الإهداء:
إلى د. عبدالكريم أحمد عاطف، صديق رحلة العمر الجميل، الذي دافع عن السلام الوطني،حين كان السلام خيارا وطنيا، فوجد نفسه بملابسه العسكرية، ومعه كل رفاقه،في السجن.
إليه في رحلة تشافيه الصحي حيث هو، بعيدا عن وطنه،الذي احبه حتى العبادة. مع كل التمنيات له بالصحة والسلامة.. وكل الأمنيات للوطن بالسلام، بدون شعارات.
السلام في نظر البعض صفقة سياسية مربحة،( ماليا وسياسيا)،- مع الأسف- وفي نظر البعض الٱخر صفقة مريحة تزيح عنهم عبء وعناء مقاومة العنف السياسي والعسكري والقبلي، وكذا العنف العنصري "السلالي"، والتحركات السياسية الكارثية الجارية باتجاه تغيير البنية الثقافية، والاجتماعية التاريخية لهوية البلاد، وهو أقسى أشكال الحرب، والعنف والغطرسة، وأكثرها بدائية ووحشية، والتي تجاوزت كل حدود اللامعقول، ذلك أن جميع التحركات التي تتحقق على الأرض، سياسياً وثقافياً واجتماعياً ومذهبياً، هي خارج نطاق المفهوم والمقبول، بل هي اللامعقول ذاته والخرافة عينها.. تحركات وإجراءات سياسية، وثقافية،وتنفيذية، تمس صلب عمق الذاكرة التاريخية لنا، تجري وتمارس حيث يقيم دعاة"السلام"، وأمام أعينهم، ومن هنا في تقديرنا يبدأ النقد التأسيسي لمعنى صناعة السلام بمفهومه الشامل: السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والوطني، بعيدا "بروبجندا". الشعارات السلاموية الفارغة من المعنى.
إنهم يتحدثون - البعض- عن السلام في حدود ونطاق الشعارات التي تحتمل جميع التأويلات السياسية، إلا ما يشير إلى معنى وحقيقة السلام الواقعي والمرتجى!! شعارات وبيانات لاتقول شيئا محددا وواضحاً حول معنى وقضية السلام في واقع الممارسة العملية.. لم نسمعهم يتحدثون في خطاب سياسي مبين، عن السلام بمن؟ والسلام كيف؟ ومن هي القوى السياسية والاجتماعية التي يمكننا التأسيس للسلام معهاعلى الارض وليس في سوق الشعارات والمزايدات الكلاموية؟
أي من هي القوى السياسية الاجتماعية صاحبة المصلحة الحقيقية في السلام،وضد الحرب؟ ثم ما هي المداخل السياسية والعملية لذلك السلام المنشود؟،نحن فقط أمام بيانات وشعارات وهتافات مناسباتية فارغة من المضمون، هذا كل ما في الأمر!!.
هتافات وشعارات تعيدني/ تعيدنا، إلى خلاصة شعرية، لمحمود درويش في قصيدة له بعنوان ( بيت من الشعر.. بيت الجنوبي)، یرثي فيها الشاعر،أمل دنقل تقول بعض من مقاطعها: لاشيئ يثبت أني حي/ لاشيئ يثبت أني ميت/ ولم أتدخل بما تفعل الطير بي/ وبما يحمل الليل من مرض العاطفة.
إن ما اقدمه هنا هو رأئي، ولا افرضه على أحد، رأي يحتمل الصوب، بقدر ما يحتمل الخطأ، وحسب الإمام، احمد بن حنبل "كلامنا رأي، فمن جاءنا بخير منه تركنا ما عندنا إلى ما عنده"، على أنني ومن خلال متابعتي لما تقوله بعض "بيانات السلام"، أجدها وكأنها طبعة واحدة مكررة، في الجملة والكلمة وفي الحرف، وفي الفاصلة والنقطة، حتى أنها لو أخضعت لقراءة تحليل المضمون، قد نجدها هي، هي، لا جديد فيها حتى على مستوى صف الحروف.. والأهم انك لاتقرأ مشاريع رؤى حتى أولية لما يجري على الارض، يمس صلب حياة الناس، حول قضية الانقلاب، والسلام والحرب،، هي في احسن التعبيرات ترديد لما كان يقوله المبعوث الأممي/ جمال بن عمر، ولما يردده المبعوث البريطاني الحالي لليمن، والمندوب الأمريكي، بل وكل وزراء خارجية دول مجلس الأمن من تعبيرات تتساوق مع اوضاعهم الدبلوماسية المريحة، تعكس حالة من ترف الكتابة، والتي تأتي في سياق رفع العتب، وضمن الدبلوماسية الدولية، ولتأكيد استمرارية أدوارهم الوظيفية في مواقعهم، وتبريراً لمزيد من الدعم المالي لهم، وللمنظمة الدولية، خطابات دبلوماسية لاصلة لها بحقيقة قضية السلام والحرب في بلادنا.
