نسأل أنفسنا، والسؤال الصحيح مشروع وواجب، لأن فيه بداية الطريق نحو الخروج من عنق الأزمة، عنق الزجاجة.
إذن، ماذا نريد؟ تتفرع الإجابات، وتلتقي كلها في محطة البحث عن الخروج من نفق الأزمة الهيكلية التي عصفت بكياننا الوطني، وضعضعت وجوده حتى بات أشبه بخيال المآتة.
نريد وطنًا.. نريد استعادة كيان.
نريد استعادة الدولة التي جرت عملية مصادرة لها ضمن أكثر من إخراج تلوث بها فعل المصادرة لها بأكثر من مفهوم وأكثر من تفسير وتبرير هو في جذره وأساسه غير صالح، ويمثل قراءة منفردة متفردة لفئة قليلة عصبوية أو ما شابه ذلك.
استعادة الدولة والكيان الوطني تعني استعادة السيادة، أي القرار السيادي الوطني، وهنا تنطلق التفرعات التي تغذت من الحرب وآفاتها، وبما ولدته من تعابير على الأرض شمولية النظرة قصيرة الفكرة غائبة الذهن، حاضرة المصلحة الضيقة بمفهومها الأناني الاستعلائي المصادر للآخر، ليصبح السؤال وما هو الوطني الذي عنه تبحثون؟ لأن تاريخكم أصلًا كان تعبيرات عن صراعات مراحل بين توجهات ما قبل مفهوم الدولة الوطنية... وهنا نسأل وماذا تفهمون عن معاني الدولة وماهيتها؟ لنقف هنا برهة على ما توصل إليه أحد المفكرين، وهو الأستاذ روجر أوين، صاحب كتاب "الدولة والسلطة والسياسية"، الصادر عن مجموعة تايلور وفرنسيس، وتولى ترجمته المجلس الأعلى للثقافة بمصر، عام 2004. الدولة كيان سياسي ذو سيادة ومعترف به دوليًا، إلى جانب فكرة الدولة باعتبارها الكيان الأعلى صاحب القرار.
هنا نحن نتحدث عن السيادة والسلطة، وينبغي لنا الوثوق بتوافر القدرة على إدارة الموارد من قبل الإدارة المركزية على كافة النواحي المالية والعسكرية والأمنية، هنا مربط الفرس المفقود الذي عنه نبحث ونؤكد عليه سبيلًا لمواجهة أزمتنا الراهنة المتمثلة بغياب الدولة بالمفهوم الذي أشرنا إليه، عدا ذلك نحن ندور في حلقة مفرغة️!
نلج إلى صلب الأزمة التي أنتجتها الحرب، إذ يبدو أن غايتها إما تاهت في الطريق أو انحرفت بوصلتها تبعًا لأغراض أخرى غير الغرض الأساس المتمثل باستعادة الدولة المصادرة!
بداهة يمكننا القول كما يقول صاحب كتاب "عالم محفوف بالمخاطر" مارك هاينز دانيال، تعريب أدهم شاكر عضيمة، مكتبة العبيكان، الرياض، عام 2002: غياب الدولة يمثل لنا همًا وخطرًا داهمًا بشكل مستمر. وكما يقول: إذا كان هذا الخطر يقاس على أساس أنه التهديد الذي نواجهه باستمرار بدون مقدرتنا على مواجهته، ذلك بالتأكيد سيرفع من منسوب القلق على مستقبل حياة الناس التي تتأسس الدولة أساسًا لحمايتها والذود عنها تجاه أي مخاطر.
لا شك أن ما أقوله لن يشكل جديدًا، لكنه يضاف إلى باقي نواقيس الأجراس والأصوات التي بح صوتها... وماذا بعد؟
كفانا مفاجآت، لسنا في وضع يسمح للكل بقبول ذلك.. نريد الخروج من عنق الزجاجة، نخشى القول ستأتي الرياح لنا بما لا تشتهي السفن.. نحن نعمل في سبيل ذلك، سنقول مرحبًا هاتوا دليلكم، وسنصدق متى رأينا على الأرض أو ضمن فضاء السياسة المضطرب ملاح تباشير يبنى عليها تصور يخدم البلاد والعباد.
