رسالة ديونيسوس العميقة، وهو يقدم نفسه بصفات بشرية بهيئة ملتبسة، ويتحدث كزعيم حزب: "على هذه المدينة أن تعرف، سواء أرادت أم لم ترد، عقاب من يتجاهل أسراري"... ويضيف أنه إذا قاومت طيبة بالسلاح، فسيرد عليها بقوة السلاح، وسيطلق "نساء الموكب" MENDES"" ورفيقاتهن "الليديات" LYDIENNES"" المسلحات برماحهن ""THYRSES، لمهاجمة المدينة. إنها الحرب الدينية هذه التي ينادي بها الإله، وليس نشر معتقداته المفرحة فقط ("المتعصبون: جنون الإيمان"، برنار شوفييه، ص43).
**
وأنا أتأمل صور الناشطة فاطمة العرولي المحكوم عليها بالإعدام ألف مرة؛ مرة لأنها خلقت في يمن تنحتها قرون ثقافة العيب والعار والقبيلة، وأصفاد المليشيات التي تتناوب بحروبها العبثية عليها وعلى كل فواطم اليمن، بحجة الفضيلة والنهي عن المنكر... الخ من موروث السلف الساحق والماحق للنساء، وليس بآخر، أن تتعقبك مليشيات "الهوية الإيمانية" في أسفارك على الطرقات الموحشة في منطقة الحوبان (تعز)، حيث تتناثر مليشيات الرب أكثر من الحجار والغبار، ويتم تهدديكِ، بـ: أين المحرم؟ وإن لم يوجد، يصدر بحقكِ أنكِ ناشزة عن ثوابت المسيرة القرآنية، فتخفين في أسفل سافلين، ويحرم أبناؤك وأسرتك من معرفة أين أنك، وما الذي حاق بك! حتى تأذن بإخراجك من سجونها تحت الأرض، إلى سجن أكبر على الأرض، لكن بتهمة جاهزة نافذة مخيطة بصميل القرآن الناطق: الخيانة العظمى والتخابر مع العدوان، أو مع صياد، أو عدار الدار، أو أية هائمة، لتوصلك إلى ساحة الإعدام بدم بارد، وبضمير أصقع من قلب مليشيا إلهية.
الناشطة فاطمة العرولي (صورة متداولة في شبكات التواصل)
مرة أخرى، أتمعن في صور فاطمة، لا أجد سوى ابتسامة بريئة، و"قذلة" شعر مائلة، تخرج من بين حجاب، ونظرات حالمة، أقصى حدود الحلم بحياة إنسانية كريمة، فما الذي أوصلها إلى المشنقة؟ هل كل تلك الألفة المنسابة في صورة وجهها؟ أم أنها ناشطة وفاعلة في مجال حقوق الإنسان، وتحدت القرآن الناطق، وقررت أن تسافر وحدها، وتشارك في فعاليات داخل وخارج اليمن، أم، ووو..؟
في الأنظمة النازية والفاشية، وديكتاتوريات العالم، يتخلص رئيس السلطة من منافسيه، بتهم جاهزة، أسهلها: التخابر مع العدو والخيانة العظمى، ليعدم، وليس بآخر ما فعله صدام حسين، والخميني، برفاقهما ومن أوصلوهما إلى سدة الحكم.
أبناء فاطمة العرولي (صورة متداولة في شبكات التواصل)
لكن في حالة فاطمة الخالية من أي منصب ولقب، لماذا يتم العبث بحياتها، ويتيتم أطفالها وأمها وأسرتها تارة بخطفها وإخفائها، ثم مرسوم إعدامها؟
ولأن "المسيرة القرآنية" التابعة لحكم ملالي الفقيه الخمينية، إذ تقول التقارير إن إيران سجلت أكثر بلد يعدم شعبها، وخصوصًا نساءه، بلا تهم، سوى التلذذ بالإعدام، وأن يشار للعالم، بأنهم القوى العظمى المخلصة للرب، مثلها مثل القاعدة وداعش والحوثية، ووو..
