انتظرناها طويلًا. كانت الوحدة تهمة. ضحينا بشبابنا بضمير مرتاح من أجلها.
سجن الآلاف وعذبوا واتهموا بما ليس فيهم. حلمهم تبخر وسرق. سجن الآلاف لأن الوحدوية كانت ترقى إلى العمالة. كل وحدوي كان يتهم بأنه عميل للجنوب وحامل لفكر مستورد يجب قمعه وسجنه واضطهاده مدى الحياة وتشويهه، وكأن ثورة سبتمبر قامت لتثبيت الأمر الواقع، وليس التغيير والتحول إلى الأفضل. اتهمنا العهد "البائد" ولانزال بالعزلة والتخلف، ونحن في نفس المكان مرابطون. العزلة هي الصمت الذي تفشى وقبول سوء الحال ونوم الضمير وقوقعته حول مصلحة أنانية غالبًا غير مشروعة. العهد البائد لم يشهد الفساد الذي نعيشه، ولا العمالة التي نعاني منها وندفع ثمنها من حاضرنا ومستقبلنا. اليمن لم تتغير إلا قليلًا، ويكفي الاطلاع على ما يكتبه الغير عنا وما تتحدث به أرقام وإحصائيات البنك الدولي وكافة المنظمات الدولية ومراقبو الشأن اليمني. في التعليم نحن الأسوأ. في الصحة نحن في ذيل القائمة. في الفساد نحن في أعلاها. في الانتخابات كنا أفضل من يُزورها. في الحكم الرشيد نحن أول من يفتقده. في حمل السلاح وقتل الأخ لأخيه نحن الأوائل، ومن يحملون السلاح أكثر من عشرة أضعاف من يحملون القلم. في الرزق الحرام الداخلي والخارجي حدث ولا حرج، ونسعى إليهما سعي الوحوش. في الوطنية نقبض من هنا وهناك، ونحاضر فيها، ونتزاحم على من هو الوطني الأول بلا منازع، ونتهم الغير ونبرئ أنفسنا. في الطائفية سيأتي وقت نسابق فيه لبنان. الغير يستخدمها لتعظيم قوته وزيادة نفوذه، ونحن نوظفها للارتزاق وإضعاف مجتمعنا وتفكيكه. في التخلف والفقر الحال خير شاهد عليهما، ولا مزيد. في الخطاب الديني والسياسي والإعلامي، تاريخيًا، الهوة سحيقة بين ما يقال وبين السلوك، ونبُز غيرنا جميعهم بدون استثناء.
رغم ثورتين ووحدة لا شيء استثنائي أو كبير تحقق للناس يستحق الافتخار به. سلطنة عمان كانت وراءنا حتى منتصف سبعينيات القرن الماضي، واليوم المسافة بيننا وبينها فلكية. استفادت أقلية من الناس قد لا تزيد عن 15%، من دماء الشهداء والدمار الذي شهدته اليمن في الحروب التي لم تتوقف منذ عام 1962.
قبل الوحدة كنا ولانزال نعاير الجنوبيين بفقرهم، وكأن متوسط الدخل عندنا كان يبز دخل دولة صناعية، ولن أقول نفطية. لم يلتفت منا إلا القليل بمن غدر بالوحدة، والبعض يعبد الصنم حتى اليوم. تقول له: فعل. قتل. سرق. قسّم. اتبع سياسة فرق تسد. حارب في الجنوب وفي الشمال، وقبض من الخارج، وهرب البلايين من الدولارات من أموال شعب فقير جدًا إلى الخارج... ومع هذا فكل ما فعله وارتكبه من جرائم ذات مذاق حلو وزي العسل، وتتهم بأنك من الدنق، لأنك قلت يومًا ما كفى، وفشلت مؤقتًا. كيف يمكن رد الاعتبار للوحدة وللوحدويين الحقيقيين، وترميم ما انكسر، والتفكير والعمل الجاد لتحقيق مصالح الناس والحفاظ على سيادة واستقلال وكرامة الوطن؟ هذه مهمة تاريخية لا يوجد حامل لها. للأسف، الكل فشل. الكل تواطأ. ومن لم يقبض من قبل يقبض اليوم. إن من صدمونا بتحولهم وبتناقضهم مع ما كانوا يعتقدونه ويبشرون به، عصي على الحصر. ومالناش في الطيب نصيب.
الوحدة اليمنية
2024-05-20