خصني الصديق أحمد شرف سعيد الحكيمي بنسخة من مؤلفه "المعجم الأوسع" في لهجة المعافر الموسوم بـ: (من اللهجات اليمنية في "لهجة المعافر وتراثها")، وهو المعجم الذي دعا إلى تأليفه الشهيد الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني، طيب الله ثراه في الجنة، حيث التقى عددًا من مثقفي أبناء المعافر، ومن بينهم الأخ أحمد شرف الحكيمي، والأخ عبدالكريم الرازحي، والتقى بنفس الخصوص الأستاذ مطهر الذي أصدر بعد ذلك اللقاء معجمه الموسوم بـ: "المعجم اليمني في اللغة والتراث" أشار في مقدمته إلى رغبة الشهيد عبدالعزيز في تأليف معجم للهجة المعافر، فقال الأستاذ مطهر الإرياني: "شعرت أنه تمنى لو يمتلك من الوقت ما يتيح له المساهمة في هذا العمل، لكنه كلف بعض أبناء المنطقة ليقوموا بهذا الإسهام".
كما أشار الأستاذ مطهر في مقدمته تلك إلى أنه قد اطلع على ما جمعه الصديق أحمد شرف الحكيمي من مواد في لهجة المعافر، ضمها في ثلاثمائة صفحة، مشيرًا إلى أنه لم ينقل منها أية مادة، طالبًا من جامعها أن يدفع بها إلى المطبعة في أقرب فرصة ممكنة، لكن الصديق أحمد لم يستعجل، وحزم أمره لإعداد أكبر معجم في لهجة المعافر، وقد سبقه آخرون في الدفع بمؤلفاتهم عن لهجة المعافر، منها مؤلف موسوم بـ: "ذاكرة المعافر -مفردات من اللهجات اليمنية..."، للأستاذ عبدالله حزام المقرمي، والمعجم اللغوي "لسان المعافر"، للباحث والصحفي توفيق السامعي. وللأخير مؤلفات تسمى الموسوعة المعافرية. وكتاب الصديق نبيل الفودعي الموسوم بـ: "المندثر من لهجات اليمن والمعافر -شذرات من لغة حمير ما يسمى بلغة الجنوب".
وأضاف الأستاذ عبدالباري طاهر، مشيرًا إلى ما كتبه الأستاذ مطهر الإرياني في معجمه الموسوم بـ: "المعجم اليمني في اللغة والتراث"، فقال إن الأستاذ مطهر قد أورد "المفردات العامة في منطقته، وقدم دراسة علمية بالغة الأهمية، وقدم الأستاذ عبدالله خادم المعمري أكثر من إصدار، مثل «اللهجة العامية في الأمثال التهامية»، في جزأين، كما درس الموال الساحلي، والشعر المغنى في تهامة، ودرس الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف ميزان الشعر الشعبي، ودرس الدكتور محمد جرهوم بتتبع ودقة المفردات العامية في تهامة وحضرموت، آتيًا على الأمثال، والأشعار العامية، واهتم الشاعر الكبير عبدالله البردوني بدراسة ألوان معينة من العامية التهامية، وللأديب العزي حديدي توثيق لألوان عديدة من العامية التهامية، ولا ننسى جهود وأبحاث الشاعر والناقد علوان مهدي الجيلاني في هذا الجانب".
ورغم كثرة ما كتب عن لهجة المعافر، إلا أن أيًا منها لم تستوفِ شروط كتابة المعاجم من حيث الدلالة والبنية اللفظية واشتقاقاتها وتقاليبها وطرق نطق كل مادة والاستناد إلى مصادر موثوق فيها، وإعطاء الشواهد من التراث والشعر المعاصر حتى بلغ عدد أبيات الشواهد أربعة آلاف بيت شعر، من ضمنها لشعراء بلهجة المعافر تجاوز عددهم مائة شاعر معاصر.
ولذلك، كان هذا المعجم هو الأوسع والأشمل، والذي اعتمد في كتابة كل مادة إلى مصادر موثوقة ومعترف بها في دراسة لهجة المعافر، منها الأبحاث الأكاديمية، والدراسات اللغوية، والمراجع الرسمية للغة، والزيارات الميدانية لبعض قرى ومناطق المعافر. والمعجم كذلك يتكون من ثلاثة مجلدات تحتوي على ألف وخمسمائة وخمس وخمسين صفحة تحتوي على أربعة آلاف وخمسمائة مادة من لهجات المعافر، فصار المعجم شاملًا لأكبر قدر ممكن من المفردات والمصطلحات والتعابير. وقد ذكر المؤلف في كلمة الشكر لمن أعانه من المختصين، وذكر من بينهم كاتب هذه السطور "الذي قدم لي الكثير من الملاحظات حول الألفاظ المشتركة بين لهجة المعافر واللهجة الصنعانية"، وبتواضع العالم يقول: "وأتحمل وحدي المسؤولية عن أي تقصير أو خطأ...".
