فيما كانت الأمم المتحدة تحضر لجولة جديدة من المحادثات بين الأطراف اليمنية، في النصف الأول من العام 2016، كان الحوثيون يتجاوزون خط الحدود مع السعودية، ويصلون مدينة ظهران الجنوب لإبرام اتفاق مع الجانب الحكومي لوقف إطلاق النار في عدد من المحافظات التي تشتعل فيها المواجهات، وبالذات حجة وتعز ومأرب، برعاية سعودية، بعيدًا عن مشاركة حلفائهم حزب الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، قبل أن يعود الأخير، قبل نهاية العام ذاته، لتحرير التزام خطي بتنفيذ ذلك الاتفاق.
حاليًا، وبينما يواصل السعوديون والعمانيون عقد لقاءات مكثفة مع قادة الحوثيين في صنعاء، لوضع اللمسات الأخيرة لاتفاق أكثر شمولية، أشهر الحوثيون سيف الرفض في وجه الملايين الذين يتطلعون إلى السلام، بعيدًا عن تفاصيل الاتفاق بشأنه، قائلين إن المملكة طرف في الصراع وليست وسيطًا، دون أن يقدموا تبريرًا مقنعًا لكيفية قبولهم بتلك الوساطة في بداية عام 2016، وكيف يرفضونها اليوم، عدا ما يظهر من نوايا لدى الجماعة بالحصول على ضمانات من الجانب السعودي أن يلتزم الحياد في مواجهات مع الأطراف اليمنية التي تعارض مشروعها.
ومع أن القيادي محمد البخيتي، محافظ ذمار، لا يعكس دائمًا رأي مركز القرار في قيادة جماعة الحوثي التي يحتكر زعيمها عبدالملك الحوثي سلطة الحسم في أي موقف، إلا أنه كان الأكثر وضوحًا في التعبير عما تضمره الجماعة تجاه خصومها الداخليين، واستمرار وصفهم بالارتزاق، وأعاد أسباب رفض الجماعة تقديم الجانب السعودي كوسيط في اتفاق سلام، إلى المخاوف من عودة الحرب ومساندتها خصومهم.
السفير السعودي محمد آل جابر، الذي يقود فريق بلاده، قال إن وجوده في صنعاء يهدف إلى تثبيت الهدنة ووقف إطلاق النار، ودعم عملية تبادل الأسرى، وبحث سبل الحوار بين المكونات اليمنية للوصول إلى حل سياسي شامل ومستدام في اليمن. لكن البخيتي رد وقال إنه إذا لم تنجح المفاوضات الجارية في صنعاء، فإن هذا يعني عودة الحرب بين طرفي الصراع بشكل أكثر ضراوة، حيث سيعاود الطيران السعودي قصف اليمن، وستعاود القوات الجوية والصاروخية اليمنية قصف السعودية.
وبشكل أوضح من غيره من قادة الجماعة، تساءل البخيتي: هل من المقبول عقلًا تسمية السعودية وسيطًا؟ ثم عاد ليطرح وجهة نظر جماعته، ليقول إنه إذا أرادت السعودية أن تلعب دور الوسيط، فلتوقف كل عملياتها العسكرية في اليمن، وترفع حصارها، وعندها سنرحب بها كوسيط.
لكن قادة الجماعة الذين قادوا الهجوم على تصريحات السفير السعودي، وأشاعوا أجواء من الإحباط لدى المتطلعين لاتفاق السلام، تجاهلوا استفسارات المتابعين عن الأسباب التي جعلتهم يقبلون المملكة وسيطًا بين الأطراف اليمنية في 10 أبريل 2016، وتأكيدهم وحزب المؤتمر في نوفمبر من ذات العام، على الالتزام بذلك الاتفاق الذي ينص في أحد بنوده على أن الطرفين -الحكومة والحوثيين- يرحبون بإشراف الأمم المتحدة عبر لجنة التهدئة والتنسيق والمملكة العربية السعودية، على سير عمل اللجان التي ستتولى الإشراف على وقف إطلاق النار وفتح الطرقات وإطلاق الأسرى والمعتقلين.
كما التزموا بالعمل على إنجاح أعمال هذه اللجان، وتسليم آلية عمل هذه اللجان خلال 24 ساعة من تاريخه، للجنة التهدئة والتنسيق، كما ينص الاتفاق في بند آخر على أن الطرفين يطلبان من المملكة العربية السعودية استضافة أعمال لجنة التهدئة والتنسيق، وتقديم الدعم اللازم لها، وضمان سريان وقف إطلاق النار.
وفي ختام اللقاء، ثمن الطرفان ما تقوم به المملكة العربية السعودية من جهود كبيرة لحل الأزمة اليمنية، والتوفيق بين جميع الأطراف، وصولًا إلى حلول كاملة وشاملة تصب في مصلحة الشعب اليمني وفق قرار مجلس الأمن رقم 2216 عام 2015، وباقي القرارات ذات الصلة.
وإذا كان من الإنصاف الإقرار أن الوضع العسكري قد تغير لصالح الحوثيين منذ العام 2020، بخاصة بعد سقوط منطقة فرضة نهم، ووصول قواتهم إلى أطراف مدينة مأرب، وسيطرتهم على معظم المديريات الجنوبية للمحافظة، فإن ما يثير الشكوك تجاه مساعي السلام، ويعزز المخاوف من دخول اليمن مرحلة اقتتال داخلي، هو أن تغادر السعودية التي لم تعد تخفي يأسها من الشرعية وفسادها، ومن شأن ذلك أن يتوهم الحوثيون أن باستطاعتهم الاستفراد بخصومهم في الداخل، وإخضاعهم عسكريًا، دون أن تدرك الجماعة التي قدمت نموذجًا بشعًا للسلطة العصبوية المنفلتة، وأعادت إحياء كل سلوكيات نظام حكم الإمامة بكل تفاصيلها، وتجلت أكثر على صعيد التعيينات والجبايات وإنشاء الكيانات الموازية لمؤسسات الدولة، وتوجتها بقانون سيئ الذكر جرمت فيه العمل المصرفي، وصادرت أرباح ودائع الأفراد والبنوك، والتي تزيد على 3 مليارات دولار.