توّج ريال مدريد، ليلة البارحة، بلقب دوري أبطال أوروبا على حساب منافسه في النهائي بروسيا دورتموند. ليودع بذلك اللقب الخامس عشر في خزائنه، ويواصل ابتعاده عن ملاحقيه في سجل المتوجين بلقب البطولة.
فوز أبيض العاصمة مدريد يأتي موافقًا لتوقعات السواد الأعظم من جمهور كرة القدم، ليس لأن الخصم دورتموند، الذي قدم موسمًا قاريًا جديرًا بالإعجاب، ولكن لأن نهائي البطولة الأوروبية الأمجد، إن كان أحد أطرافه أصحاب اليد الطولى في المسابقة، لا يعترف بأبطال غيرهم، ولا يبتسم لغير ألوانهم البيضاء.
هكذا جرى العرف الراسخ منذ العام 1981، حين خسر ريال مدريد نهائي دوري أبطال أوروبا لآخر مرة، أمام نادي ليفربول. من حينها، خاض الريال تسعة نهائيات، فاز بجميعها.
إذن، لم يأتِ هذا الموسم بجديد، ولم يكن دورتموند البطل الذي يهزم نواميس اللعبة، ويشرعن بقوة الطموح قواعد جديدة مكان تلك التي لا ينفك ريال مدريد يطبعها على جدران الواقع، بقوة اعتياد الأمر، أو بشخصية البطل، كما يحب عشاق الفريق تفسير الظاهرة.
حتى مجريات اللقاء، وبالتحديد ما جاء في الشوط الأول من تفوق واضح للنادي الألماني، وسيل الفرص التي أهدرها مهاجموه بغرابة، لا أظن أن شيئًا من هذا قد فاجأ أحدًا، بالذات أولئك الذين شاهدوا ريال مدريد يتعرض لهذا الموقف الحرج بدل المرة عشرة.
فإذا كان هذا حال المتابعين من خلف الشاشات، ينتظرون فوز الريال حتى وهو عاجز عن منع الخصوم من اختراق دفاعاته وتهديد مرماه، المرة تلو الأخرى، وحتى والنتيجة تشير إلى خسارته قبل دقائق معدودة من صافرة النهاية، كما حدث في مناسبات سابقة، كيف إذن بأصحاب الشأن، اللاعبين الذين صاغوا بأقدامهم هذه المبادئ الخارقة لطبيعة الأمور.
بالتأكيد إيمانهم بالفوز يتجاوز حدود إمكانات الخصم واستعداداته، ويتجاوز حتى إمكاناتهم وقدراتهم هم أنفسهم، فالقميص الذي يرتدونه، ينفخ في أرواحهم من ريحه وسحره اللذين اكتسبهما عبر أجيال وعقود من هزيمة المستحيل.
"لا بد أن نعاني إذا أردنا الفوز بدوري الأبطال"، لطالما ردد زين الدين زيدان هذه العبارة، في مؤتمراته الصحفية، حينما كان يشرف على تدريب الريال.
لا يختلف الأمر اليوم، ولن يختلف غدًا، حتى وإن تغيّر المدرب، وتبدّلت تشكيلة اللاعبين، فالمعاناة تكاد تصبح القربان الذي يقدمونه نظير النتيجة النهائية.
لكن هذه المعادلة تخصهم وحدهم، فمعاناة الآخرين تؤدي في أغلب الأحيان إلى عواقب غير محمودة، إلا في حالة ريال مدريد، تتحول إلى وقود، بحسب تعبير كارلو أنشيلوتي، مدرب الفريق الحالي.
هذا الأخير، رفع بتتويج البارحة رصيده من ألقاب دوري الأبطال إلى خمسة كؤوس حققها في مسيرته التدريبية، وهو بهذا الإنجاز صاحب الرقم الأفضل في تاريخ المسابقة.
أنشيلوتي ربما هو أكثر من يفهم تقاليد ريال مدريد وسياقات انتصاراته، حتى وإن لم ينل أسلوب لعبه إعجاب كثير من جماهير اللعبة، ومن ضمنهم مشجعو الريال.
المدرب الإيطالي، الذي يمكن وصفه بأستاذ الأسلوب الواقعي، لا يهمه كثيرًا الشكل الجمالي للكرة التي يقدمها فريقه، ولا ينحو نحو مدربي المدارس الكروية الحديثة، التي تعلي من شأن التفاصيل، دقيقها وغليظها، وتحاول أن تضع في حساباتها وخططها كل شاردة وواردة من الممكن أن تطرأ داخل المستطيل الأخضر، وبالتالي تُعطى على إثرها التعليمات التي سيتصرف وفقها اللاعبون.
الأمر يختلف بالنسبة لأنشيلوتي، فالمرونة والتلقائية هما مفاتيح الانتصار، خصوصًا حينما يكون الفريق الذي يدربه هو ريال مدريد، حيث تحضر جودة اللاعبين أكثر من أي مكان آخر، وتتكفل شخصية الفريق بما تبقى لإنجاز المهمة.