- كان يومًا جديدًا ورحلة جديدة بين أحضان الطبيعة، دقت الساعة السادسة من صباح الخميس 3 أغسطس 2023م، استيقظت لتجهيز نفسي استعدادًا للذهاب إلى مكان التجمع الذي كان في قرية حدة بجانب مدرسة، لم أكن أعرف المكان، ولكن بحسب وصف أعضاء الفريق لم يكن متوهًا، خرجت من المنزل وصعدت الباص المتوجه إلى جولة الرويشان، ومنها صعدت الباص المتوجه إلى حدة الفندق، أخبرت صاحب الباص أن يوصلني لمدرسة قرية حدة، قال: "لم أسمع بها من قبل أين تقع"، قلت له: "لا أعلم"، قال: سأوقفكم عند آخر موقف. وافقت، بعدها ونحن في الطريق رأيت أحدهم يرتدي قبعة، وبيده عصا، يصعد نفس الباص، عندها اطمأن قلبي، لأنه ومن شكله فهمت أنه من فريق "الهاش"، وعلى بعد مسافة أخرى صعد آخر يحمل نفس المواصفات، هنا وضعت رجلًا فوق رجل، وقلت سأنزل معهما أينما نزلا.
منظر من أعلى قمة جبل جنوب صنعاء( النداء)
وصل الباص إلى فرزة الباصات، وهي بجانب مدرسة حكومية من اسمها يبدو أنه كان لها اسم قديم، وتغير إلى اسم جديد كما هو حال أسماء كثيرة لشوارع ومدارس وأقسام شرطة وغيرها، تم تغييرها، بدأت الكلاب بالنباح كأنها متضايقة من وجود غرباء في ذلك المكان! عندها ترجلت من الباص مع البقية، ونزلت لأنضم إلى بقية الأعضاء الذين كانوا ينتظرون في نفس المكان.
انتظرنا بقية أعضاء الفريق حتى الساعة الثامنة، بعدها تحركنا مشيًا على الأقدام، واتخذنا درج الصعود إلى قرية حدة، ومررنا من جوار بركتها التي كانت في وقت سابق جافة، ولكنها في هذه المرة تعود مجددًا للحياة بعد أن غذتها الغيول المتدفقة إليها، في داخل البركة وجدنا بعض شباب المنطقة وهم يمارسون هواية السباحة في الصباح الباكر.
صورة جماعية لفريق الهاش من على قمة الجبل( النداء)
عقب الخروج من القرية صعدنا نحو "غيل الأحمر"، وفيه وجدنا "التين الشوكي" ينتشر على كل جانب، بعض أشجاره لاتزال تحمل الثمار، والبعض الآخر تم قطافها من مارين آخرين كانوا سبقونا في أيام فائتة، ولكن ذلك لم يمنع أن تنال أيادي الفريق التين المتبقي على الأشجار، لكي تكون وجبتنا القادمة عند الاستراحة، وفي ذلك المكان لحق بنا بقية الفريق، وقدم المشاء عبدالكريم الرازحي لي وللمشاءة عبير، عبوة حليب كان اشتراها، وشربناه باردًا! ثم تحركنا حتى وصلنا الغيل، وهناك كانت الاستراحة مع ثمار البلس والشاي الجميل الذي اعتدنا شربه من ثلاجة الأستاذ عبدالرحمن الشرجبي.
عندما أخذت كوب الشاي الخاص بي، وحاولت الصعود من مرتفع، ظننت في بداية الأمر أني قادرة على فعل ذلك، وأنا ممسكة بيدي اليمنى كوب الشاي، ولكن حدث ما لا تحمد عقباه، إذ سقطت أمام الجميع، وواجهت ذلك الإحراج بالضحك ولوم نفسي.
بعد ذلك كانت رحلة التسلق إلى قمة الجبل، ومن هناك رأينا جمال صنعاء من الأعلى، لقد كانت تزدان بروعة المباني التي تنوعت من بين مبانٍ شاهقة ذات واجهة زجاجية، وأخرى مبنية بالطوب الأحمر، وهو نوع من الأحجار تميزت به معظم بيوت صنعاء، ومبانٍ مبنية بأنواع من الأحجار.
وفي المكان نفسه، كانت هناك صخرة كبيرة على الجبل لم يصعدها إلا أبطال الفريق، وهناك جلسوا يتأملون جمال صنعاء من زاوية ومكان أكثر ارتفاعًا مما نحن عليه.
اثناء صعود فريق الهاش للجبل (النداء)
بعد ذلك استمررنا في التسلق والمشي، وفي هذه المرة حاولت أن أسرع أكثر في مشيتي، لكي أتجاوز الصفوف الأمامية (التي غالبًا ما يكون فيها أكثر أعضاء الفريق سرعة في المشي). أتذكر حينها أنني اقتربت من الصف الأمامي، وكدت أتجاوز الكابتن سعيد، ولكن أفشل خطتي الكابتن مبخوت الماوري الذي أسرع في خطواته، كان خفيفًا في مشيته لدرجة أني جريت، ولكنه قال تريدي أن تكوني "ماذر هاش"، عليك أن تمشي بدون جري، فمشيت معه، وتخطينا الجميع، ونحن نتناقش في أمور كثيرة حول المرأة وعملها في الحقول ومشاركتها في مجالات كثيرة، وغيرها من المواضيع التي استغللناها أثناء المشي في طريق مستقيم، واستمتعت وأنا أستمع إليه، وأعجبت كثيرًا بثقافته وطريقة نقاشه.
