صنعاء 19C امطار خفيفة

من مُخيلة المئزر الجمعية:

2010-12-13
من مُخيلة المئزر الجمعية:
من مُخيلة المئزر الجمعية:
                         الذهنية القبلية في الصميم من تصميم شعار "خليجي 20"
أروى عثمان
.. في مقالتي هذه لا أريد أن أتطفل على الفن وخصوصياته، أو على النقد الفني، أو أنتقص من الحدث الكبير والهام في تاريخ اليمن المعاصر (خليجي 20)، ولا أستخف بالمواطن القبيلي ذي الفطرة السليمة، بقدر ما أريد تسجيل انطباعاتي حول تصميم شعار "خليجي 20" من خلال قراءة انثربولوجية –إن جاز التعبير-. فحين وقع بصري لأول مرة على الشعار رأيته براقاً جاذباً يخطف الألباب في بداية الدهشة، إلا أن هذا الانطباع سرعان ما تبخر وأنا أحدق في تفاصيل التصميم وخطوطه العريضة.
ثقافتان مختلفتان ومتناقضتان
بداية –أعتقد- أن الفنان الذي صمم الشعار، يتمتع بخيال كسيح وحبيس تحت سقف "شؤون القبائلـ" قبل أن يكون فناناً.. فقد خلط خصوصيات المعطى القبائلي مع كرة القدم كمعطى مدني، واتضح ذلك من خلال ملبس اللاعب في الشعار، فلا هو ملبس قبيلي، ولا هو مدني، وبمعنى أكثر وضوحاً تم خلط خصوصيات البنية القبلية في الملبس، مع خصوصيات اللبس في بيئة مدنية تنطلق بالكرة كثقافة لها خصوصياتها الثقافية في العالم أجمع. فكيف يتم الجمع بين بيئتين مختلفتين، بل ومتناقضتين؟!
ففي ذلك الملبس القبلي المعروف ب: (المئزر/ المقطب + السُّماطة + حذاءين مثل الحذاءين التشيكيين)، وهذه ملابس لها دلالة معروفة عند اليمني وغير اليمني الذي يعيش أو يعرف اليمن، إنها ملابس ترمز إلى الذكورة القبلية، وإن كانت تنقصها بقية العدة واللوازم الأخرى التي تكتمل بها ومعها صورة القبلي الصرف: الجنبية، القات، والكلاشنكوف والبازوكا، وأطقم الحرس، والرعية اليابسون، الغُبر الدُّبر)، وليس ثمة ضرورة لأن يكتمل العمل الفني برصد فوتوغرافي لكل هذه العدة القبلية، إذ تكفي الرمزية لاكتمال عمل فني.. لكن في ملصق خليجي 20 لم تكن هناك رمزية، بقدر ما نضح تصميم الشعار بأشكال صرفة وفجة في الذهنية قبل متعينات اللوحة، وأظن أنه حتى لو لم تظهر تلك الأشكال طافحة وطافية في الشعار، فإنها مختزنة في أعماق العقل /اللاوعي.
ومع اشتداد الخلط، يتضح أن الفنان لم يميز حدث المناسبة الرياضية الهامة، عن أي حدث يمكن أن يواجهه القبيلي، وأخفق في تصميم الشعار الذي يرمز إلى اللاعبين –المنتخب، من خلال ملابس من المفترض أن تكون رياضية كما هو متعارف عليه في العالم، أو على الأقل يكون فيها رمزية للخفة والانطلاق.. فمهندس التصميم لم يفرق بين اللاعب، والفلاح أو أي رجل عادي يتسوق أو يمشي في الشارع، أو ينتظر دباب، أو مولعي في سوق القات. وإذا ما نظرنا إلى مجمل الصورة، وجدناها ترجعنا إلى ذكريات المغتربين اليمنيين الذين يأتون من أمريكا "مريكن"، فتجده مختالاً، يمشي مشية طاووسية، بالمقطب الملون، والقميص، والشراب الملون "أبو تمساح" الذي يمطه إلى تحت الركبة، والجزمة الشيكية اللامعة، وأخيراً السماطة الرشواني، أبو عذابل.
هذه هي الفكرة ببساطة، وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على ذهنيتنا اليمنية المتعصبة، بل والعصبوية بامتياز، والتي تظهر جلياً أننا أصحاب شخصية منغلقة، "متراسية" لا تطلع على فنون وإبداعات الآخرين، وتساهم وسائل الإعلام عندنا في تكريس ثقافة الانغلاق من حيث تدري ولا تدري، عبر إبرازها لهذه الصور المقترنة باليمن، وامتناعها عن إمداد المشاهد والمتلقي بمادة عن ثقافات العالم، وكيف يخلق هذا العالم أدواته الجديدة في كل يوم على مستوى الفن والإبداع والترقي.
