بعد سيطرة الانفصاليين المتخفين مثل هادي، أو الواضحين مثل الزبيدي وجماعته، على ما تسمى السلطة الشرعية، اتخذوا خطوات ممنهجة لتقوية المشروع الانفصالي عبر تعزيز مؤسسات الدولة في المحافظات الجنوبية وتدميرها في المحافظات الشمالية. وقد اتسمت هذه الخطوات برغبة ليس في تقوية المشروع الانفصالي فحسب، وإنما إذلال وإفقار الشماليين، بحجة محاربة الحوثيين. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تم نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، مما أدى إلى حرمان أكثر من 800 ألف موظف حكومي في الشمال من رواتبهم، رغم تعهد الرئيس الكارثة هادي، بأنه سيستمر في صرف الرواتب.
وحاليًا يقوم البنك المركزي في عدن التابع للانفصاليين، باتخاذ خطوات متعمدة لإنشاء منطقة اقتصادية منفصلة في المحافظات الجنوبية لتعزيز الانفصال، وتدمير الاقتصاد بشكل منهجي في المحافظات الشمالية، وكل ذلك يتم تحت الذريعة المتكررة (إضعاف الحوثيين).
وللتأكيد على ما نقوله، نشير إلى آثار هذه القرارات على المواطن العادي في المحافظات الشمالية، بخاصة تلك الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ فحين يُمنع تداول النسخة القديمة من العملة في خارج مناطق سيطرة الحوثيين، فهذا يعني وقف التحويلات المالية من وإلى هذه المناطق بالعملة المحلية، لأن هذه العملة هي عملة التحويل بين المنطقتين، بعد أن منع الحوثيون التداول بالعملة التي يطبعها بنك عدن.
والنتيجة الطبيعية لذلك، أن التحويل لن يتم بين المنطقتين إلا بالعملة الصعبة المتداولة فيهما، مثل الدولار والريال السعودي والدرهم الإماراتي، وغيرها من العملات. وهذا يعني أن التحويلات بين هذه المناطق ستتم كأنها بين دول منفصلة وليس بين محافظات دولة واحدة، وهو ما يرسخ إحدى ركائز الدولة الانفصالية الوهمية.
إلى ذلك، منع البنك المركزي في عدن الغالبية العظمى من البنوك اليمنية من العمل في المناطق الخاضعة لسيطرته، بحجة عدم الالتزام بقراراته التي تقضي بنقل مقراتها إلى عدن، والتي ينظر لها البنك الانفصالي بأنها شمالية. ويعني هذا المنع إنشاء نظامين مصرفيين منفصلين في الدولة، فهذه البنوك لن تعمل إلا في مناطق الحوثيين. وفي المقابل، البنوك التي ستعمل في المحافظات الجنوبية، ستكون تلك التي هي إما تابعة للانفصاليين أو أنها تعمل تحت سيطرتهم. ومن المحتمل أن يرد الحوثيون على هذه القرارات بالمثل، بحيث يتم منع البنوك التي مقرها عدن والمحافظات خارج سيطرتهم، من العمل في مناطقهم، وحينها سيترسخ الانفصال الاقتصادي بشكل كامل، وهذا ما يسعى له الانفصاليون.
وفي نفس السياق؛ قام بنك عدن المركزي، بتقييد التحويلات من وإلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، بهدف زيادة إفقار سكان المحافظات الشمالية؛ فكون التحويلات الخارجية ستنحصر على البنوك ومكاتب الصرافة الموجودة في عدن أو المحافظات الجنوبية فقط؛ فإن هذا سيؤدي إلى مزيد من المعاناة لنحو 70% من السكان. فعمليات التحويلات الخارجية تأخذ وقتًا أطول وعمولة أعلى، والنتيجة هي المزيد من الفقر لهذه الفئة من السكان.
فضلًا عن ذلك، سيتم خنق الاقتصاد في الشمال وعزله، وجعله معتمدًا على المؤسسات المالية الانفصالية أو تلك الخاضعة لسيطرة الانفصاليين. ومن المضحك والمحزن أن الكثير من القرارات الانفصالية التي تستهدف المواطنين في المحافظات الشمالية، تمر عبر مسؤولين ينتمون إلى المحافظات الشمالية، ولكنهم -كما يقول المثل- مجرد "كوز مركوز" وأداة طيعة في أيدي الانفصاليين وداعميهم الأجانب.
إن هذه القرارات وغيرها تؤكد على أن السلطة التي تدعي بأنها تمثل الشعب اليمني، وحصلت وفقًا لذلك على اعتراف العالم الخارجي بها، ليست إلا سلطة خاصة بالانفصاليين، وليس لها علاقة من قريب أو بعيد بالشعب اليمني. فكل أعمالها تهدف إلى تمزيق اليمن وإنهاء الجمهورية اليمنية، وهو ما لا يخفيه من يشغلون أعلى المراتب في هذه السلطة. وعليه؛ فإن على الشعب اليمني رفض تمثيل هذه السلطة له، واعتبارها سلطة انفصالية غير شرعية، مثلها مثل سلطة الحوثيين.