تقترب الذكرى الثالثة لاغتيال والدي حبيبي...
كلمات العالم ربما لا تكفيني للحديث عن هذا الوجع الذي يتجدد كخنجر مغروس في الصدر لا يمكن انتزاعه ولا يمكن التأقلم على وجوده...
هل أقول إنه كان أبًا مختلفًا؟
حسن زيد(شبكات التواصل)
إنه لم يصادف أن رأيت علاقة جميلة بين أب وابنته في الواقع، أو حتى في الأفلام والمسلسلات، ولم تذكرني به وبعلاقته الجميلة معي؟
هل أقول إن جريمة اغتياله وهو آمن يضحك ويمازح ابنته الصغرى، كانت جريمة لا سقف لوحشيتها وبشاعتها؟
وهو الذي كان يكرر ويعلن استنكاره لسفك دماء الآمنين حتى من أعدائه ومن استباحوا دمه، بل حتى في الكيان الغاصب؟
لن أتحدث عن كل هذا الآن...
لكنني سأتحدث عن صدمتي في تعامل كثير من اليمنيين مع مصيبتنا!
بل إنه كلما مر وقت وتذكرت قبحهم، استوعبت وأصبت بالصدمة من حجم تلك البشاعة!
لن أنسى التعليقات الشامتة والساخرة والمتشفية في حساباتي في تويتر وفيسبوك، وفي صفحات البعض الشخصية...
تلك التعليقات والمنشورات والتغريدات بدأت خلال الساعات الأولى لاغتياله، واستمرت حتى الآن...
أشخاص لا دماء بينهم وبين والدي، لا نعرفهم ولا يعرفوننا، بعضهم لم نصادفهم في حياتنا حتى لمرة واحدة...
كانوا ومازالوا (يتلذذون) برش الملح والفلفل على وجعنا!
بعضهم شخصيات معروفة!
ومعظمهم مجرد حاقدين لا أحد يعرفهم، هويتهم التي يعرفون أنفسهم من خلالها، هي الكراهية والحقد والشر...
هؤلاء برأيي هم أكثر وحشية من القتلة الذين باشروا عملية القتل والاغتيال...
فربما كان القتلة تحت تأثير المخدر مثلًا حال ارتكاب الجريمة، ربما ارتكبوا جريمتهم تحت إلحاح الحاجة والفقر...
ربما كانوا عقائديين منحرفين ممن يعتقدون أنهم بسفك الدماء ونشر الألم، سيدخلون الجنة!
ربما شعر هؤلاء المجرمون القتلة بالحقد تجاه والدي لأي سبب، لكنهم تعاطفوا مع أختي سلمى ومعنا!
حتى وهم من ارتكب الجريمة الأبشع!
من يدري!
لكن الشامت والمتشفي أقبح منهم بلا شك، لا قاع لوضاعته وانعدام إنسانيته...
هذا يشبه من يكون لديه خيار أن يشرب عصير برتقال طازجًا، ولكنه (يهوى أن يشرب كوبًا دافئًا من دماء البشر)!
يشبه من لديه خيار أن يأكل لحم ضأن لذيذًا، ولكنه يقرر أن يعضّ ويلتهم لحم شخص ضعيف يتألم أمامه...
هؤلاء شر مطلق، لا يمكن أن يكونوا جزءًا من حل أو خير أو بناء...
وحتى إن كانت حقيقتهم بشعة هكذا، فعليهم أن يخجلوا وأن يختبئوا؛ عليهم ألا يظهروا هذا التوحش للعلن!
وعليهم أن يتلذذوا بشرب الدماء والتهام لحم الضعفاء، في الظلام، بعيدًا عن عيون الناس، فالمنظر مقزز ومقرف...
أيضًا على من يحاول استغلال جريمة اغتيال والدنا، سياسيًا، وأن يستخدمنا (نحن) في هذا!
عليه أن يراجع نفسه، وأن يخجل...
وأن يتأكد من قواه العقلية...
هي بالنسبة له (قضية عامة) أو جريمة سياسية أو جنائية!
لكنها بالنسبة لنا شيء آخر!
هذا والدنا؛ ليس شخصية سياسية بالنسبة لنا...
وكل الهراء السياسي لا يعيننا ولا يغنينا حين نشتاق إليه في يوم العيد، في وقت المرض، في ساعة الفرح أو الحزن...
عن تجربة أنصح بأنه علينا جميعًا أن نراجع آدميتنا؛ مهما كان الخلاف بيننا...
ومهما كانت العدواة، لا ينبغي أن نتحول إلى حيوانات شرسة تنتظر الفرصة لالتهام بعضها...
نحن بشر، وينبغى أن نتصرف كالبشر...
ومن باب الإنصاف، فأنا لن أنسى أيضًا ولن أنكر نبل الكثيرين من الأعداء قبل الأصدقاء، ممن لا يعرفنا قبل من يعرفنا...
ممن تألم وتعاطف ليس مع حسن زيد السياسي...
ولكنه تألم وتعاطف مع الرجل المدني الذي شارف على السبعين عامًا، والذي اخترقت جسده ما يقارب عشرين رصاصة، وهو إلى جوار ابنته الصغرى يمازحها...
تعاطف مع الأب الذي كانت آخر لحظاته في الحياة، وهو مفجوع على طفلته! يحاول حمايتها بجسده...
لهؤلاء أقول: شكرًا لكم ولسويتكم...
لم تتحول اليمن إلى غابة بعد...
لنتشبث بإنسانيتنا...