السلام والحرب في مكان، والشعارات السلاموية في مقلب آخر، لايجمع بينهما جامع، سوى المزايدة الكلامية على اوجاع الناس وتعبهم المؤرق، وموتهم جوعا ومرضا وبدون رواتب.. شعارات تزيد الواقع بؤسا، وتغطيه بالكأبة والسواد، هي ضمنيا شرعنة باسم السلام لكل ما يجري على الأرض.. إنهم مع السلام كيفما اتفق، ولو بشروط فرض سلطة الأمر الواقع" القوة"،.. الواقع في عفنه وبؤسه وانحطاطه، وكله باسم السلام، وهذه هي النتيجة السياسية والعملية التي توصلنا إليها بعض خطابات" السلام وكفى".
إن الذين يتحدثون عن إيقاف الحرب، بدون امتلاكهم رؤية سياسية اجتماعية وطنية واقعية حول السلام على الارض، هم كمن يريدوننا ضمنياً بل وعملياً، أن نعيد إنتاج وتكريس سلطات الأمر الواقع كما هي، مع بعض التعديلات الشكلية الخارجية في مسمياتها العامة، إلى جانب تعديلات في نسب حصص كل منها،من الجغرافيا الاقتصادية،والمالية للبلاد،
"ثقافة الغنيمة"، وكله باسم السلام!! حيث ستكون اليد الطولي في أي "حل" أو تسوية سياسية، لمن كانوا يحتربون من السياسيين والعسكريين، ومن المرتزقة ومن الكتبة المأجورين!!.. الذين حين يختلفون يقتلوننا ويدمروننا بالحرب، وحين يتفقون سيقتلوننا وينهبوننا مرات مضاعفة وكله باسم السلام.. "مثل القرود في الغابة –كما يقول جورج أورويل –إذا تشاجروا أفسدود الزرع، وإذا تصالحوا أكلوا المحصول".
لابد من إحداث تعديلات وتغييرات بنيوية سياسية ومدنية ومجتمعية على أرض الواقع، ومن الٱن، وبالتدريج من قبل الغالبية العظمى المهمشة، الصامتة.. من المهم، بل ومن الضروري الإقلاع عن الصمت، وعن الحديث الدعائي عن "سلام"، لن يأتي إلا معتمراً كوفية الحرب، علينا السعي معا، للبحث عن مداخل سياسية كفاحية لتشكيل كتلة اجتماعية وطنية تاريخية، تقف في صف الشعب في أي تسوية سياسية وطنية شاملة، توقف الحرب لصالح السلام بالفعل، وليس مجرد "هدن حربية" عنوانها الواقعي، سجال حربي مستدام، وكله باسم سلام محشور بين دفتي بيانات، وشعارات، لاتجدي نفعا، سوى تلميع صورة من يقفون خلفها!!
إننا نريد السلام، نعم، نريده الأن، والٱن، وغدا، وفي جميع الاحوال.. وليس سلاماً سياسوياً مؤقتاً يفتح أبواب جهنمية لسجالٍ حربيٍ مستدام، وباسم السلام الذي لن يأتي.
وعلينا أن ندرك الٱن، وغداً، وفي كل الاحوال، أن رحلة الالف ميل تبدأ بخطوة سياسية، عملية صحيحة.. المهم أن نمتلك ارادة الاصلاح والتغيير، وشجاعة التجرؤ على القول.. شجاعة التجرؤ على الحلم، وعلى التفاؤل.
صفوة القول:
إن اقدس حالات الخوف،هي لحظات الخوف التي تتملك المثقف والسياسي والمبدع حين يطلب منه أن لا يقول الحقيقة،ويقول الكذب.. هنا عليه/ علينا، أن نخاف الف مرة، ونعتصم بالصمت الذي هو ابلغ من كل كلام.
إنه الخوف الجليل والمقدس، الذي لانخجل منه، ونجاهر في إعلان خوفنا منه، حتى لانقع في مستنقع الرذيلة، والكذب الرخيص على الذات، وعلى الواقع، وعلى الوطن، وباسم السلام.