هل هي صدفة أم مفارقة تدعو للتأمل والحسرة أن تنعقد القمة العربية في البحرين بعد احتفال دولة الاحتلال بيوم واحد فقط بما يسمى "الاستقلال" عام 1948، وهو عام النكبة الذي زرعت فيه دولة احتلال، وتم اقتلاع الشعب الفلسطيني من وطنه بالاستيطان تطبيقًا لقرار جائر لم يسبق له مثيل، ولم ولن يتكرر في التاريخ، أن يشرع مجلس الأمن احتلال حركة هرتزل الصهيونية التي لم تكن لها علاقة بأرض فلسطين، لأن اليهود في فلسطين والمنطقة العربية قبل الهجرة الصهيونية، كانوا يعتبرون مواطنين.
ولأول مرة يتم تقسيم كيان عربي متطور كان يملك كل مقومات الدولة المستقلة، بين غاصب وصاحب حق، تطبيقًا لقرار النكبة والتقسيم الذي صدر عام 1947، ولم يطبق بكامله حتى بعد مرور 76 عامًا على صدوره، وترفض إسرائيل تطبيقه، بل تنكر نيل الشعب الفلسطيني حقه في القليل من أرضه، مسنودة بالمستعمرة الصهيونية، أمريكا بدون مبالغة. كان القرار تعبيرًا عن موازين قوى مختلة لصالح المعسكر الرأسمالي بعد الحرب العالمية الثانية، مهدت له بدهاء وبخبث وبصبر دولة الانتداب، بريطانيا، التي لم يكن انتدابها نزيهًا، وكان منحازًا للحركة الصهيونية، وهي التي جعلت من تطبيق وعد بلفور جزءًا لا يتجزأ من صك الانتداب، وفعلت كل ما تستطيعه لكي تمكن العصابات الصهيونية الإرهابية المسلحة من فرض الوجود الاستعماري الصهيوني بقوة السلاح والقتل واغتصاب الأرض تحت سمع وبصر دولة الانتداب. لم تسلم دولة الانتداب من رذاذ الإرهاب الصهيوني، وكانت في قرارة نفسها تسعد بذلك لكي توهم عرب فلسطين وتخدعهم بأنها ضحيته مثلهم، ولقد أعلنت أن مناحم بيجن، زعيم إحدى العصابات الصهيونية، وجزار مذبحة دير ياسين عام 1948، إرهابي، ورصدت جائزة كبرى لمن يلقي القبض عليه، ولكن هذا لا يشفع لها بيع فلسطين والتفريط بها وتفاخرها بعد مرور مائة عام على وعد بلفور المشؤوم بصدوره، ورفضها الرسمي الاعتذار للشعب الفلسطيني عن إصداره.
أول قمة عربية في ظل المقاومة المستمرة
بعد مرور هذه العقود، ما الذي يمكن أن تقدمه القمة العربية التي تنعقد في البحرين من بلسم لقضية العرب الكبرى؟
إن ما يضفي على قمة البحرين أهمية استثنائية هي انعقادها في ظل استمرار صمود المقاومة الفلسطينية للشهر الثامن أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية المتوحشة التي تتفوق على بعض الجيوش العربية النظامية بنوعية السلاح الأمريكي الذي تنفرد بامتلاكه، ناهيكم عن دعم أمريكي وغربي نشط عسكريًا واستخباراتيًا واقتصاديًا وسياسيًا. وقطعًا فإن النظام العربي الرسمي أمام امتحان مصيري لا يخص غزة وحدها، بل كل فلسطين، وكل الأمة العربية. ومن حيث المبدأ والقيم العربية، انصر أخاك...، لا ينبغي أن تكون المقاومة تحت نيران العدو، وفي نفس الوقت معزولة عربيًا، ولا تتنفس رئتاها إلا في عاصمتين عربيتين فقط! الصهاينة في مختلف بقاع العالم، وحلفاؤهم تبرعوا ودعموا العدوان بمليارات الدولارات، وأرسلوا الآلاف ليقاتلوا مع دولة الاحتلال، والعرب سائرون في جفائهم، وأذن من طين وأخرى من عجين. إن الشعوب العربية التي تتحمل المسؤلية أيضًا تطالب بدعم المقاومة من قبل الدول العربية، كما تفعل عدة دول حليفة لإسرائيل، ليست آخرها أوكرانيا والهند! أليست قضية فلسطين قضية عربية وإسلامية، وقضية العرب الكبرى؟ ما هي ترجمة هذا عمليًا إذا كنا نؤيد القضية، ونختلف حول المقاومة، وبعضنا لا يريدها أن تحقق أهدافها، بل يهاجمها ولا يعتبرها مشروعة؟
في اللحظات المصيرية الخطيرة، على الكل بدون استثناء دفن الخلافات الثانوية لصالح القضية الرئيسية الأهم التي لم تجد من أهلها كلهم سوى القليل القليل.
هل كانت نتائج قمة البحرين في مستوى التحديات والتوقعات، أم كسابقاتها رغم اختلاف الظروف التي تمر بها القضية الفلسطينية والأمة العربية؟
كما أشرنا سابقًا، لقد مرت منذ يومين ذكرى التقسيم والنكبة الفلسطينية، وهذا يذكرنا بالنكسات والنكبات التي مرت وتمر بها القضية الفلسطينية والأمة العربية، فمتى يستيقظ الضمير العربي ليعي خطورة المزيد من النكبات والنكسات، وليتجاوز كل الصعوبات والصراعات الصغيرة، ليرسم طريق المستقبل نحو غد أفضل لفلسطين وللأجيال العربية القادمة؟
المجد والخلود لشهداء غزة والمدن الفلسطينية.
الشفاء العاجل للجرحى.
224 يومًا من الصمود البطولي.. فلسطين بين مايو 1948 ومايو 2024
2024-05-17