ومن البين أن المؤلف قد بذل جهودًا مضنية في التنظيم الدقيق، منظمًا بشكل جيد وسهل الاستخدام. يمكن تنظيمه على أساس أبجدي، أو وفقًا للمفردات المترادفة، أو وفقًا للمجالات الموضوعية. يجب أن توفر الأدوات المرجعية الملائمة مثل الفهارس والقوائم الشاملة لتسهيل البحث والاستفادة من المعجم، حيث تضمنت الفهارس تعريفات دقيقة وواضحة للكلمات والمصطلحات المدرجة في المعجم، مع ذكر ما يعززها من شعر وأمثلة من لهجة المعافر المساعدة على استخدام الكلمة في سياقاتها المختلفة، موضحًا المعنى والاستخدام الصحيح لكل مادة من حيث النطق والتهجئة للكلمات والمصطلحات، بخاصة وأن لهجة المعافر تتميز بقواعد تهجئة معقدة، كما ضمن معجمه معلومات إضافية ذات صلة باللهجة، مثل العادات والتقاليد والتاريخ والثقافة المرتبطة بها. باعتبار أن المعجم تضمن تراث المعافر أيضًا كما يتضح من عنوانه.
وقد استمر في تحديث معجمه وتطويره طوال فترة تتجاوز الثلاثين عامًا، عمل خلالها بمهنية عالية ومعايير علمية صارمة، متحريًا الدقة والصحة للمعلومات المقدمة وتوثيقها بمصادر موثوقة، مراعيًا أن معجمه سيكون مرجعًا للدارسين والباحثين، فهذا الإنجاز الرائع في إعداد معجم لهجة المعافر، يعكس التفاني والعمل الجاد الذي قام به المؤلف في جمع وتوثيق مواد هذه اللهجة التي أصبحت أكثر اللهجات انتشارًا في كل محافظات الجمهورية، بحكم انتشار أبناء منطقة المعافر في عموم تلك المحافظات.
فالمعجم بضخامته وتوسعه وشموليته، يمثل إسهامًا قيمًا ومهمًا في حفظ وتوثيق تراثنا الثقافي من خلال توثيق المفردات والتعابير والقواعد اللغوية للهجة المعافر، والحفاظ على هذه اللهجة من الاندثار، وتمكين الأجيال القادمة من استكشاف وفهم تراثنا اللغوي.
كما أن المؤلف قد أفاد القارئ بتحديده للموقع الجغرافي لمنطقة المعافر التي "تقع في الركن الجنوبي الغربي لليمن، التي تشمل محافظة تعز وأجزاء من المحافظات المجاورة، تلامس جبال عدن وأرض الحواشب وأطراف الضالع وإب، وتغطي مناطق تهامية من موزع إلى المخا وباب المندب".
ولهجة المعافر من أقدم اللهجات اليمنية التي تعود إلى ما قبل الإسلام. وتعتبر لهجة المعافر جزءًا من اللهجات اليمنية المتعددة بتعدد المناطق والقرى اليمنية.
ولهجة المعافر معروفة بشكل واسع في الوقت الحاضر لانتشار أبناء مناطق المعافر في جميع أنحاء مناطق الجمهورية اليمنية، ولذلك فإن وجود معجم لغة المعافر سيكون له فائدة كبيرة في فهم ودراسة هذه اللغة الواسعة الانتشار. ومن مزايا المعجم أنه أوضح الألفاظ المشتركة في أغلب اللهجات اليمنية.
فغني عن البيان أن هذا المعجم الأوسع عن لهجة المعافر، الذي يهدف إلى توثيق المفردات والتعابير المستخدمة في هذه اللهجة، يعتبر أداة قيمة لفهم ودراسة هذه اللهجة النادرة، والحفاظ على تراثها اللغوي والثقافي.
مما سبق، فإننا نثمن الجهود التي بذلها المؤلف حتى استطاع بجهده الفردي أن يقدم لنا عملًا لا يستطيع القيام به إلا مراكز الأبحاث. كما نتقدم بالشكر الجزيل للمعهد الأمريكي للدراسات اليمنية بصنعاء، الذي تكفل بطبع هذا المعجم النادر من "جائزة عبدالعزيز المقالح لطباعة الكتاب".
نظرًا لأهمية معجم لهجة المعافر وتراثها الذي سيكون مصدرًا مرجعيًا يهدف إلى توثيق وتحليل وشرح لهجة المعافر، التي تعتبر جزءًا من التنوع اللغوي في اليمن الذي يتميز بتعدد اللهجات بعدد القرى والمناطق، فقد كنا قبل الثورة في صنعاء نستطيع أن نميز لهجة ولكنة سكان الحارات، فكانت لهجة الميدان تختلف عن لهجة سكان باب البلقة وباب شعوب، ولهجة الجزارين تختلف عن لهجة الحدادين والنجارين.
الخلاصة أن معجم الصديق أحمد يعد معجمًا هامًا لجهة أنه سيسهم إسهامًا قيمًا في مجال دراسة اللهجات العربية والمحافظة على التراث اللغوي، ويمثل أداة أساسية للباحثين والمهتمين بدراسة اللهجات والثقافات اليمنية. وليعذرني صديقي ودفعتي في الثانوية العامة وجاري العزيز، عن تأخر الكتابة عن معجمه الذي عاصرت عكوفه عليه طوال فترة تزيد عن العشرين عامًا. وحتى رأى هذا الإنجاز الكبير النور في هذا العام ١٤٤٤ هجري ٢٠٢٣م.