إيقاع أغاني أيوب طارش والمرشدي والأناشيد يهتفون:
الشعب يريد إسقاط النظام
"أنا الشعب زلزلة عاتية... ستخمد نيرانهم غضبتي"، بهذه الكلمات الثورية أرعب الفنان القدير محمد مرشد ناجي "بلاطجة السلطة" الذين جاؤوا لتفريق الجموع التي تطالب برحيل صالح وتسقط منه شرعية الحكم.
"الهتافات لمن بين الجموع.. إنها للشعب وحده، ولمن وثبتنا دون رجوع... إنهاااااا للشعب وحده"، لم يترك أيوب طارش الشعب لحظة، فأغانيه الوطنية والثورية التي دفنت منذ سنوات، أصبحت الآن جزءاً لا يتجزأ من ثورة أخرى يقول الشباب إنها امتداد لثورتي "26 سبتمبر و14 أكتوبر المجيدتين".
بدون أيوب والمرشدي، والآن انضم إليهما عبود خواجة، ستصبح الساحة خواء. إنهم يغنون للشعب، للحياة، للحرية، للكرامة، وللثورة.
اهتمامات اليمنيين ولهفتهم هذه الأيام لإحداث ثورة شبابية للتغيير على غرار اللتين حدثتا في تونس ومصر، تطغى على أي اهتمام. لذا لا بد أن يستحضروا تاريخهم المجيد وتراثهم الثوري الذي تم دفنه. وبدأوا بالتفتيش عن أغاني أيوب والمرشدي والآنسي والسنيدار وخواجة، وأغانٍ لأم كلثوم ولطيفة.
لكن أغاني أيوب أخذت الجزء الأكبر. ويشارك أيوب الشباب ثورتهم من خلال هذه الأغاني التي سطرت أعظم تاريخ لليمنيين. وعلى إيقاع أغاني أيوب والمرشدي والأناشيد الدينية يهتف المعتصمون المطالبون بتغيير النظام.
ومعلوم أن الفنان أيوب طارش قد غنى عدداً من الأغاني الوطنية والثورية، كما لحن وغنى النشيد الوطني "رددي أيتها الدنيا نشيدي"، وهي قصيدة للمناضل عبدالله عبدالوهاب نعمان اختيرت بعد الوحدة عام 1990 نشيدا وطنيا للبلاد.
*****
تقديم الشباب أنفسهم بصورة أفضل جعل النساء يطمئن للانضمام للاحتجاجات
المرأة جزء من الثورة الشبابية
ظهر أمس، كانت أمل (اسم مستعار) تفتش القادمات من الجهة الجنوبية إلى ساحة التغيير هي وإحدى زميلاتها، وتؤمّن المتظاهرين من إدخال أي متفجرات أو مواد مشتعلة بواسطة الفتيات. في حين كانت عدد من الفتيات يرابطن أمام المنصة ويشاركن الشباب الهتاف ورفع شعارات تطالب الرئيس بالرحيل.
على هذه الساحة المحصورة تماهت الفروق بين الرجل والمرأة. وجنباً إلى جنب، بدأ الجميع للعمل من أجل تغيير جذري لكل السلوكيات والتعاملات السلبية التي عكسها نظام الحكم على العلاقات الاجتماعية، خلال 3 عقود من الزمن. فتحولت نظرات التوجس والريبة التي كانت الفتاة تبادل بها الشاب، إلى نظرات وئام وإخاء واحترام وحب. فسحر محمد، 20 عاماً، وهي خريجة ثانوية عامة، اطمأنت تماماً للوضع منذ مشاركتها الأولى قبل 5 أيام. حتى إن والدها رافقها في البداية، بعد أن أبدت له رغبتها الشديدة في المشاركة في الاحتجاجات الشبابية المطالبة بإسقاط النظام، فاطمأن للوضع "وتأكد بأنه سيتركني بين إخوتي وأسرتي"، قالت سحر.
المؤكد أن ظن والدها لم يخب. فالشاب صادق الآنسي، 24 سنة، طالب في جامعة صنعاء، يعتبر المشاركات أخوات وزميلات عظيمات يفخر الشعب بهن. ويقسم إنه حين رأى نساءً في الساحة يشاركن ارتاح كثيراً وخجل من مغادرة الساحة إلى البيت "قبل أن يرحل الرئيس". لم ير أية معاكسات أو تحرش بالنساء داخل الساحة، ويقول إنه لو سمع بذلك فإنه مستعد لحمايتهن والقتال عليهن.
