"ارحلـ".. مفردة مقدسة تصنع الكتلة التاريخية للتغيير في اليمن
النظام بين انهياره المؤتمري واتحاد الشعب عليه، بين انهياره الأخلاقي والوطني تماماً أو الخروج بأقل الخسائر
فتحي أبو النصر
حتى أمس الأول كان الرئيس علي عبدالله صالح يستمع تماماً كما يبدو لنصائح المأوزمين والأفاقين في حزبه، بحيث يمنعونه عن القيام بإصلاحات وطنية حقيقية ترضي جميع اليمنيين على اختلاف مناطقهم وتياراتهم.
بالامس فقط حاول الرئيس ولو قليلا إدراك الحقيقة، والتعامل بحذر مع اللحظات الحرجة التي يمر بها نظامه واليمن عموماً، بحيث قوبل إصرار الشباب السلميين المتظاهرين مثلا ضده في صنعاء بإجراءات غير تصعيدية قمعياً.
فبعد الايام الدامية التي تعرض لها المتظاهرون السلميون من قبل البلاطجة والأمن، تكللت بإطلاق الرصاص الحي عليهم وسقوط جرحى، استطاع هؤلاء الصمود ومواصلة تظاهراتهم السلمية، ما أحرج النظام أمام العالم الملتزم لمانحيه دولياً برعاية الدمقرطة وحقوق الإنسان، كما أمام عديد من مناصريه في الداخل، خصوصاً بعد العنف الواسع الذي شهدته مدينتا عدن وتعز.
يمكن القول أيضا إن السلطة خففت نوعاً ما من قبضتها الأمنية الهستيرية، حين شاهدت المئات من الشباب في صنعاء يصرون على إقامة اعتصامهم السلمي أمام ساحة الجامعة الجديدة "ساحة التغيير" كما يسمونها، وكذلك واقع الحال في تعز خصوصا بعد إلقاء قنبلة ومقتل متظاهر وإصابة عشرات، كما في عدن بعد إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين وسقوط عشرات القتلى والجرحى، إلا أن الشباب في كل هذه المدن مضوا في إصرارهم على مواصلة سلمية مطالبهم بعناد ثوري فريد.
في السياق، يعلق أحد المعتصمين أن السلطة بدأت تتذكر -ولو على مضض- أن من أهم مواد الدستور "كفالة الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية والمحافظة على كرامتهم وأمنهم"، إضافة إلى أنه "يحظر تسخير القوات المسلحة والأمن والشرطة وأية قوات أخرى لصالح حزب أو فرد أو جماعة، ويجب صيانتها عن كل صور التفرقة الحزبية والعنصرية والطائفية والمناطقية والقبلية، وذلك ضمانًا لحيادها وقيامها بمهامها الوطنية على الوجه الأمثل..".
كانت السلطة استخدمت البلاطجة والورقة المناطقية والقبلية بعد استخدامها أنواعاً عديدة من القمع الأمني، لكن كل تلك الأساليب سرعان ما تصدعت على صخرة صمود الشباب الثوريين وعناد أحلامهم السلمية.
وكان المتظاهرون الموالون للرئيس طبعاً استخدموا العصي والهراوات والجنابي خلال مواجهتهم للطلاب والمواطنين المتظاهرين سلمياً.
وما بات معروفا هو أن قيادات في الحزب الحاكم عملت على دعم مجموعات بالزي غير العسكري لمواجهة هذه التظاهرات السلمية التي تطالب برحيل الرئيس عن الحكم، ولقد أقامت هذه القيادات قبل أسبوعين مخيماً قبلياً في منطقة التحرير، يرابط فيه مدعومون من المال العام لقيام تظاهرات مضادة –تحت إشراف وحماية الأمن- نتج عنها اصطدامات شبه يومية بينها وبين الطلاب والمواطنين العزل.
إثر ذلك تأكد أن قيادات وقواعد في الحزب الحاكم أعربت لقياداتها العليا تنديدها وسخطها للقائمين على مخيم التحرير، ولاستخدام ألفاظ مناطقية من قبل "البلاطجة"، ملوحين باستقالاتهم.
أحد المؤتمريين –طب عدم ذكر اسمه– قال لـ"النداء" إن حزب المؤتمر سينهي نفسه بنفسه في كل الساحات من خلال تلك التصرفات الهمجية التي تجعله حزباً غير وطني. وأضاف أنها تصرفات تعيد اليمنيين بإشراف مباشر من هرم النظام للأسف، إلى المربع المناطقي الخطير، بدلاً من قيام الرئيس بالاستماع لصوت الضمير والعقل، وتغليب المصلحة الوطنية العليا على المصلحة الشخصية الخاصة.
النائب عبدالكريم الأسلمي النائب عن الدائرة 250 في محافظة حجة، قدم استقالته من حزب المؤتمر الحاكم، احتجاجا على قمع التظاهرات السلمية وعدم قيام كتلة المؤتمر بواجبها الأخلاقي والوطني.
بعده بأيام قال النائب المؤتمري عن دائرة دار سعد بعدن عبدالباري دغيش، في نص استقالته من المؤتمر: أعلن استقالتي احتجاجا على سلوك العنف والقمع والقتل طريقا لمواجهة المحتجين والمتظاهرين والمعتصمين سلميا وعسكرة الحياة المدنية وإقلاق سكينة المواطنين ومحاصرة وقصف مناطقهم ومنازلهم، مما أدى إلى سقوط وإصابة العديد من الأبرياء ومن بينهم أطفال في عمر الزهور، إضافة إلى قمع الصحافيين والتضييق على حرية الرأي والتعبير والله ولي التوفيق".