عندما كنا نمشي بدت على يميننا، وعلى بعد مسافة قريبة، قرية "بيت حنبص" الواقعة في الجهة الجنوبية الغربية من صنعاء، على بعد نحو 15 كيلومترًا تقريبًا، وقد سكنها ملوك حمير وأقيالها المشهورون، وهم "آل بن يعفر"، وفيها قصر مشهور، وهو قصر حنبص بن يعفر ذي يهر الأصغر، المشهور بذي يزن، وكان هناك حصن قديم، لكنه تهالك مع الزمن، كنا على بعد مسافة لا بأس بها من قرية "حنبص"، وهناك ومن بين أحد البيوت سمعت صوت أغاني زفاف، ويبدو أنهم كانوا يحتفون بزفاف أحدهم، كانت الأغاني تصدح بصوت عالٍ لدرجة تمنيت لو أتجاوز تلك المسافة، وأتوجه إلى ذلك المكان لأرى الناس وهم يحتفلون.
بركة على بعد مسافة من بيت حنبص (النداء)
في الطريق سألنا أحد كبار السن إلى أين سنذهب؟ وأخبرناه بطريقنا فأخبرنا بأن هناك بركة ماء نظيفة للشرب، وأنها شفاء من كل شيء، وصلنا إلى تلك البركة، وكانت الصدمة الكبرى، فقد كانت بركة ممتلئة بالحشرات والأوساخ، وأعتقد أن من يشرب منها لن يشفى، بل سيذهب مباشرة إلى المستشفى لغسل المعدة. عند تلك البركة توقفنا لانتظار بقية أعضاء الفريق، وهناك وجدنا الكثير من أبناء المنطقة يعرضون علينا عزومة الغداء، ولكننا شكرناهم، وشكرنا كرمهم الذي يتميز به أبناء وطننا الحبيب، وعندما التحق بنا بقية الفريق، كان لديهم جزر غسلوه هناك، وأكلناه بنكهة البركة المتسخة!
أكملنا طريقنا لنذهب إلى مقصدنا، وهو "سد نوب"، وهناك مررنا بمنطقة "السر"، وصلنا إلى قرية "كُشر السفلى" و"كُشر العليا"، ولكن وعلى قولة المصريين "يا فرحة ما تمت"، فقد أخبرنا أبناء المنطقة بأن السد قد جف بسبب شفط المياه منه. مشينا إلى أن وصلنا محطة بترول هناك لم يكن يوجد فيها أحد، جلسنا فيها جميعًا، البعض كان يتناول الطعام خفيفًا، وآخرون كانوا يأكلون اللب، وأنا كنت واحدة منهم، وآخر كان يغني والأطفال يستمعون له ويغنون معه.
بعد أن أخبرنا أبناء المنطقة بأن السد الذي كان يفترض أن نتوجه إليه، قد جف، حولنا طريقنا نحو منطقة "المساجد"، وهناك وعند أشجار السدر التي كانت على يسارنا، توقفنا لتناول طعام الغداء، كان حظي أن أتناول الغداء مع "كتيبة الشراجبة"، إذ أكلت معهم وجبتني المفضلة، وهي كبسة الرز.. تلذذت كثيرًا وأنا آكلها بين الطبيعة الخلابة، ولو أن الأشجار لم تكن كثيرة، ولكن يكفي لأن تصنع جوًا مميزًا، ولحظات مميزة لا يمكن أن تمحوها الذاكرة مع مرور الأيام.
اثناء تناول الغداء لفريق الهاش تحت اشجار السدر(النداء)
عقب الانتهاء من تناول الغداء بدأت الأمطار بالتساقط، فتحركنا سريعًا لنكمل طريقنا إلى منطقة "المساجد" على خط "بني مطر"، كانت الطريق نصف معبدة، كنت أمشي أنا والصغيرة "مريم" ابنة المشاء عبدالرحمن، تحت مظلتي، بعدها فضلت أن أستمتع بالمطر، وتركت لها المظلة لأمشي تحته. لقد كانت أمطارًا تغسل الروح من أي ضيق، واستمررنا بالمشي على خط المائة، ومنه إلى الخط الرئيسي، لنأخذ بعدها المواصلات.. أنا وبعض الأعضاء أخذنا تاكسي إلى جولة عصر، ومنها توزعنا كلًا ذهب في اتجاه منزله.
قدرت المسافة التي مشيناها بنحو 18 كيلومترًا، وبمشاركة 28 مشاركًا، ولكن لم تكن هذه الرحلة بنفس جمال سابقتها، وربما يعود السبب إلى عدم وجود خضرة كثيرة كما تعودت في رحلات سابقة.