بداية التظاهرات كانت مشاركة المرأة ضعيفة جداً إن لم تكن شبه منعدمة، سوى من ناشطات حقوقيات لا يتجاوزن ال10، لكن القلة باتت الآن أزيد من 100 امرأة. وكل يوم يزداد العدد. فكلما "تعمق شعور أخريات بالأمان تضاعف العدد"، بحسب أمل الطالبة في جامعة صنعاء. وتؤكد أنه "عندما تنضم إحدى النساء إلى التظاهرات تلقى ترحيباً حاراً وتجد نفسها محاطة بأسرة راقية ومتعاونة".
لا ريب في أن مشاركة المرأة ضرورة ملحة. وهذا ما تجمع عليه النساء المشاركات، وقد شدد على ذلك أحمد محمود سلطان، 21 سنة، أحد المتظاهرين المناوئين لحكم صالح. وقال: الوطن للجميع، ولا بد أن يكون هناك تمثيل لكل فئات وشرائح المجتمع". وأضاف: كذلك المرأة تمثل نصف المجتمع.
غالباً ما ينعكس المقصد السامي على واقع التعامل. فمثلاً ترى سحر، وهي لا تنتمي إلى أي تنظيم سياسي، أن من الشباب المؤيدين للرئيس "البلاطجة منحطون أخلاقياً وأنها لمست ذلك من تعليقاتهم الهابطة خلال مرورها قبل يومين وهم بجوار الجامعة يحملون صور الرئيس". فتعامل هؤلاء مع الفتيات رفع صورة الشباب بنظرهن وأثبت لهن أن أخلاق الشعب اليمني ليست كما "تبدو في سوق باب اليمن حيث الازدحام واستهداف النساء للتحرش بهن". بل هؤلاء على العكس ففي نظر سحر "شباب ساحة التغيير يعاملوننا باحترام ويعطوننا الأكل والماء، حتى إنهم يغطوننا من الشمس". وهنا يبدو الفرق من خلال هدف كل فريق؛ فالأول هدفه حماية الفساد والقذارة بكل مكوناتها، فيما الآخر يهدف إلى إزالة الفساد والفوضى والحكم العبثي.
أرواح جميلة أتت إلى هنا لهدف واحد هو إسقاط النظام. ونساء كثيرات من مختلف الشرائح والفئات العمرية يشاركن ويهتفن وسط الشباب: الشعب يريد إسقاط النظام ويريد التغيير. تأمل سميرة جميل أن يكون التغيير شاملاً، وتؤكد سحر أن الثورات تعلم الشعوب، وتتمنى "أن تكون ثورتنا كذلكـ".
وبالنظر إلى العادات والتقاليد والخصوصية اليمنية، فإن شباب التغيير يوسعون الطريق ويؤمّنون مرور الشابات والنساء بين الجموع دون أن يلمسنهم. وتقول سحر محمد، وهي من محافظة ريمة، إن المشاركات يمثلن المحافظات كلها والطبقات الاجتماعية والأطياف السياسية "هنا فتيات من صنعاء القديمة، عدن، ذمار، تعز، إب، مأرب، المكلا.... وأخريات"، وغالبية المشاركات هن مستقلات سياسياً. وهناك نساء من أصحاب المظالم، لكن الغالبية هن من الناقمات على "سياسة الرئيس العنصرية والظالمة والإجرامية".
وتشارك سحر هي وشقيقتها الطالبة في كلية اللغات سنة رابعة. وأخيها صغير السن، وجميعهم "يكرهون الرئيس صالح وسياسته الخبيثة".. جميعهن هنا مؤمنات بأن "الثورة ستنجح". وقبل يومين صعدت الناشطة الحقوقية ياسمين القاضي إلى المنصة، ووجهت دعوة إلى اليمنيات للمشاركة، فاليمن بحاجة إلى كل الشابات. مشددة على من باستطاعتها التطوع في المشاركة في أي من اللجان، وكذلك في الساحة، المجيء إلى ساحة التغيير باعتبارها الأمل المنير لكل يمني.
******
كرنفال يُذهب اليأس ويبشّر بالنصر
ليالٍ تنبض بالحرية
يوزع المتظاهرون لياليهم على برامج شيقة ومتنوعة وخطرة. يبدؤون لياليهم بالتشديد على منافذ الخوف، التي يأتي منها بلاطجة النظام لإحداث الفوضى والاعتداء على المتظاهرين. ويستمتعون بالأغاني الثورية والوطنية والهتافات المنددة بالرئيس ونظامه، والمطالبة برحيله دون جدال. ويزدحم البرنامج بالخطابات والأخبار وإلقاء الطرائف والنكات. ويختتمون برامجهم بصلاة الفجر.