قالها صالح الصماد، رئيس المجلس السياسي: "مستعدون للتضحية بالوطن كله لأجل إنقاذ البلاد". وكان أول من ضحت به الجماعة، وكلما كثرت مطالبات الناس بالرواتب، ورفع مسيرة التجويع ومجاعاتها والخوف المستطير، والكف عن النهب وابتلاع البشر والشجر والحجر، تسارع الحوثية إلى تهييج الشارع بمليونياتها "القطيع"، فلا عمل للحوثية وآلها سوى نشر الإرهاب والرعب حتى آخر نفس، لتثبيت الحكم المؤبد لها ولا شريك لها، فتسكب خطبها الأيديولوجية: "بأننا أمام عدوان أمريكا وإسرائيل، ولا يحق لأي مواطن أن يطالب بخبزة، نحن في حالة حرب"... الخ.
وهكذا تتغذى مليشيات الرب على هذا الدم المراق للشعب اليمني، ويتضاعف أكثر على المرأة اليمنية، وملاحقتها جسديًا ونفسيًا، خصوصًا المرأة الحاضرة بالفكرة والكتابة المعارضة لحكمهم. وعقب كل مسيرة إعدام، تسفح زواملهم: "الأرض تسقيها وتحميها الدماء، ومن تعداها شربنا من دمه"، و"القتل لنا عادة".
الحوثية مع الحق، والحق مع الحوثي:
منذ 21 سبتمبر 2014، درجت الجماعة الانقلابية لأنصار الله الحوثية، على تعبئة الحياة اليومية، فكريًا وثقافيًا ودينيًا، بأن الله عهد إليهم بـ"الثورة الإلهية"، ثورة الحق ضد الباطل، والمقاومة بالحرب والقتل ضد المعتدين على الوطن، ضد الشيطان/ الطاغوت. ولا يخلو الخطاب اليومي للقرآن الناطق، بسكب آيات الخيانة والعدوان، والمقاومة، والتخابر مع العدوان، والإحداثيات للعدوان، وعلى هذا الريختر، تقوم المليشيات بالتفتيش في ضمائر الناس، وخصوصًا النساء، وسلطت باسم هذه التهم، ليس فقط من يكتب ضدهم وضد الناطق القرآن، بل في الضمائر، لتلبسه التهمة، ومن ثم المحاكمات الصورية والقتل جهارًا، بل نشرها بجنون العظمة على وسائل الإعلام المختلفة.
ومن لم يقتل، يسجن ويطارد ويجتث من بلاده وينفى، وقد تابعنا ما حدث من اجتثاث لإخوتنا اليهود وابتلاع أملاكهم، ومكتباتهم، وهروبهم إلى المنافي، وبالمثل إخوتنا البهائيين، وبنفس ماكينة الإرهاب والنهب، رأينا حكم الإعدام المتكرر لحامد حيدرة، وسجن البهائيين رجالًا ونساءً وكبار العمر "العم بديع سنائي" رحمة الله عليه (رحل إلى لكسمبورج، 2023)، وجميعهم آلوا إلى المنافي. ومثلهم الآلاف من اليمنيين، رجالًا ونساءً، من النشطاء والعوام، فروا من البلاد بنفس التهم: "التخابر مع العدوان".
ما تقوم به مسيرة الرب، لهو دليل على شناعة واستسهال التهم والقتل بالإعدامات، وستجد منافي العالم تعج باليمنيين، خصوصًا بعد 21 سبتمبر 2014، معظمهم إن لم يكن كلهم هاربون من رحم الجهنمي القرآني، وآلة الموت "هل من مزيد؟".. وليس بأخير في قائمة مسيرة الموت، فاطمة العرولي، وانتصار الحمادي، ومئات النساء وآلاف المواطنين، في سجون: "حيا بداعي الجهاد والموت لكل تكفيري"، و"أنا اعرف إنك سيدي ما السيد إلا الهاشمي"!
مرة أخرى:
أين أضع جل الرفاق والأصدقاء -وما أكثرهم- أولئك الناشطون/ات في فلك المسيرة القرآنية، أولئك الذين وقفنا معًا ضد الحروب الست، وتقاسمنا الحلم معًا في ساحة التغيير، الدولة المدنية الحديثة، وخرجنا بمسيرات مناهضة لسجن الصحفيين والإعدامات والإرهاب والقمع... الخ، ومعًا كنا في مؤتمر الحوار الوطني، وفي فريق الحقوق والحريات وبناء الدولة، وسطرنا النصوص الدستورية: الحق في الحياة الإنسانية الكريمة، والمواطنة المتساوية، والحق في الحرية، حرية المعتقد والضمير... الخ، فلماذا تحولوا إلى قرآنيين شرسين -للأسف- يقاتلون بسيف وصواريخ الهوية الربانية، وأنهم الحق وعداهم باطل، وماذا عن منظماتهم، وأنهم سفراء حقوق الإنسان، وضد القمع في كل العالم، إلا في اليمن الرباني يتحول قمعهم وهمجية الرب القرآني إلى مداعبات حانية!
