إشكالية هذا البلد أن آليات التواصل وتعمق الاتصالات بين أطراف ميدان السياسة تأخذ طرقًا إما متعرجة أو ملتوية، أو تبنى وفق حسابات منظورها ضيق بالمعنى الأشمل لكلمة ضيق... لذا تظل همزة الوصل مشدودة معرضة إما للتوتر أو الانقطاع بين جماعة السلطة الحاكمة وباقي الأطياف السياسية خارجها، وإما عرضة للارتياب أو الشك والتشكيك، ومن ثم يتم التعامل معها من منظور الحذر، بل قد يصل الأمر لدرجة إعمال مفعول مبدأ قاتل يعتمد مفهومًا مدمرًا مخابراتيًا... من ليس معنا فهو ضدنا... هكذا دونما أي مسوغ تراكمي يكشف ما يبين ويبرر مثل هذا الاعتقاد الخاطئ.
من طبائع الأمور في ميادين الاشتغال بالسياسة، التباين في المواقف وفي وجهات النظر، وكل طرف له باع بميادين السياسة اتخاذ ما يراه تلك من طبائع أمور السياسة، لكن لدينا تسير الأمور وفقًا لقراءات ضيقة، بل قد تتمادى لقراءات مسبقة التكييف يدخل معها قائلها جحيم الاتهام.
نحن بعد مضي عشر سنوات طاحنة بلدنا بحاجة لمشروع تسوية سياسية شاملة تسهم بها كافة القوى السياسية والشخصيات الاجتماعية والثقافية ودونما إقصاء... بلادنا كما نعرف جميعًا تمر بحالة مليئة بالمشاكل والتعقيدات التى زادها الانقلاب على مخرجات الحوار الوطني تعقيدًا وتشتتًا، كما زادتها الحرب التي أكملت سنتها العاشرة، حرب راكمت ودمرت وأكلت الأخضر واليابس، ومما زاد الأمر خطورة ما بات واضحًا للعيان مشاريع التقاسم وتقسيم رقعة الجغرافيا السياسية للجمهورية اليمنية وفق ما بات يطرح من مشاريع التقاسم والأقاليم، بل يذهب الأمر نحوًا أبعد نحو التشرذم والانفصال.
هنا الأمر يتطلب من ذوي الحكمة اليمانية أن تبقى لها وجود من أعمال حكمة العقل لإعمال مبدأ قبول الآخر... الآخر المعارض، وليس المناهض.
هناك حقيقة كلية يتوافق عليها الطيف السياسي الوطني قاعدته دحر وإنهاء انقلاب الحوثي والانقلاب على مخرجات الحوار الوطني، ومن ثم التوافق على رؤية وطنية لتحقيق ذلك... لدينا آلية الشرعية المنوط بها مثل هذه المهمة، تعرضت مسيرتها لارتجاحات أربكتها وأربكت معها الواقع السياسي الوطني بأكمله، وكان يأمل من خلال إعادة تشكله في صورة المجلس الرئاسي بأعضائه الثمانية من مشارب شتى يصل أمرها بين التناقض الكلي في مروياتيها وأولوياتها السياسية أو حتى تعارضات تفضي إلى التلكو في مهام تتعلق بقضية استعادة الدولة ومؤسساتها، والانطلاق نحو تحقيق باقي الملفات المرتبطة بحياة الناس ضمن جملة تعقيدات معقدة تتحكم بكافة الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية، بات البلد ساحة لصراعات خارج الخط الوطني، وهو أمر يضعف تأثير ما ينبغي أن ينجز من قبل المجلس الرئاسي بعد أكثر من عامين من تشكيله.
هنا أتوقف لأبين بيت القصيد من كتابة هذا الموضوع، إذ إن جوهره يتعلق بطبيعة ما ينبغي أن تكون علية العلاقة بين المجلس وباقي الأطياف، علاقة تبنى على تجسير الهوة، وخلق قنوات تواصل مرنة، وتوسيع قاعدة المشاركة بعيدًا عن مفاهيم أبوية السلطة المهيمنة التي تأمر والآخر يقبل صاغرًا... أسلوب المحاصصة... قاتل ونافٍ للمشاركة الحقيقية، كما أن احتكار السلطة من قبل طرف بعينه لا يبني وطنًا، بل يوسع شقة الخلافات بين أطراف لها حقوق متساوية، عدا ذلك يقود للتشرذم كما هو حاصل الآن، حيث تستعر بين أطرافها مظاهر تباينات جوهرية لا بد من إنهائها، والأمر تأكيدًا بيد من يمسكون مقاليد الأمور، وعليه وجب القول بأن أي وجود هنا أو هناك لانتقادات لا ينبغي النظر إليها نظرة عدائية، المهم استيعابها وفق ما تتطلبه شروط ومقتضيات الممارسات السياسية، ولا يبنغي بتاتًا النظر إليها نظرة عدائية، بل يتطلب الأمر حنكة سياسية لا تغالط، ولكن تتفهم حق مشاركة الغير، وعدم اعتبارها إنما تصب في خدمة الانقلاب، ذلك خطأ فادح وقاتل.