لقد أظهرت ساحة التغيير أنقى ما في الشعب اليمني. فتجد هناك الأنفة والكبرياء وعزة النفس والأخلاق العالية والتسامح والصبر واقتسام المر والحلو. ومن مشهد 10 من أفراد الحراسة وهم يقتسمون قطعة من الرغيف كل يقسم ويعطي الآخر، نلمس معنى الأخوة.
يدخل المعتصمون في ساحة التغيير بصنعاء، أمام جامعة صنعاء الجديدة، أسبوعهم الثالث، لكنهم ما زالوا بنفس الحماس، بل أشد. فكل خبر استقالة أو انضمام ومساندة يؤثر على معنوياتهم كثيراً، ويعطيهم دفعة للصمود والبقاء. ويقولون إن إيمانهم بمطلبهم يجعلهم أكثر إصراراً على تنفيذه.
تضج الخيام بالساهرين المترقبين لنداء المنصة لهم للذهاب لمنع مؤيدي الرئيس من مهاجمة المعتصمين والاعتداء عليهم. وعلى الأرصفة وأمام المنصة أمام نصب "الإيمان يمان والحكمة يمانية" يهتف المئات بإسقاط النظام.
بالنسبة للجنة الأمن، يبدو أنهم الأكثر عناء رغم تناوبهم المستمر. وتتوزع لجنة الحماية على المنصة والجهات الأربع، شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، لكن الجهة الجنوبية هي أشدها خطراً، فجميع الهجمات جاءت من هذا الاتجاه.
قبل الفجر يبدأ البرد بالتسرب إلى صفوف المرابطين، فيلجأ عدد منهم إلى المخيمات الصغيرة التي نصبوها على الساحة، فيما يواجه البقية البرد بصبر وقوة. ويبحث عدد آخر عن بطانيات وخيام للإيواء إليها. ويتناوب المتظاهرون في البقاء في الساحة والخروج للراحة لبعض الوقت في بيوتهم، فيما الباقون في الساحة يتناوبون على النوم لساعة أو ساعتين، ويعودون مجدداً.
يسبح المتظاهرون: الشعب يريد إسقاط النظام
مع موعد الفجر يتوجه عدد كبير من المعتصمين إلى الجامع للوضوء. وعقب أداء الصلوات يقومون بالاستغفار، لكن بطريقة مختلفة. لقد تحولت استغفارات وتهليلات وتسبيح المصلين في ساحة الحرية إلى دعوات بإسقاط النظام. فعقب التسليم يرددون بصوت موحد: "الشعب يريد إسقاط النظام" أو "ارحل ارحلـ". لقد ألفوا هذين الشعارين ولبسوهما فعلاً وباتا أكثر الكلمات ترديداً.
لا يفوت الشباب موعداً للصلاة. فهم يؤذنون ويشكلون صفوفاً على الساحة، ويقيمون الصلاة. وقد أصبحت جزءاً من الروتين الذي يؤديه المتظاهرون.
كما باتت التحية بين الشباب وبداية التعارف هي: الشعب يريد إسقاط الرئيس.
بعد أداء الصلاة يتوجه عدد من الشباب إلى النظافة قبل بزوغ شمس اليوم الجديد. وتبدو النظافة جزءاً رئيسياً من فقرات السهرة، وتكون النظافة بمبادرة مجموعة من الشباب يشترون أو يأخذون من لجنة الخدمات أكياساً فارغة لجمع المخلفات وإرسالها إلى الأماكن المخصصة لذلك.
التجول بين الخيام وقراءة التعليقات والشعارات الجديدة
مع بداية الضوء يبدأ المتظاهرون في جولة عامة على الخيام. وخلال جولتهم يقرؤون التعليقات والشعارات الجديدة، ويتبادلون التعليقات الساخرة من الرئيس. ويقرؤون تعليقاً جديداً مكتوباً عليه: ارحل يا هيّن.
الحركة التجارية
ويلاحظ وجود حركة تجارية نشطة. فجميع المحلات في هذه الساحة مشرعة لتلبية طلبات المتظاهرين، من مطاعم وكافتيريا ومكتبات وأكشاك، فضلاً عن العربيات التي تلف بين المعتصمين. كما يرقص الشباب على الأغاني الوطنية الثورية، وعلى الأناشيد، حتى أحياناً على الخطابات، فهم يعبرون عن فرحة قادمة ربما يكون هو شعور ما قبل الحرية.
جنوبيون في صنعاء
2011-02-28