كان الثوار والقادة أيام زمان، وهم ينتقلون من الثورة إلى الدولة، يحطمون القيود والأغلال التي كبلت الشعوب والبلدان عن التطور والتقدم، ويضعون أسس البناء ومشاريع التحولات السياسية والتنموية لتحقيق تطلعات الشعوب، اليوم صار العكس مع الثورجيين ودعاة النضال زورًا وبهتانًا، فهم يحطمون ما هو موجود من دولة ومؤسسات في طريق صعودهم إلى السلطة والثراء، ويعيدون وضع الأغلال والقيود في أيادي وأعناق الشعوب والدول، ويسحقونهم سحقًا، ومع ذلك لا يكفون عن ترديد الشعارات والأكاذيب التي ينخدع بها المغفلون للأسف.
إن من يقومون بهذا العمل الخطير والمدمر ضد بلدانهم وشعوبهم، إنما هم صنائع أجهزة مخابرات خارجية معادية لديها ملفات مخزية عنهم، وأحيانًا لقاء أموال ومرتبات شهرية ومخصصات بالعملة الصعبة، جعلتهم يرتمون بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ العمالة على مستوى العالم، وينفذون التوجيهات والأوامر والأجندة بدون نقاش أو تردد.
إننا في اليمن نمر بمرحلة صعبة ومعقدة تداخل فيها الفساد مع الفوضى مع انعدام الأخلاق والضمائر، وهو ما جعلنا نرى الرجال الوطنيين يحاربون ويقصون من المشهد، بينما الأقزام والروافل والدواشين والمنبطحون يتصدرون المشهد، تحرسهم الجنود المجندة والمدرعات، ويسيرون في المواكب والمصفحات، ويسكنون الفنادق الفارهة، ولديهم سجون ومعتقلات، وهم مجرد إمعات ليس لديهم قرار أو موقف إلا ما يقرره طويل العمر أو أبو زعطان من خارج الحدود.
كل الاجتماعات واللقاءات والتصريحات التي يقومون بها ويقولونها هي مجرد طيش فيش لذر الرماد في العيون، ولا تسقي مواطنًا عطشان كوب ليمون باردًا، هو مخطط مرسوم لممارسة الخداع على البسطاء والمغفلين للاستمرار لوقت أطول لتنفيذ مخطط خطير بات مكشوفًا، ألا وهو تمزيق وتفتيت البلاد جنوبًا وشمالًا.
لاحظوا ماذا حدث للإمبراطوريات العظيمة على مر التاريخ حينما وجدت نفسها تنهار وتتمزق إلى دويلات وكانتونات، تبدأ الحرب من الداخل عبر الفساد وتعيين الجهلة واللصوص في المناصب واستبعاد الوطنيين والكفاءات، ثم تدمير المؤسسات وممارسة عملية التجويع ضد الشعوب من خلال رفع الأسعار وقطع المرتبات وتدمير الخدمات والمصالح الاقتصادية، للوصول إلى إذلال الشعوب وتركيعها، لدفعها للاستسلام، للوصول لمرحلة الفوضى وعدم الاستقرار، ومن ثم تنفيذ المخططات الخطيرة، ومن يقومون بهذا العمل هم بالضرورة العملاء والخونة من أبناء البلد، ولنا في الدولة العثمانية والاتحاد السوفيتي وغيرهما أبرز مثال وإن اختلفت الصور والظروف.
متى تصحو الناس من سباتها العميق؟ الخطر يداهم البلد من كل جانب، ونحن بحاجة لحركة وطنية منظمة اليوم تقود عملية التصحيح والتغيير وإسقاط الفاسدين والعملاء، وتجفيف البلد منهم على وجه السرعة، من حقنا أن نعيش أحرارًا على أرضنا، وأن نستفيد من خيرات أرضنا وثرواتنا بعيدًا عن لصوص الداخل والخارج، وأن نصوب المسار الذي نسير عليه كي نصل بالبلد إلى بر الأمان أولًا، ثم تبدأ عملية التصحيح الثانية والتغيير والبناء.
لن نحتاج لهذه الدولة أو تلك، فمعنا في بلدنا ما يكفينا ويفيض عن الحاجة، أهم شيء نكون صادقين ومخلصين وأمناء، وأن نتحلى بالشجاعة في القيام بهذه المهمة العظيمة، أما استمرار هذا الوضع واستمرار هذه الأدوات فيعني السير صوب المجهول ولا غيره، بصورة مؤلمة ومحزنة في آن.