كان المسجد الأقصى ولايزال رمزًا للوجود والصمود والمقاومة الفلسطينية ضد احتلال صهيوني إحلالي طال وبغى وتوحشت سياساته بالانتهاك اليومي للحقوق الوطنية والدينية لشعب محتل تنظم شؤونه في ظل الاحتلال القوانين الدولية، ومنها اتفاقية جنيف الرابعة لعام ١٩٤٩ التي وقعت عليها دولة الاحتلال ولم تحترمها مطلقًا منذ أول يوم لإنشائها، وبعد احتلالها لمدينة القدس والضفة عام ١٩٦٧. ولهذه الأسباب كانت تسمية العمل المقاوم الفذ في ٧ أكتوبر باسم طوفان الأقصى، هي التسمية المناسبة.
الأقصى الذي تنتهك إسرائيل الحريات الدينية فيه، ولا تُستنكر من قبل دول أبرزها أمريكا التي توظف هذه الانتهاكات في بلدان أخرى لأغراض سياسية بحتة. كان مصرع ١٢٠٠ مستعمر في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، حدثًا جللًا في الغرب سارع بإدانته، وقدم الدعم الشامل للعدو المحتل، ونسي أن إسرائيل قتلت أضعاف أضعاف هذا الرقم في حروبها الست ضد قطاع غزة قبل السابع من أكتوبر الخالد، ولكن كما ألفنا منه فهو يعتبر الدم العربي رخيصًا إن لم يكن لا يستحق الثمن، وبالتالي فما تفعله إسرائيل هو عين الصواب وواجب، بل ونيابة عنه.
نحن لا نؤمن بالعنف، ولا نستسيغ القتل، وقد مددنا حكومات وشعوبًا أيادينا للسلام مرات عديدة، منذ أن قبلنا القرارين الأممين ٢٤٢ و٣٣٨، ولكن النظام الاستعماري العنصري لا يريد السلام، ويقتات بالحروب المدعومة دومًا من أنظمة غربية ترى في الكيان الصهيوني رأس حربتها في الوطن العربي لإذلالنا وإشعارنا بالهوان والضعف مهما أُتخِمت خزائننا بالأموال، وهذه الأنظمة ترى من جهة أخرى في العدو صورتها الاستعمارية الماضية التي تحن إليها بعد فقدانها مستعمراتها. آخر دعواتنا للسلام صدرت في القمة العربية بالبحرين في مايو ٢٠٢٤، التي لم تجد آذانًا صاغية في تل أبيب وواشنطن ولندن وباريس وبرلين... الخ.
إن السابع من أكتوبر لم يكن سوى رد فعل طبيعي ومشروع ومؤيد بقرار من الأمم المتحدة صدر عام ١٩٧٩، وهو انتصار أيضًا لمقاومة الشعوب التي احتلت من قبل نفس الجنس ونفس الديانة كالبريطانيين والالمان النازيين.
أوروبا لم تتحرر من النازية إلا بالمقاومة! وقبل الكل لم تتحرر أمريكا من الاستعمار البريطاني بدون مقاومة مسلحة سالت فيها الدماء من الطرفين! إذن، لماذا يُجرِّم الأمريكي والأوروبي مقاومة الفلسطيني لأبشع احتلال عرفته البشرية؟ لقد انتقم الفرنسيون، بالاغتيالات من المتعاونين منهم مع النازية بعد تحرير فرنسا منها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولم يحرك الضمير الغربي ساكنًا لأنه قبل خلق إسرائيل كان يرى المقاومة نضالًا مشروعًا. ليقرأ الغربي المتصهين تاريخه المقاوم قبل إدانته للمقاومة الفلسطينية، ويحترم من جهة ثانية حق الفلسطيني في المقاومة كطريق وحيد لتقرير مصيره، وليصغِ ثالثًا لمناهضة سياسات إسرائيل المتزايدة في الأوساط الطلابية والشبابية والأكاديمية والشعبية، ومنها اليهودية التي طالما ظُللت بالتعبئة الدعائية والإعلامية الصهيونية عن الاحتلال، وبالسردية الإسرائيلية الاستعمارية لتاريخ فلسطين، وزعمها بحق تاريخي لها في فلسطين العربية. هؤلاء يناصرون حرية فلسطين، ويقاومون عن بعد الاحتلال وسياسة الإبادة الجماعية والتهجير القسري التي ما انفكت إسرائيل ترتكبها تحت سمع وبصر واشنطن ولندن وبرلين، وإلى حد كبير وبغيض في الضفة الغربية المحتلة (اجتاحت إسرائيل مخيم جنين ٧٢ مرة منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣).
طوفان الأقصى تعبير شديد القوة بأن الفلسطيني شب عن الطوق، ولم يعد ضعيفًا أمام وحشية الاحتلال. طوفان المقاومة يلقى تأييدًا عالميًا لم تتوقعه غزة ولا تل أبيب ولا واشنطن. طوفان الاستقلال سينتصر، وقد انتصر دبلوماسيًا خارج فلسطين، بدليل أن واشنطن مرتبكة وفي حالة دفاع عن سياساتها المنحازة للاحتلال وجرائمه، والدعم الدولي لفلسطين يتزايد، وليس اعتراف ثلاث دول أوروبية أطلسية هي إسبانيا والنرويج وأيرلندا بدولة فلسطين، وافتتاح سفارة لكولومبيا في رام الله بعد قطعها لعلاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب، سوى أمثلة ستتكرر عما قريب.
إن فلسطين غيرها بعد ٧ أكتوبر، وعلى إسرائيل أن ترضخ وتقبل بها كدولة مستقلة تطبيقًا لقرار التقسيم الذي خلقها من العدم.
المجد والخلود لشهداء الثورة الفلسطينية.
والشفاء العاجل للجرحى.
وإنها لثورة حتى النصر وقيام الدولة الفلسطينية.