كذلك أعلن 10 نواب من حزب المؤتمر الحاكم عزمهم الانسحاب منه وتشكيل كتلة مستقلة، والتقدم بمبادرة تحمي البلد من الانهيار، وتقف مع المواطن اليمني بعد رفض رئيس المجلس يحيى الراعي مناقشة الأوضاع المتدهورة في اليمن.
النواب البارزون قالوا أيضا إنهم طالبوا مجلس النواب بإصدار بيان لإيقاف ما يحدث من اعتداء وعنف في الشارع اليمني، بينما لم يجدوا عاقلا واحدا يستمع لمقترحهم العقلاني هذا.
بالمقابل كانت أنباء تحدثت نهاية الاسبوع الماضي عن مخيم قبلي جديد يدين اللهجة المناطقية لمخيم التحرير الموالي للحزب الحاكم.
وقال أحد المنظمين لهذا المخيم إن الشعب كله يعاني بسبب ممارسات النظام الفاسد والمستبد والمتخلف والجاثم على صدور اليمنيين مدة 33 عاماً، مضيفاً أن أعناق المسؤولين السمينة خير شاهد على هذا، أما مصائب الشعب فهي لا تنتهي من صعدة إلى حضرموت ومن تهامة حتى مأرب.
وزاد لصحيفة "الثوري" أن اليمن لجميع أبنائها، مشيرا إلى أنها ليست لعلي عبدالله صالح فقط أو أبنائه أو مقربيه أو حتى لأولئك المستفيدين من عبث الحزب الحاكم الذي لا يتقي الله ويعيق أي مستقبل مشرف للوطن.
بالتأكيد فإن قبائل شرفاء يرون أن زج النظام بأسماء قبائلهم في مصالح ضيقة وولاءات غير وطنية، عمل مرفوض ورخيص وجبان. وفوق ما سبق فإن أبناء القبائل هم أكثر من يعانون من تصرفات النظام الطائش الذي يزج بهم في خصوماته السياسية على نحو غير مسؤول، بل ويجعل من أبناء القبائل مجرد "بلاطجة"، وهذا شيء لا يمكن السكوت عنه -بتعبير أحد المراقبين.
الآن، يبدو أن "المؤشر قوي جدا لتوسع الاحتجاجات وانضمام شرائح كبيرة شعبية ومهنية وحقوقيه" للمتظاهرين السلميين في طول البلاد وعرضها تحت مظلة هدف واحد هو رحيل النظام.
يعني ما سبق أن النظام بين انهياره المؤتمري واتحاد الشعب عليه، أي بين انهياره الأخلاقي والوطني تماماً أو الخروج بأقل الخسائر.
والواضح بشدة أن "ارحلـ" هي المفردة المقدسة التي ستصنع الكتلة التاريخية للتغيير في اليمن. إنها حتى الآن وحدت الحالمين بتغيير النظام في الشمال والجنوب كما لم يتم من قبل، فيما كشفت أن هذا النظام لم يتوحد إلا مع وحداته الأمنية أو البلطجية، خصوصا بعد رفع الأخيرين لشعارات مناطقية ضد أبناء المناطق الوسطى وتعز. ولقد كان النظام طيلة سنوات في مشكلة تتفاقم مع الجنوبيين وأتباع المذهب الزيدي في شمال الشمال.
الحوثيون قاهرو النظام أعلنوا كذلك دعمهم للمسيرات الشبابية السلمية، وفي الجنوب يكاد الخطاب يتوحد من الانفصال إلى رحيل النظام. إلى ذلك، سارع ملتقى قبائل مأرب بإعلان تضامنه الكامل مع ما أعلنه حسين وحميد الأحمر حول وقوف قبيلتهما غير السهلة حاشد مع التغيير السلمي، ونيتهم التي لا تراجع عنها لحماية المتظاهرين العزل من اعتداءات بلاطجة النظام. هذا الموقف لمشائخ حاشد التاريخيين يعتبر أول ردة فعل على اللقاءات الأخيرة التي عقدها صالح مع عدد من الشخصيات الاجتماعية الموالية له والمحسوبة على حزب المؤتمر في مختلف مديريات القبائل المحيطة بصنعاء وداخل عديد مديريات في محافظتي عمران وحجة.
أما وقد دعت أحزاب اللقاء المشترك أخيرا -بعد خروجها من ذلك الصمت الذي كصمت القبور- كافة المكونات الحزبية والمجتمعية إلى الالتحام بالشباب المحتجين وجماهير الشعب في فعالياتهم الاحتجاجية الرافضة لاستمرار القمع والاستبداد والقهر والفساد، فإن الحوار يصير صعباً جداً مع سلطة تحشد الرصاص والمناطقية والتأليب القبلي مع كافة أنواع وأعمال البلطجة، ضد متظاهرين سلميين لديهم قضية مشروعة هي إسقاط نظام يستمرئ حكم اليمن واليمنيين منذ 33 عاماً بدون أي تقدم حقيقي وفعال على كافة الأصعدة.. قضية يستميت شبابها عاري الصدر أمام آلة القمع والعنف الرسمية الرهيبة. فيما تلقى تعاطفاً ومناصرة تتسع.
"ارحلـ".. مفردة مقدسة تصنع الكتلة التاريخية للتغيير في اليمن
2011-02-23