وغاب النجم القائد الجمهوري والبطل الثوري محمد محمد محرم، هذا الإنسان البريء كبسمة الطفل، العميق كالضمير، الواضح كالحقيقة، النزيه كالقضية التي حماها ودافع عنها ببسالة منقطعة النظير.
الفقيد الراحل محمد محرم (صفحة الاشتراكي على فيسبوك)
خرج الشاب الفادي محمد محرم من قريته صفاء في بني سيف محافظة إب، والتحق بالمدرسة الشمسية في ذمار، ثم بالعلمية في صنعاء، وهما المدرستان العتيدتان اللتان تخرج منهما قضاة اليمن وفقهاؤها، بل ومفكروها وأدباؤها وقادتها السياسيون والعسكريون: عبدالله البردوني، عبدالعزير المقالح، عبدالله حمران، محمد الشرفي، الشهيد جار الله عمر، وعشرات غيرهم.
في العام ١٩٦٤ تخرج من الكلية الحربية، والتحق في نفس العام بسلاح المدفعية، وعين قائدًا لها في العام ١٩٦٨، وكان القائد الجمهوري المسؤول الأول عن أهم وأخطر جبهة حمت صنعاء، ودافعت عن الثورة والجمهورية في حصار السبعين يومًا الشهيرة، والتي انتهت بانتصار الثورة والجمهورية.
كان محمد محرم أحد أهم أبطال فك الحصار عن صنعاء. وقد كتبت عنه قبل وفاته ببضعة أشهر مقالًا بعنوان "محمد حرم وحضور التاريخ".
محمد محرم ابن من أبناء الثورة، ونجم من نجومها الساطعة من ضباط الثورة وحماتها الأشاوس. هذا الضابط المدفعي قاد أهم جبهة من جبهات الدفاع عن صنعاء المحاصرة في "السبعين يومًا" -الجبهة الشمالية "جبهة مطار صنعاء" في مواجهة بني حشيش التي يقودها المرتزق البريطاني ديفيد سمايلي، وجبهة أرحب المتمردة منذ الأيام الأولى للثورة وهمدان القوية.
كان الضابط الشاب المنتمي حديثًا إلى المدرسة الإصلاحية كشهادة رفيقه محمد عبدالسلام منصور، هو القائد للجبهة الأشد خطورة على صنعاء كخط دفاع أول، وإلى جانبه ضباطا صغار أبرزهم الشهيد جار الله عمر، الذي دوّن في مذكراته أن من نظمه لحركة القوميين العرب هو الطالب محمد محرم.
ومن المدافعين عن صنعاء عبدالله محمد العلفي، عضو الحزب الديمقراطي، الذي أصيب في المعركة إصابة خطرة، ظل يعاني منها إلى وفاته، ومحمد عبد السلام منصور، الشاعر والأديب المثقف متعدد المواهب، وهو أيضًا عضو في الحزب الديمقراطي الثوري.
شعرت بحزن شديد عندما لقيته إبان قبر الفقيد علي أحمد أبو الرجال، كان صوته خافتًا بسبب متاعب صحية.
هذا المحرم أحد الأبطال الحقيقيين في الثورة والجمهورية، وفي الدفاع عن القلعة المنيعة صنعاء. أعطى دون من أو أذى. أدى واجبه الوطني، ولم ينتظر جزاءً أو شكورًا، أمثال محمد محرم في التاريخ قليلون هم ضمير الأمة وشرفها ومجدها.
كان محمد محرم ولايزال من الرموز الوطنية الفادية. تصدى إلى جانب رفاقه لأخطر المعارك وأشدها دفاعًا عن الحياة والحق والشعب والحرية والعدالة.
عاد إلى منزله وأسرته كواحد من الناس، لم يأخذ شيئًا، ولم يدعِ أنه صنع مجدًا أو معجزةً. يعيش الآن محمد محرم على راتب تقاعده ومعاناته ومعاناة أبناء شعبه*.
إنه من الرجال الذين يمشون على الأرض هونًا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا.
* المقال كتب قبل ثلاثة أشهر من وفاة الفقيد محمد محرم.
محمد محرم أنموذج نادر من الرجال، ومناضل جمهوري وثوري فذ، كان رمزًا ومثلًا وقدوة للعشرات والمئات من الفادين والمدافعين عن صنعاء، وحقًا لولا الجبهة الشمالية والقادة العظام المدافعين عنها، لكان مصير صنعاء واليمن حينها أسوأ من نكبة ١٩٤٨.
تقلد محمد محرم المواقع العسكرية المهمة، وفي ميادين عديدة، وفي أخطر المواقع: قائدًا للمحور الشمالي إبان حصار صنعاء، قائدًا للمدفعية، قائدًا للواء حجة، مديرًا للمركز الحربي بتعز، ورئيس أركان لواء الاحتياط، ومواقع أخرى عديدة. كما اهتم بالتأسيس للتعاونيات في القفر التابعة للواء إب. وكان في حياته -يرحمه الله- نقي الضمير عفيفًا وزاهدًا غاية في البساطة والتواضع من الذين يمشون على الأرض هونًا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا -الآية. فسلام عليه يوم ولد، ويوم دافع عن وطنه، ويوم حمى الثورة والجمهورية، ويوم يموت، ويوم يبعث حيًا.