صباح أمس، استيقظت مبكراً وقصدت -كالعادة- الطريق الرئيس الرابط بين مدينتي الراهدة والدمنة بتعز. انتظرت قرابة عشر دقائق ريثما يمر "ميكروباص" ليقلني إلى وجهتي الأخيرة، مدينة "الدمنة" عاصمة مديرية خدير، بتعز.
شقيقان من المهمشين_تعز (النداء)
كنت أقف على مقربة من شقيقين يبدو أنهما من أولاد البؤساء (المهمشين)، كان كلًا منهما يحمل على كتفيه "شوالة" من العلب الفارغة الصدئة جدًا، قاما بجمعها لبيعها في سوق الخردة.
مرت دقائق، وإذا بسيارة فارهة جدًا تتوقف، لاحظت من سائقها أنه توقف مجبرًا للرد على مكالمة هاتفية، لم تدم أكثر من خمس دقائق، وقبل أن يهم بمواصلة السير، قال له ذلك الطفل الذي كان يقف بجانب شقيقه: وصِّلنا معك يا عم على طريقك.
نظر إليهما، ولم يمانع في توصليهما رغم ملاحظته لهما بثياب رثة وشعر أشعث، وأقدام حافية، وبادر بالموافقة على ركوبهما سيارته، سرعان ما التفت إليَّ وقال: وأنتَ يا أخ تفضل.. إلى أين؟ قلت له: إلى الدمنة. ركبت بجانبه، وسرعان ما بدأ يسأل الطفلين اللذين يبدو أنهما لا يتجاوزان 11، و12عامًا: بكم تبيعان هذه المخلفات؟ فقالا له إنهما يبيعان الكيلو بـ120 ريالًا، ثم سألهما، كم يحصلان على فلوس في اليوم؟ فرد أحدهما بأنهما يحصلان على ألفين إلى ثلاثة آلاف ريال، فالتزم الصمت لبرهة، ثم هز رأسه، قلت له: هذه هي حياة البؤساء، قال: فعلًا، وأكثر من بؤساء، يا أخي.
كنت من لحظة وأخرى، أرقب الشقيقين، وهما يلتفتان يسارًا ويمينًا، ويمعنان النظر في زوايا السيارة بدهشة غير مسبوقة، وكأنهما يعيشان حلمًا بركوب سيارة فارهة.
وقبل أن يصلا إلى وجهتهما الأخيرة، دس الرجل يده في صندوق سيارته الفارهة، وأخرج 10000 ريال، وأعطى كلًا منهما 5000 ريال. نزل الشقيقان فرحين فرحة لا توصف، وبادر أحدهما بمخاطبة الرجل الإنساني: يا عم، الله يغنيك من فضله، وظلا يرقبانه حتى غاب عن ناظريهما. وكنت قد تمكنت من التقاط
صورة لهما أثناء نزولهما من على متن السيارة، وحبَّذت أن أُعَتِّمَ على ملامح وجهيهما.