فصول السنة تجتمع في ملبس واحد
فنحن -لا أتكلم هنا عن نخبة النخب- لا نمتلك ثقافة الملبس كالملابس التي تخص المناسبات، ولا نميز ملابس الصيف عن ملابس الشتاء، أو الربيع.. الخ، وذلك ما ورد في انطباعات أحد أفراد البعثة العسكرية العراقية عام 1940، من أن: "اليمنيين يرتدون ملابس من نسيج واحد طول فصول السنة الأربعة، فهم لا يقتنون ملابس خاصة بالشتاء وأخرى بالربيع أو الخريف وأخرى بالصيف، بل يكتفون بالملابس الربيعية والخريفية فقط لكل فصول السنة".
لكن -ما أعرفه- أن أجدادنا كانوا يعيشون حياة طبيعية في ظل ظروف الفقر والعزلة، وكان لكل منطقة زيها الخاص بها، تبعاً لتقلبات الطقس والتضاريس والمناخ، وكانوا يعرفون ما هي الأزياء التي تناسب الجبال ولا تتناسب والبحر، وملابس الصحراء التي تختلف عن غيرها من الأقاليم، كما كانوا يدركون بفطرتهم كل المتغيرات، إلى أن اجتاح البلاد الطوفان الكارثي (الدين –سياسي، والدين –قبائلي)، فلخبط الطبيعة والحياة، والثقافة، وكل شيء، بما في ذلك حتى الهواء الذي نتنفسه، وخصوصاً نحن النساء.
لذلك لم يعد من حقنا أن نستغرب من أن هذه الذهنية هي التي صممت شعار خليجي 20، وتعسفت كل شيء، ومسخت هذا الحدث الكروي الهام، وحوّلت المنتخب إلى قبائل /قبيلي صرف (بدليل تضمين الاستمارات الخاصة بأسماء المشاركين خانة يكتب فيها اسم القبيلة التي ينتمي إليها).
الركلة المئزرية
ملابس الرياضة متعارف عليها في كل العالم: (الشورت، والحذاء والشراب والحذاء الخاص...)، في ذلك الشعار، ترى، من هو هذا الرياضي.. الذي سيركل/ يشوت الكرة، وهو يلبس المقطب والسماطة (أبو علم وطني)، فكيف سيتأتى لصاحب المعوز/ المئزر أن يخطو خطوة واسعة بسعة الركلة/ الشوتة؟ أم هي نفس المعجزات التي ننفرد بها وحدنا دوناً عن العالمين، بحيث ستجعل هذا القبيلي/ اللاعب يزبط الكرة ويحقق الأهداف وهو ملتحف مئزره وسماطته! –هذه المعجزة الأولى.
المعجزة الثانية.. الرسمة تقول بأن اللاعب في حركة العدو والكرة في قامة صدره، فكيف بمئزر لاعبنا (السحري) ظل منسدلاً ثابتاً، فلم ينقشع أو يرتفع قليلاً أثناء العدو واللعب وركل الكرة. فهذه لعمري خصيصة يمنية ومعجزة يمنية بامتياز، خصوصاً لذوي الذهنيات المئزرية.
لقد نسي فناننا أن يفرق بين الركلة، والنطحة/ المرادعة، فالمناطحة تختلف شكلاً ومضمونا عن ركلات ثقافة كرة القدم.
الهنجمة إحدى سمات اللاعب المئزري
وأنت ترى رسمة اللاعب (منتخبنا الوطني) في الملصق وهو يعدو بالكرة، وبتلك الهنجمة، تحضرك صورة المواطن العادي الذي نراه يتكرر في الحياة اليومية في القاع أو باب اليمن، مواطن حامي، في عجلة من أمره، أكمل وجبة الغداء في مطعم للسلتة، ويستعجل الذهاب إلى مقيل الشيخ، ليتحصل على بقعة في رأس الديوان، أو هرول باندفاع من يعتزم مواجهة عدو، أو "مفارعة" من العيار الثقيل أو حل مشكل أو ثأر أو معركة قبلية، وحرص ألا تفوته فرصة تهجير ونحر الأثوار، وبينما هو مسرع (خاطي) في الطريق رأى أطفالاً صغاراً يلعبون الكرة، فتحولت الكرة صوبه ولم يجد بداً من زبطها زبطة مهنجمة كان لها وقع حسن في مزاج الأطفال.. لكن يظل السؤال كيف لهذا (السمخ) المئزري المهنجم والمتجهم أن يحتفظ بفوطته/ مئزره ثابتاً راسخاً رسوخ الجبال؟
وأظن أن ذلك هو مغزى الهنجمة الطافحة على وجه لاعبنا في الملصق -على أساس شموخ المنتخب- ما هي إلا هنجمة شيخ متمرس ومتمترس في أصول الهنجمة المشيخية.
