لم توقف جماعة الحوثي هجماتها على قوات الحكومة الشرعية والتحالف في مناطق مختلفة من اليمن، إذ ماتزال حرب البر مستمرة. وخلال اليومين الماضيين استهدفت قوات الحوثي بالصواريخ منطقة بيحان في محافظة شبوة، شرق اليمن، في الوقت الذي قصفت فيه بالقذائف مناطق في محافظتي لحج والضالع جنوبًا. وهذا يؤشر أن الحرب بين الاطراف اليمنية ماتزال مستمرة، لكن طرفًا يلعب كمهاجم وهو الحوثي، والآخر يلعب كمدافع وهو الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا.
البر اليمني أيضًا شهد حربًا جديدة أو فلنقل قصفًا مستمرًا منذ أسبوعين تقريبًا، من قبل القوات الأميركية والبريطانية على أهداف لجماعة الحوثي في مواقع مختلفة لمحافظات عديدة شمال البلاد، منها العاصمة صنعاء. هذا يحدث كما هو معلوم ردًا على المعركة أو الحرب في البحر الأحمر، التي بدأتها جماعة الحوثي منذ عدة أسابيع في استهداف سفن تجارية دولية تابعة لإسرائيل أو متجهة لموانئها، الأمر الذي يجعل اليمن الجريح الآن محاصرًا بحربين من البر والبحر، تؤجل عملية إحلال السلام، وتجعله صعب المنال على الأقل في القريب المنظور.
إن تأجيل إحلال السلام في اليمن، وإنهاء كافة أشكال الصراعات والحروب فيه، يخدم أطرافًا إقليمية وربما دولية لا تريد لليمنيين أن ينخرطوا في سلام دائم وحوار ندي لمعالجة كافة الملفات السياسية والاقتصادية والإنسانية وغيرها. والهدف من ذلك هو أن هناك من يرى في استمرار الحرب العسكرية في الداخل اليمني مبررًا لاستمرار حروب أخرى أيضًا، منها الحرب الاقتصادية التي خلقت أزمات كبيرة أسهمت في انهيار العملية المحلية اليمنية أمام النقد الأجنبي، وتدهور الحالة المعيشية للسكان بصورة غير مسبوقة، وتوقف دفع المرتبات الشهرية، وتردي مستوى الخدمات العامة، وغيرها.
وهذا في تقديري يقود إلى تحلل الدولة في اليمن، ويضعها على مقربة من الانهيار الوشيك، وانزلاقها صوب الفوضى، وهذا هو بيت القصيد من استمرار الحرب كل هذه السنوات التسع دون توقف، إذا ما اعتبرنا أن هذه الحرب لم تعد شأنًا يمنيًا داخليًا، وإنما هي حرب بالوكالة بين التحالف بقيادة السعودية والإمارات، وبين إيران، ومن الخلف تقف قوى دولية كبرى.
مشروع التقسيم في اليمن ليس مشروعًا جديدًا، بل هو مشروع قديم يتجدد الآن، إذ أصبح اليمن حاليًا بعد تسع سنوات من الحرب، ممزقًا ومنقسمًا ليس على أساس شمال وجنوب فحسب، بل كل شطر منه منقسم على بعضه إلى عدة كانتونات، يقع الجنوب وعدد من المناطق المحررة تحت سيطرة قوات الشرعية والانتقالي المدعومة من التحالف، فيما أكثر الشمال يقع تحت سيطرة الحوثيين المدعوم من إيران، في الوقت الذي تسيطر إحدى دول التحالف على أهم جزيرتين في البلاد، وهما جزيرة ميون المطلة على باب المندب، وسقطرى الواقعة في المحيط الهندي، ويحدث ذلك في موازاة إعادة إحياء رغبات وطموحات قديمة لدى السعودية بضم حضرموت والمهرة إليها بهدف الحصول على منفذ على بحر العرب، فضلًا عن كون المحافظتين اليمنيتين الواقعتين إلى الشرق، تعدان من أغنى المحافظات اليمنية بالثروات النفطية والمعدنية، كالذهب وغيره، في الوقت الذي تتمسك الإمارات برغبتها في الحصول على سقطرى وميون، وأيضًا المخا، وربما عدن في حال انهارت الدولة اليمنية، ووقعت من جديد في براثن التقسيم، في الوقت الذي ستجد إيران حصتها أيضًا كلاعب إقليمي ثالث.
هذا الأمر يجعل الحرب الدائرة في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، ليست حربًا عادية كما ينظر إليها اليمنيون، وإنما هي حرب مخطط لها، ويراد منها السيطرة على الممرات والمنافذ البحرية اليمنية الممتدة من بحر العرب مرورًا بخليج عدن، وصولًا للبحر الأحمر، وهي أهم الممرات البحرية في العالم التي تمر عبرها يوميًا أكثر من ثلث التجارة العالمية، وأكثر من ربع وقود الطاقة العالمي بين الشرق والغرب.
إذن، اليمن تواجه تحديًا صعبًا للغاية، وليس هناك من سبيل للحفاظ على هذا البلد العربي المهم والجميل متماسكًا ومستقرًا وآمنًا، إلا بالعودة للحل السلمي لإحلال السلام وإيقاف الحرب الداخلية أولًا، وإطلاق عملية سياسية بمشاركة كافة الأطراف الفاعلة على الأرض، ولكن هذا في تصوري لن يحدث إلا بوقف الحرب في البحر، وتوصل الحوثيين إلى صفقة أو اتفاق مع أميركا تنهي التوتر في طريق الملاحة الدولية، يقابله إسقاط تصنيف الحوثيين ككيان إرهابي، كي يتمكن من الانخراط في الحوار والتسوية، قبل أن يقع اليمن في مستنقع الانهيار والفوضى، ونجاح مشروع أو مخطط التقسيم.
ولا يعني ذلك أنه لا توجد خيارات أخرى، بل بالعكس هناك خيارات أمام السلطة الشرعية لاستعادة ما تبقى من اليمن، ولا يوجد وقت مناسب أكثر من المتاح حاليًا، ولكن كي تفعل الشرعية ذلك، فإنه يلزمها الكثير من العمل والتنسيق، وأيضًا التحرر من الارتهان، وإعادة ترميم الجبهة الداخلية.