الأمر بتاتًا ليس كذلك، حيث ممارسات السياسة تتطلب وجود معارضة ومعارضة قوية تصب مفاعيلها في تعزيز الثوابت الوطنية، وتلك قضية لها ما يبررها على أرض الواقع، ما عدا ذلك فكل من يتعامل مع المعارضة من موقف التخوين أو الإلغاء، أو يطالبها بالبقاء في حاضنة السلطة، فأسلوب مدمر لا نفع معه... تصوروا على سبيل المثل ما جرى من مواقف تلبست هذا الثوب، مواقف تكاد تصل حد التشكيك بأي موقف معارض رغم الإدراك بأن قائله ومتبنيه آتٍ من صلب التيار الوطني المدافع عن ذات القضايا الاستراتيجية والجيوسياسية التي أتى من أجلها تشكيل المجلس الرئاسي بالمواصفات التي أشرنا إليها.
ضمن هذا السياق، نؤكد أن التعامل مع الصوت المعارض وفق مفهوم من ليس معنا فهو ضدنا... بل يذهب الأمر حد الإقرار بأن التفكير إن لم يظل متماهيًا مع تفكير صندوق السلطة، تبقى الطامة الكبرى وإلحاق الأذى بمن تم تصنيفهم ضمن ذلك المعيار المدمر خطأ جسيم، بخاصة إذا عرفنا أن شكل المشاركة من قبل الآخرين معدومة، لأن تكون المجلس الرئاسي وفق مبدأ المحاصصة وتوابعها من تفاعيل التوجهات اللاوطنية، يصبح معها الرأي الآخر مغيبًا، بل محرمًا ومحاربًا، وبهذا الصدد أضع القارئ الكريم الطريقة التي تم من خلالها التعامل مع منطلقات وأفكار الأخ السفير مصطفى نعمان الذي لا يمكن إلا وضعه ضمن فيالق الصمود الوطني الباحثة عن وطن تحكمه مثل هكذا تصنيفات، فالأخ السفير مصطفى نعمان، ومن خلال كتاباته، أحرص على تبني الخط الوطني السليم، سواء تعلق الأمر بالقضية الجنوبية كقضية أساسية لا يجدي تهميشها، كما لا يجدي التحليق برفع سقف مطالبها بعيدًا عن قضايا وطنية أشمل، لا شك تخدمان بعضهما، وليس كما جرى خلال وحدة 22 مايو، ونفس الموقف نفهمه أيضًا من موقفه خلال مقابلته وما قاله وأوضحه بجلاء وبنفس وطني مع تلفزة المدار الذي تبين من خلال ما كان يطرحه بإلحاح مقدم برنامجها محاور الأخ مصطفى حين أراده أن يكون مجرد معارض من داخل الصندوق... صندوق السلطة، وأي خروج على النص يعتبر معارضة تخدم أهداف الانقلاب، وتصب في خانة إضعاف الشرعية...
يا سادة، الشرعية أقوى مع وجود معارضة قوية حقيقية تفهم أين تقف... أما التسرع والتعجل بإعمال مبادئ ناسفة كمبدأ من ليس معنا فهو ضدنا... ومبدأ الدوران داخل عجلات الصندوق القاتل، فلا مجال لها في رحلة العمل المشترك الذي يسهم به الجميع. عدا ذلك نحن ندور في حلقات مفرغة من اللغو واللعب على المتناقضات، وتلك ألعاب بارع ومبدع فيها ذلك الذي تآمر وانقلب على مخرجات الحوار الوطني، وتعداه إلى ما هو أبعد نحو هدم أسس جمهورية سبتمبر وأكتوبر، منعًا لها من استعادة دولتها المصادرة من قبله، وعودة موسساتها المتشظية الممزقة داخل وخارج الوطن، وتلك قضايا كل الطيف الوطني متفق بشأنها ويدافع عنها، ويتبنى ذات المواقف التي أكد عليها عزيزنا السقير مصطفى نعمان أثناء حواره، سواء تعلق الأمر بما طرحه من آراء حول القضية الجنوبية، مع الاحترام لما طرح بشأنها من آراء من قبل بعض الأعزاء.
أما مقدم برنامج المدار، فذكرني بذلك الإعلامي الذي أدار معه الأستاذ مصطفى بكري لقاء قبيل حواره مع الأخ رئيس المجلس الرئاسي، وكان مؤديًا جيدًا وفق مقولة كله تمام يا فندم، وهو أسلوب لا نوده ولا نرجوه.
دعونا نقترب أكثر
2024-04-11