هل في الشورت أو البنطلون ما ينتقص من قيم الرجولة والفحولة؟
خليجي 20، مناسبة كروية، ما الذي كان سيضير لو ظهرت صورة لاعبنا في الملصق وهو يلبس شورتاً؟ وماذا لو ظهر برأس طليق لا يعتمر "سماطة"، أو يتسمط بالعلم الوطني وغيره من الأثقال والمهلكة على غرار الأثقال التي أثخنت (فتة الأوبريت)؟
إنها نفس الذهنية المئزرية/ الواحدية، التي لخبطت وسممت كل مفاصل حياتنا، في البيت، والحوش، المدرسة، والشارع، وأماكن العمل والمناسبات، واكتسحت ولخبطت كل خصوصيات البلاد، اقتلعت منها ألفباء المدنية التي كنا نتطلع إلى غرسها، وكانت مقدمتها قد بزغت في عدن، إلا أنها صارت اليوم عرضة للاندثار بمعاول القبيلة.
تلك الذهنية المئزرية المهنجمة، أما كانت تدرك أنها تقف أمام مشترك إنساني رائع واستثنائي، وأنها تستضيف بطولة من أهم البطولات التي تستضيفها اليمن في تاريخها المعاصر "خليجي 20"، وكان حرياً بها أن تنسى أو تتناسى فرض فكر المئزر والموزر (بندقية قديمة)؟
ولأن زمن المعجزات قد انتهى، شئنا ذلك أم أبينا، فقد أصابت اللعنة المئزرية أبو سماطة، وثقالات أخرى منتخبنا الوطني، وخرج من اللعب من أول ركلة (هذا ليس استهانة بمنتخبنا الوطني، الذي قدم ما بوسعه)، لكن ربما لعبوا وهم متخمون ومخنوقون بالوعي المئزري المهنجم والكابس على مساماتهم ف(حكلل لاعبينا)، ومن الطبيعي أن يتحكولوا، فهذه من سمات المؤتزرين.
نعم هناك فروق..
مرة أخرى، ماذا تريد أن تقول هذه الذهنية القبائلية، وبالأحرى أن تفرضه؟
فمثلما تعسفت قوانين الطبيعة والقوانين الإنسانية، وخرجت بنظريات ثابتة، صارمة (لا تبتدع إلا في اليمن)، من أنه:
• لا فرق بين الدولة والقبيلة، الدولة هي القبيلة، القبيلة هي الدولة (حتى تقبيلت البلاد برمتها وتشرشفت بعده بعتاد الموزر).
• وكذلك فعلت مع نساء اليمن وجرى شرشفتهن بالتكييس الأسود كجزء من التمسك بالدين وبالتقاليد والشرف، وإننا مجتمع محافظ وو.. الخ من هذه المطلقات التي أفرغت من جوهرها، وتحولت إلى شعارات (تجاري –سياسي -ديني)، وبمنطق أيديولوجيا الفرض العسكري يريدون أن يقولوا لنا إن: القبيلي أبو وزرة المعتمر سماطة، المتروس بكل أنواع الثقالات والمتارس والمعدات الحربية، يستطيع أن يلعب، وينافس، ويحقق، وينجح، ويفوز، ويسافر، ويحضر مهرجانات دولية، ومؤتمرات سياسية دولية، ويرقص الصلصة والروك آند رول، وهو مؤتزر بوزرة وبسماطة وعدة القبيلي –ذكرناها سلفاً- المحافظ على تراثه، وتراث أجداده الأقيال الذين شيدوا الحضارات... الخ، وبذا فإنه لا يتشبه بأردية النصارى واليهود والغرب الكافر.
الفن حرية.. وكذلك اللعب
الفنان لا بد أن يكون حراً، أن يقرأ ويشاهد ويرسم، أن يمتلك الثقافة، وفي الناصية الأخرى يملك القدرة على معرفة تجارب الآخرين، ليرسم بذهنية مفتوحة، متحرراً من كل المسبقات، ولا ينصت إلى نظريات وإرشادات خبراء الفنون (وما أكثرهم) في مقايل الوزارات (الدسمة).. فمسبقات الفنان هي الريشة، الألوان، والخيال المنفتح والمبدع، وحضور اللحظة الفنية.. فإن غاب أحد هذه الأسس فإنه حتماً يتحول إلى أي شيء آخر تماماً، لكن لن يكون فناناً.
وإلا كيف تشوفوا؟؟؟
arwaothmanMail

إقرأ أيضاً