كل الإشارات الواردة مضطربة، أو لنقل متضاربة، علمًا أن علم السياسة ومخافر السياسيين اللاعبين بميادينها وهم في حقولها كثر... لن نتجنى إن قلنا إنهم ليسوا الفيصل في القرار!
أدرك أيضًا أن العالم في إطار الراهن تحكمه معطيات ذات تموجات تضطرب فيها الأوضاع على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية، ليست بمتناول الأيادي التي توالدت فجأة وبتخطيط موجه مدروس على الأرض المضطربة، ولدت معها حملة من السياسة الهشة التي يتاح للتعبيرات السياسية أن تلعبها إلا بما يتوافق والمصالح التي تتقاطع وتشكل الحكم الفيصل في هذا أو ذاك الشأن.
لمن يديرون الأمور من خلف الستار:
نحن الآن أمام وضع سياسي تمثل بتراس وزاري جديد ننتظر انبثاق رؤيته التي يغادر من خلالها الحقبة السابقة، تلك ضرورة لا بد منها، لكنها وتأكيدًا مرتبطة بجملة تفاهمات على مستويات أخرى لها الدلال والتأثير سلبًا وإيجابًا.
ما يجري من لقاءات في الرياض سواء بين الرياض وصنعاء، وتأكيدًا ستكون إيران حاضرة، وأمريكا مشيرة، وأوضاع البحر الاحمر تتصاعد، وغزة على موعد مع تداعيات رفح، وما يرد إلينا عن لقاءات تتقافز هنا وهناك، وعبر تعبيرات لها ثقلها من مبعوث أممي ومبعوث أمريكي، ومحمد عبدالسلام يتخذ من مسقط محطة للهمس وما فوق الهمس والغمز، ملوحًا لتفاهم ما مع السعودية التي بدأت التخاطب مع الحوثي، يأخذ منحى آخر، الحوثي المنقلب ووفد صنعاء، وباتت صنعاء تلاطف كلامًا الرياض، وطهران لها مآربها، والأمريكان والإنجليز تحديدًا أباطرة المنطقة الذين يديرون الزوايا هنا وهناك، كما زوروا تاريخ المنطقة، وصنعوا على الأرض أسس البلاء قبيل مجيء اليانكي الجديد الضارب أطنابه ومخالبه في أكثر من ملف من أوكرانيا درءًا لتأثير بوتين، ومناغمة مع طهران، تزلفًا ولإيذاء للصين... وهكذا تدور مأساة بلادنا في سيرك ناري من طراز جديد.
نختم بالقول، وسنكون من التفاؤل بمكان، ليس تفاؤلًا مطلقًا، ولكن تفاؤل من يدق جرس الإنذار، حان الوقت لعمل وطني يلم الشمل، يجمع القوى الوطنية كلها، بخاصة وقد خاضت بلادنا حربًا لقرابة عشر من السنين، نتائجها خراب ودمار وتقطيع أوصال ونشر ثقافة الكراهية والتمزيق.
بالتأكيد ذلك ليس السبيل.
العودة لكلمة سواء عبر حشد كل الطاقات الوطنية اليمنية، ملفات أزمتنا تحمل عناوين تحتاج لمشروع مصالحة وطنية مبنية على أسس متينة، وفرت قاعدتها مخرجات الحوار الوطني، وعناوين أساسية اقتصادية أمنية، وعلى رأسها فهم موضوعي لشراكة وطنية قاعدتها إدراك متطلبات حل القضية الجنوبية حلًا وطنيًا يكون الجنوب أساسه قبولًا وتكوينًا.
نأمل ذلك.
ماذا يدور في الأفق؟
2024-02-11