٢٢ مايو حدث في التاريخ كان مثيرًا عظيمًا تجاوز كل ما كان يتضمنه الواقع والمحيط من عقد ومشكلات.
أبدًا لم يكن التجاوزر كما يقال ويكرر هنا وهناك، لم يكن شكلانيًا، ولم تكن مجرد قفرة في الفراغ والخواء، لم تكن أيضًا فكرة وقفزة بنيت على عواطف جياشة تنقصها الحكمة والروية المبنية على حسابات أحسن تقديرها من قبل كل الذين آمنوا بالوحدة قدرًا وخروجًا على واقع محيطه لا يقبل الخروج من النفق الذي صمم للبقاء فيه، وبما يحقق أهداف تلك المشاريع القبلية التي قسمت اليمن والجزيرة والمحيط، وأقامت مناخات الطرد لكل آتٍ جديد.
سبتمبر كان حدثًا في التاريخ جديدًا، ناهضته وقاومته نفس القوى التي رأت بمشروع ٢٢ مايو عنوانًا لا يستساغ.
ثورة ١٤ أكتوبر، رغم كل ما يحاولون رميه على جيدها من عبارات الحقد والضلالة، كانت عنوانًا يقتحم المنطقة بمشروع جديد؛ مشروع دولة تعيد ترتيب أوراق كثيرة لها عناوين ومسميات ما كانت لترتضي أن يأتي لها بديل من خارج نسقها. هكذا ظل التاريخ يسير محمولًا على تراث إرث ثقيل وقوى جرى تخليقها مصالح وأهدافًا رسمها من كان يدير اللعبة من بعيد، ووسطاء بالداخل وعن قرب بالمحيط.
لا ريب ولا نكران أخطاء حصلت وأضعفت بنية ثورتي سبتمبر وأكتوبر.
سبتمبر دفعت ثمنًا غاليًا من قبل نفس القوى التي تمظهرت آخر الدهر، لنراها تعيد الإمساك والتوجيه والتمويل لواقع اليمن اليوم، وبما يحقق هواها، لا هوى أهل اليمن جمعى.
ما الذي جرى تحديدًا؟
عشر من السنوات قبل الوحدة بعد حروب دانية ظلت قيادتا الشطرين تتمرجحان داخل دوامة الضحك على الذقون، بينما كان الخط الوطني الداعم والمتبني لمشروع وحدة مغاير في جوهره في أهدافه في تطلعاته لما يدور بمخيلة الحكام والقوى المرتبطة بهم، كانوا يجتهدون وطنيًا، بحثًا عن مشروع تاريخي بديل.
عشر من السنوات جرت مياه كثيرة وحروب وصراعات والقوة الدافعة لمشروع الوحدة تعمل بتحدٍّ حتى لإرادة قيادتي الشطرين... أنجزت لجان الوحدة وثائق تاريخية تضمن حيثياتها أعمدة دولة حقيقية إن تحققت تحمي حقوق شعب لا ينتقل للفراغ والضياع والقوة الغاشمة الأدهى. الذي ينبغي الإشارة إليه أن اللجنة الدستورية أعدت مشروع دستور دولة الوحدة، كان عصارة جهد ونضال أفضل كوادر البلاد شمالًا وجنوبًا، لكن الإرادة المتهربة بالشطرين رمت المشروع بالأدراج لعشر من السنوات، كانت قيادة الشمال التي كانت ترى بمشروع الوحودة نقلة للتاريخ ليس لصالح قوى امتهنت سلب أية إشارات لمعاني الدولة، ورأت بمشروع الدولة لغمًا يزرعه الشيوعيون لينقضوا على البلاد، بينما كانت بعض قيادات الجنوب تنظر لمشروع الدستور أنه تمرير لمشروع أخونة بصوت خفيف الظل.. ولأن الحكام يغافلون الشعوب، وتتم مغافلتهم تلك عبر صراعاتهم الجانبية، هكذا كان الشمال يصطرع، وكان الجنوب يلتهب يتمزق يختنق بصراعاته التي لا شك يستفيد منها نظام صنعاء، وكان الإقليم المحيط ينظر دومًا بعين تستضعف الجار لتبقيه جارًا ضعيفًا، وحين مرر من داخل النفق مشروع الدستور، هكذا فجأة توالت المفاجآت.
أبدًا لم يكن مشروع الوحدة آتيًا ضمن عاطفة جياشة، بل كانت رغبة حصنتها جهود ونضالات قوى يمنية حقيقية تؤمن وتدعو لمشروع دولة حقيقية، دولة مواطنة، وليس دولة تقاسم الإرث المأزوم داخل تخندق كل سلطة مأزومة شمالًا وجنوبًا.
نعم هنا سنبكي ليس على اللبن المسكوب، فمشروع الحلم الوحدة لم يحقق للشعب في الشمال ولا في الجنوب، الأمن والاستقرار من عنف أجهزة أمن السلطة، ولم يحقق للجنوب أي منجز يعتد به عدا المزيد من الإفلاس والضياع. أبناء الشعب مروا بأسوأ فترة عاشوها لم تكن إلا فترة مناكفة... استفزاز... مزيد من تدمير اللحمة الوطنية... مزيدًا من الحروب العبثية... بل إنها أسوأ فترة عاشها أبناء الشطرين عنفًا وتمزيقًا للروابط الثقافية والاجتماعية.
وحاليًا تمر البلاد بعاصفة هوجاء ضاعت العقول، وتم شحن المدافع وشحذ السكاكين، ونقول ولمَ لا يكون للعقل أيضًا برهة للتفكير لنرى كيف الخروج، أقول خروج إخوة بأقل قدر من الخسائر والعواصف المدمرة.
لدينا في رحاب السياسة كثير من المشاريع، لنرى أفضلها، أقول أفضلها القابل للقبول والحياة، بدلًا من إضرام نيران الأحقاد والاحتراب، وتصعيد خطاب العنف والكراهية.
لدينا ما أثمره مؤتمر الحوار الوطني، مع ما يمكن تطويره وتحديثه.
لدينا مخرجات مؤتمر القاهرة...
لدينا رؤية حزب التجمع الوحدوي اليمني والحزب الاشتراكي اليمني.
لدينا ما هو أفضل من مشروع ورؤية استمرار فرض الوحدة بالقوة أو فرض الانفصال بالحرب أيضًا.
هذه محطة من محطات التاريخ الثقيلة، سيكون من روافعها من يقول هنا بأن للجنوب هنا رؤية ينبغي أن تُحترم، ذلك أمر مشروع وحق في السياسة، لكن دون أن يقودنا ذلك لمواجهة لا تحمل إلا لمزيد من الدوران داخل طاحونة الضياع، لأن المصالح لأكثر من ثلاثين مليونًا أفضل من سوءات سنوات الحرب العجاف التي لم تصل بنا لجبال مران، ولكنها أمعنت تمزيقًا بالشعب والبلاد.
٢٢ مايو سفر الولادة والتكوين
2024-05-20