فمن يوقف هذا البلدوزر الفاشي، العنف الأخضر المتلطي بالمقدس والثورة الإلهية، وجموعهم من التثويريين للعقائد والمذاهب وحقوق السماء/ الله أولًا؟ ولا حقوق للأرض ومن يحيا عليها؟
من يوقف هذه النازية الجديدة، عصائب الحق، بحق الشعب اليمني رجاله ونسائه، المقتولين يوميًا ليس فقط بالمجاعات المتناسلة والجهل والظلام والقات والبردقان، وبوجه التعصب الذي يلتهب بجنون الإيمان، حيث تغدو المواطنة لعنة وتهمة، تصبح منظومة حقوق الإنسان التي اشتغلنا عليها في مؤتمر الحوار، والمؤتمرات الدولية، ليست سوى موجة تصفيق، مجرد ماضٍ بختم "التقية" الدينية للأطهار.
ليسوا أكثر من لاهوت:
وجه لاهوت الأصوليات واحد، وهذا اللاهوت الحوثي الذي لا يعرف من السياسة شيئًا، وما هذه التهم المفصلة، إلا لإخراسنا عن جرائم العنف والدوائر الجهنمية لحروبهم الربانية، وشل الدولة ومؤسساتها وتحويلها بطون التهام بمرجعيات: الولاية في البطنيين، باسم "الرب الذي يتكلم"، و"ما جئت لأحمل سلامًا بل سيفًا"، و"رعيتي وأنا أحق بهم"، كما خطب جدهم الأكبر، و"هي ثورة مش لعب"، و: "إذا لم نخض الحرب، فماذا نحن فاعلون؟".
من يوقف هذا الخراب اليومي، ويغمد سيف الجهلوت الدموي، في الاقتصاص من كل فاطمة العرولي وأخواتها، ويكبح همجية القرون الدامية، "إننا أعداء الإيمان والهوية الإيمانية، وإننا دار حرب حتى قيام الساعة"، كما تقول خطب قائد المسيرة القرآنية، و"زلزل أبتهم يا حفيد الكرار"! نعم يزلزلوا أبتنا أيها العالم!
من يوقف الجوبلزيون الإلهيون، وهم يتمنطقون الكلمة: "هل أصبحت الحرية والديمقراطية لديكم مبررًا لخيانة الأوطان؟ وهل يمكن أن نتغاضى عن أولئك الخونة الذين يبيعون البلد ويسهمون في تدميره، ونتركهم يقتلوننا بحجة حرية التعبير عن الرأي؟" (حسن الوريث، عن مقال تبرير الخيانة بالديمقراطية، 25 نوفمبر 2016)! يااااالله، ليس هذا الرعب السائل من أفلام "Horror Movies"، بل هو واقع معاش في اليمن أرضًا وإنسانًا.
أخيرًا:
ستدخل الحوثية -المصطفاه إلهيًا- بحسب خرافة المُلك والجوع المزمن للنهب باسم الخُمس والحقانية العرقية، تاريخ الإنسانية بأنها أعظم وأعنف فاشية عرفتها اليمن والتاريخ الحديث، وأنها تمشي على نهج نازي، بألا يبقى أي إنسان لا يسبح بحمدها، أو منتقدًا أو حتى صامتًا.
قطف خبر:
زملاءنا في الحق في التعبير، ذات ثورة وتغيير وحوار، وحقوق إنسان، قبل حقوق الله، الحوثية ليست هي الوطن، وليست هي المدافعة عنه، باقتصاص فاطمة العرولي وكل فواطم اليمن، نعم، ليس لها الأحقية في قتل كل من يمس وطنها -الرب، بتهم: خونة، مرتزقة، عملاء، ووو. ومثلها كل المليشيات المستبيحة للبلاد والعباد.
فكيف تشوفوووا؟