أعجبني ما قاله رئيس الوزراء الأسبق خالد محفوظ بحاح في لقاء لنخبة من أهل حضرموت الأسبوع الماضي. قال إن على أبناء حضرموت التمسك بالدولة عبر الالتفاف حول السلطة المحلية والنأي بحضرموت عن الصراعات التي تدور بين ميليشيات أو "أشباه ميليشيات"، وعلى حضرموت أن تقدم مثالًا لغيرها من المحافظات.
يقدم بحاح خارطة نجاة لحضرموت واليمن عموما من العصبيات المتناحرة منذ حوالي عقد. لقد دفعت النخبة السياسية في المرحلة الانتقالية (2012-2014) اليمن إلى الحرب والملشنة بدلا من الاصلاح والاستقرار. عبر انتخاب رئيس وبرلمان ومجالس محلية بعد الوفاء بأمرين: الوفاء عبر الدولة بالحقوق التي لا تقيل التسويف في المحافظات الجنوبية والشرقية (الجنوب) وإنهاء حالة الحرب في محافظة صعدة ومعالجة المطالب ثم إعادة صعدة بكاملها إلى "حضن الدولة" ثم يكون حواراً حول مستقبل اليمن: نظام سياسي واصلاح مؤسسي ونظام انتخابي ….
لم تكن هذه الوصفة السلسة محل رضا الرئيس المؤقت عبدربه منصور هادي وقيادات احزاب المشترك. بدلًا منها اختاروا طريقًا التفافيا يعالج بالوهم القضايا مع التمسك بالسلطة التي آلت إلى محض مكاسب تتقرر في الرياض وابوظبي.
والآن؟
بعد 8 سنوات حرب تتًوزع اليمن سلطتان هما سلطة الحوثيين من صعدة إلى شمال تعز، وسلطة "الشرعية" التي تمتد من المخا إلى المهرة وتضم اليها محافظة مأرب ذات القيمة الاستراتيجية والاقتصادية والرمزية التاريخية!
لم يعد هادي موجودًا فقد اجبر على تسليم "مكتسباته الانتقالية" إلى مجلس قيادة برئاسة رشاد العليمي يضم طرفين جديدين هما المجلس الانتقالي (عيدروس الزبيدي) والمقاومة الًوطنية (طارق صالح). وعودة إلى اعلان الرياض قبل حوالي عام فان المجلس سيتصدى لمهمة توحيد قوى الشرعية (أي استيعاب الانتقالي والمقاومة الوطنية) والاستعداد لاستحقاقات السلام أو استئناف الحرب وتحرير صنعاء والمحافظات الخاضعة لسلطة الحوثيين.
نعلم منذ ابريل 2022 ان مجلس القيادة مطالب أساسًا باستيعاب مكونين خارجه هما الانتقالي والمقاومة الوطنية، وفرض حالة من الهدوء في ما يسمى "المحافظات المحررة" والاستعداد لتسوية يتم بموجبها إنهاء الحرب الداخلية! ذلك ان هذه المعالجات السعودية تلت تفاهمات سعودية- حوثية!
**
ماذا أنجز مجلس القيادة؟
واضح أن المهمة الأساس وهي توحيد القوات المسلحة لم تنجز! بل يتضح أن الرياض دعمت قوات جديدة تتبع نظريا رئيس المجلس، وأن الوضع بالغ الحساسية في محافظات شرقية مع شيوع حالة من الغموض في العلاقة بين السعودية والإمارات.
استطاع طارق صالح تكريس وضعه في المخا وتعز كفاعل محلي يمكن أن يساعد في تكريس "تعز" كمحافظة مهمة للحل، كمأرب.
ماذا عن الانتقالي؟
من الواضح أن الانتقالي في "اللحظة الحرجة"!
فالصيغة السعودية تلتزم الموقف المعتاد المتوافق مع الاقليم والعالم؛ عودة السلم إلى اليمن واحترام سيادته ووحدة أراضيه. وكنت كتبت بعد اندلاع الحرب بخمسة أشهر أن السعودية لا تملك العودة إلى صيغة "الدولة الحاجز" في التعامل مع اليمن (المجزأ أو الموحد) التي حكمت سياستها تجاه اليمن منذ الخمسينات وبخاصة في ذروة المد الناصري والحرب الباردة. كما أن الاتفاق السعودي - الايراني من شأنه المساعدة على التهدئة في اليمن والتزام الفاعلين المحليين اعتبارات الرياض وطهران!
**
دفع اليمنيون ضريبة باهظة جراء "أوهام" المرحلة الانتقالية التي بدلا من أن تنتهي في 20 فبراير 2014، أي بعد سنتين، اخذت اليمن إلى الحرب والملشنة. وحان الوقت لكي ينزل قادة الأحزاب والقوى العسكرية مظليا على "الأرض الخراب" كي يصلحوا ما افسدته "هذيانات" المرحلة الانتقالية… وما بعدها.