يا دوش يا دوش يابو 3 طن... في صفحته "من خبابيرك، خبر" كان سالم باجميل يقطر سخرية أبينية صرفة، كان بابه الساخر ذاك قد قربه إلى قلبي كقارئ،
وكنت من رعاياه في مؤسسة 14 أكتوبر وصحيفتها يوم كان رئيسًا للتحرير، ولمجلس إدارة المؤسسة، رعاه الله وأطال عمره، فآخر عهدي به يوم التحق بحزب البعث في صنعاء، في زمن عنفوان صدام حسين التكريتي.
بعد إعلان تخفيض الراتب واجب والسبعة الأيام المجيدة وما إليها من هراء.. استلم من شهاب، كبير المحاسبين بالمؤسسة، مشاهرته، وقرر طلب وجبة غداء فاخرة من مخبازة التحالف حق حسن ياسين، وكانت الأفضل والأشهر أيامها.. وكنت من المعزومين، فقد كان عددنا بالصحيفة لا يزيد على عدد أصابع اليد الواحدة.. أما باجميل فقد كان من أبرز المحسوبين على الرئيس سالمين من الرجال، ومن أول من أطيح بهم يوم عقد العزم على التخلص من سالمين.
- من فلوس أمك يا باجميل وإلا من مال المؤسسة تأكل من مخبازة حسن ياسين؟ هكذا عنفه سالمين تلفونيًا بسبب الغداء الذي عزمنا لنأكله معه!
- يا أخي الرئيس، والله إنه من خالص راتبي، أنت تفهمني غلط، وتسمع للوشاة.
- ولو.. حاسب على مكانك وما سيقوله الناس فيك... أكد له بن ربيع سبب تعنيفه.
من خبابيرك خبر يا دوش.. كان باجميل يداعب سلطان الدوش بانتقاداته، وكان الدوش زعيم اتحاد نقابات العمال.. وتتبعه جريدة "صوت العمال"، وفيها يعمل الصديق حسين السيد.. يقول له الدوش: سوي رد ووحج الكلام على باجميل.. لكن حسين لا يفعل.
سالم ربيع علي ( سالمين)
من عطف باجميل عليّ أن سمح لي بطبع مسرحيتي "التركة" في كتاب يصدر عن المؤسسة، وباللهجة، وللمرة الأولى في تاريخ ما ننشر.. إلى أن صدر له أمر من أرباب الأيديولوجيا في التنظيم، بوقف الطباعة ومنع النشر.. إلى أن تغيرت الأحوال وتغير الرجال، وأفرج عن طباعة مسرحيتي، ونزلت الحروف من أيدي عمال الصف على الورق، وصدرت المسرحية في 1973م، ووزعت في السوق، ونفدت نسخها، ولا أقول ذلك تمدحًا، لكن هذا هو ما حدث.
بعد التأميم صرف لباجميل بيت، فيللا في الروزميت بكريتر من أملاك العجمي السابقة.. وكان بحاجة إلى مكيف هواء، أير كنديشن.. وكنت اشتريت بيتًا في شارع حسن علي بكريتر، وبه أير كنديشن، ولما رفعوا تسعيرة الكهرباء أحبطوا رغبتي في الاستمتاع بالبرود.. فقررت بيع الأير كنديشن لباجميل بخمسمائة شلن لعينة، وبالتقسيط.. مائة في كل شهر! ونقل المكيف لبيت باجميل، وتم تشغيله بنجاح في اليوم الأول.. لكنه في اليوم الثالث خذلني، وتعطل، وذبت في هدومي من الخجل كما يقول المصريون.. لكن باجميل كان كريمًا.. قال ولا عليك، لكني أبيت إلا إرجاع القسط الأول له، فرفض.. وأحلنا المكيف إلى ورشة إصلاح لعينة، كانوا فحصوه قبل البيع، وقرروا صلاحيته.. هكذا كان من أمر الكنديشن يا دوش يا دوش يابو ثلاثة طن!
كان من المصادفات غير السعيدة أن نشرت قصة قصيرة قسمتها إلى جزأين لثقلها في الحيز على صحيفة يومية، عنوانها "الخلافة". وصدر الجزء الأول منها في الصحيفة متزامنًا مع تأميم أسواق الخضار والفواكه وإقامة تعاونيات فلاحية (صدرت بعد ذلك في مجموعتي القصصية "الهجرة مرتين"، عن دار الفارابي في بيروت، ومنشورة هنا PDF). وأثار نشرها حفيظة كثيرين، فقد أولوها على أنها إدانة لقرار تأميم الخضار والفواكه، فأحداثها تدور في سوق الخضار المركزي، وسقوط الملك المتحكم في السوق، والبشارة بمجيء ملك جديد أكثر ظلمًا من سابقه!
الشاعر محمد سعيد جرادة
كان الشاعر الكبير محمد سعيد جرادة يجلس إلى سالم باجميل، ويكركر بضحكته الجميلة المميزة.. زاد عليكم العولقي، ويكركر.. تعال يا وليد.. أنا فاهمك قال لي، تلك كانت أول مرة أتشرف بمعرفة شاعرنا الكبير الجميل... قال لي باجميل: أيش فعلت بي؟ قلت: هذا نصف القصة، ولم تكتمل بعد.. غدًا ينشر الجزء الثاني الختامي.. لا لا لا.. خلاص كفاية.. لا عاد تكمل.. قلت له: ولكننا يا أستاذ وعدنا القراء بذلك.. سال باجميل الجرادة؟ كيف تشوف؟ اتجه إليّ الجرادة بقوله: اسمعني يا ابن حافتي.. ماحد يعلم أبوه (...)، افعل مثل السبراتي، ساني النهاية بجعل ملك السوق القادم هو الأفضل.. هو التعاونيات! وقد أوجعني هذا الحل، لكنني نفذته في النص الذي نشر في الجريدة، كي لا أتسبب في أي حرج لسالم باجميل الذي أحبه كثيرًا.. وأعيد نشر القصة كما هي في مجلة الحكمة بعد ذلك.. ثم في مجموعتي المشار إليها آنفًا.
الله أكبر.. ما كان أجمل ايامنا مع سالم باجميل في مؤسسة 14 أكتوبر.. وأيام سلطان الدوش في نقابات العمال، رحمه الله، وأسعد أيام العزيز الغالي، سالم باجميل... وريتك يا دوش ترجع يابو 3 طن، بعد ما غيروا اتجاهات الهات نحو اليمين الرجعي... آه.. ثم.. آه.. يا دوش يابو 3 طن.
باجميل
2024-01-18