أحمد أنا لي منعك اترك العناد ولُمْ بين إخوتك"
يحيى الراعي على حق.
أحمد سيف حاشد عنيد ومستعد أن يقذف بنفسه من شاهق لإنصاف رجل مظلوم بالخارج.
يأتي أحمد سيف حاشد إلى قاعة البرلمان مهرولًا مثل أي رجل مهموم بقضية.
يتصبب عرقًا، إذ يبحث عن شيء وسط أوراقه المبعثرة، وهو واقف مثل محامٍ أعزل يخشى انقطاع المايك.
إنه مستعد أن يصعد واقفًا على اللوح الخشبي أمامه، ويقاطع الرئيس!
أظن رأيت معه مسدسًا ذات يوم!
وطول رحلته النيابية على مدى 21 عامًا، لم يكن أحمد سيف حاشد من هواة الكلام في المجلس، إذ إنه لا يطلب الحديث دائمًا.
يوقع على الحافظة أمام المنصة، وفقط، ثم يقفل عائدًا إلى حارة "التهايم" بين نواب غرب حجة والحديدة وناصر عرمان، الذين ينزلون في الطرف الآخر من القاعة، مكحلين ومزيّنين بكوافي الخيزران وبالحبق.
أغلبهم مشايخ وأثرياء وكبار السن من ألطف الناس. وبالجوار "حي الحضارم"، ولا يبدو أن أحمد سيف القابع في المربع التهامي منذ عشرين عامًا، قد كوّن علاقة صداقة مع أحد جيرانه هؤلاء.
كما أنه محسوب مقررًا للجنة "حقوق الإنسان" التي يرأسها الشيخ محمد ناجي الشايف. وهي اللجنة التي لم تجتمع دفعة واحدة في تاريخها.
أتحدث هنا عن ذكريات من البرلمان اليمني قبل أن تضربه لعنة التشرذم.
لماذا أقصوا أحمد سيف من لجنة الحقوق والحريات إذن؟!
هذه اللجنة أساسًا تم إسنادها إرضاءً للشيخ الشايف، لتكون المعادل التشريفي للجنة الشباب والرياضة برئاسة المرحوم الشيخ حسين الأحمر.
ومن يشاهد نضال أحمد سيف حاشد، يظن أن "لجنة حقوق الإنسان والحريات" إحدى أنشط لجان المجلس.
لا.
الرجل مستقل، ويعمل بمفرده من أول يوم، إذ يظهر من خلال نشاطه وحيويته أنه الدينامو المحرك لهذه اللجنة.
البرلمان الحالي في صنعاء عمد مؤخرًا لنقل أحمد سيف إلى "لجنة العدل والأوقاف"، ولا تستغربوا إذا ما عاد أحمد سيف حاشد بصحة جيدة من الخارج، أن يرفع الأذان داخل القاعة ذات يوم، عنادًا لهم.
توقعوا أي شيء!
لقد قرر أن يحبس نفسه داخل المجلس أكثر من مرة، وأن يعتصم. وبدا الأمر محرجًا لرئيس المجلس الذي تنهد يومها من أعماقه، وهو ينظر إليه مقيّدًا بالسلاسل والأقفال: "الله يرد عليك عقلك يا أحمد، أنا أسأله وأدعيه.. وإلا يأخذك".
ربما إن وزير الأوقاف هو الوحيد بين زملائه على تعاقب الحكومات الذي لم يحضر ولم يستدعَ إلى المجلس إلا نادرًا.
قريبًا سوف يحضر للرد على التكاليف الباهظة لأسعار القبور إذا ما عاد أحمد سيف حاشد بصحة جيدة.
إنه مستعد أن يدوخ بناظري الأوقاف والزكاة، وأن يكافح الفساد المتغول منذ عقود فوق منابر المساجد.
الناس تجتمع عصرًا في اللجان. وأحمد سيف، مثل أي مناضل بلا لجنة، يناقش هموم الناس من أبناء دائرته في البيت. وفي الصباح يأتي ضمن الفوج الأول من النواب.
ديوانه يكتظ بالزائرين. ولا يستطيع عندما يغادر بوابة المجلس أن يمضي وسط العشرات دون أن يعزمهم غداء، بصرف النظر عمن هم ومن أين.
بعضهم يصعد في سيارته، والبعض يركّبهم باصًا أو تاكسيًا، ويخاطبهم: الحقونا إلى "خور مكسر"!
و"خور مكسر" مطعم أحمد سيف المفضل في الصافية. وأحيانًا يقصد مطعمًا آخر في الدائري إذا كان العدد أكثر.
وأحمد سيف لا يرد أي سائل وفي جيبه نقود.
يشغث ما طلع من جيبه ويعطيهم.
ما أطيب هذا الرجل وأكرمه وأوفاه.
قلبه يفيض حبًا للبسطاء والكادحين. وعندما أصدر صحيفة قبل 18 سنة، فتح ملف مرضى الحالات النفسية، وأجرى حوارات مع "المجانين" في غاية الدهشة.
كان يتفقدهم في كل مكان، وحققت الصحيفة إنجازًا لصالح هذه الفئة، والذي بموجبه باشرت السلطات يومها تأهيل مصحات الأمراض النفسية داخل السجون المركزية، وبالذات في الإصلاحية المركزية بصنعاء، التي دخلتها أكثر من مرة في 2007 و2008، وكانت غاية في الدهشة والنظافة، وفي قلبها حديقة وغابة من الشجر.
رجل نظيف وصادق لدرجة تستطيع معها أن تقول: إنه يستعد أن يقذف بنفسه من الحيد أمام الحشود في سبيل ما يعتقد أنه حق فعلًا.
وبصرف النظر عن طريقته وأساليبه في النضال، إلا أن أحمد سيف جبل عظيم في وجه التعديات والجور.
ومن عادته أنه يحتشد بكل تفانٍ بحثًا عن الإنصاف والعدالة.
لا يصبر على الباطل أبدًا. وعندما يناقش مشاريع القوانين، تجده من أفضل النواب ضبطًا للتعاريف وللجمل المُحكمة التي لا تقبل التأويل.
نزيه وكريم وشجاع. وأنا أتحدث هنا عن إنسان قلبه يفيض بالمشاعر العظيمة تجاه الناس والكادحين بصرف النظر عن جدوى تقديراته للأمور.
هذا الإنسان الذي قدم إلى ساحة البرلمان من وسط الناس، يمثل قيمة نادرة بالنسبة لحالة النائب المقيم في وسط الجماهير، وفي قلوبهم.
أظن رأيت معه مسدسًا ذات يوم! أحمد سيف حاشد
2024-05-15