تشكيل مجلس قبلي بدلاً من السلطة المحلية: طور الباحة.. احتمالات الصراع خارج دائرة «الحراك الجماهيري» - باسم الشعبي
الأكثر خطورة من تردي الوضع الأمني في عدد من المناطق التابعة لمحافظة لحج تآكل العوامل الضرورية المحكمة بالاستقرار المعيشي للناس بصورة غير معهودة. وإزاء ذلك قد تصبح العودة إلى الوضع الطبيعي أمنياً مسألة صعبة.
في مديرية طور الباحة، 75 كيلومتراً إلى الغرب من عدن، يتلقى الوضع الأمني ابتداءً من نهاية مارس العام 2008 اختبارات عديدة ابتدأت بالمظاهرة التي شهدتها عاصمة المديرية احتجاجاً على الاعتقالات التي طالت قيادات ونشطاء الحراك «الجنوبي» في عدد من المناطق الجنوبية، ويومها طالبت التظاهرة -بحسب المعلومات المتداولة- برحيل قوات الأمن من عاصمة المديرية «طور الباحة» الواقعة على بعد كيلومترات شرقاً من «باب المندب» أهم مضيق مائي دولي.
وبعد مرور ما يقرب من عام على تلك الواقعة، فضلاً عن وقائع وأحداث أخرى أنتجت هي الأخرى أسبابها الكافية التي منعت من ترسيخ الأمن، جاءت استقالة أمين عام المجلس المحلي بالمديرية الاسبوع الماضي لتضيف حقائق جديدة للوضع القائم. أهم تلك الحقائق: خروج الأوضاع عن سيطرة الجميع، فلم تعد طور الباحة الآن في مأمن من الاختطاف أو تحولها إلى ساحة صراع جديدة خارج دائرة «الحراك الجنوبي»، فالجماعات المتشددة والمتوثبة لمنازلة «الاعداء المفترضين» ستجد على الأقل في المنطقة بعض العوامل المساعدة لفتح جبهة جديدة بالقرب من عدن وباب المندب.
تتالت الأحداث متسارعة، ففي مايو من العام الماضي شهدت المديرية واقعتين منفصلتين ذهب ضحيتهما مواطنان أثنان هما: يحيى الصوملي، وحافظ الأصنج. كان ذلك على يد قوات «الأمن المركزي» التي كانت ترابط على بعد كيلومترات جنوباً من عاصمة المديرية في مهمة استثنائية -كما يبدو- للحيلولة دون انهيار الأوضاع!
وفي مهمة مغايرة أطلقت السلطة وساطات عديدة لاحتواء الموقف الذي أنتجته واقعتا القتل السابقتان، إذ ظل الأهالي يتحفظون على طقم عسكري ونحو 7 من عناصره قرابة شهر قبل أن تفضي وساطة خاصة للشيخ عبدالقوي شاهر إلى تسليم الجنود المحتجزين وإحالة ملف القضية إلى النيابة ومن ثم إلى المحكمة بحسب طلب أولياء الدم، إلا أن الأمور سارت -كما يبدو- عكس ما كانوا يتطلعون إليه: محاكمة المتهمين وإنزال أقصى العقوبات بهم.
الحراك الجماهيري رتب أوضاعاً أخرى لم يجد أولياء الدم بداً من القبول بها والتفاعل معها: اعتبار الصوملي والأصنج. شهيدين من شهداء «النضال السلمي»، وتخصيص حصة تليق بالشهداء في كل فعالية تشهدها المديرية هي بمثابة «كلمة الشهداء» ألقاها في فعالية 11 فبراير الجاري شقيق حافظ الاصنج.
بعد الواقعة المذكورة بأسابيع نال كمين مسلح من سيارة محمد علي سالم مدير عام المديرية السابق، في عاصمة المديرية ترك آثاراً ظاهرة على السيارة. هذه الواقعة كانت -بحسب المعلومات- رسالة إضافية لتأكيد عدم الرغبة ببقاء سالم في المديرية لمزوالة عمله، وكان سالم ترك عاصمة المديرية قبل وقوع حادثة قتل الصوملي بدقائق. عدا ذلك فالرجل بدا في نظر أولياء الدم متعاوناً مع «القتلة».
في خضم الوضع القائم جرت محاولات عديدة لإعادة ترتيب الوضع الأمني بعد أن طالب المحتجون أفراد الأمن ومسؤوليه بالرحيل من المديرية، إذ أسندت السلطات المحلية بالمحافظة المهمة الأمنية للرائد العطري الأمر الذي قابله المحتجون بالرفض، انطلاقاً من الإحساس بترتيب السلطات «لفتة» جديدة بين أبناء المنطقة، اعتبروا تعيين العطري مسؤولاً أمنياً في المديرية مقدمة لذلك كون المذكور ينتمي للمديرية. على أن العطري نفسه لم يكن مقتنعاً بالمنصب كما قيل، وفي وقت لاحق جرى استبداله بآخر.
على صعيد المسؤول الأول في المديرية ظل المنصب شاغراً لما يقرب من 8 أشهر. وفي مقابل الفلتان الأمني عادت إلى الاسواق ظاهرة حمل السلاح بعد اختفائها لبرهة من الزمن. كما تعرض عدد من المحلات التجارية للاعتداء وإلزام أصحابها بدفع جبايات متفرقة لأشخاص قالوا إنهم يوفرون الحماية لها. كما تعرضت المعدات الخاصة بالكهرباء للعبث والسرقة. ومؤخراً نال مشروع المياه قسطه من التخريب ما أدى إلى انقطاع إمدادت المياه على مناطق وقرى عديدة.
وقبل أن يقدم أمين عام المديرية (اصلاح) استقالته من المنصب الاسبوع الماضي كانت السلطة المحلية في لحج عينت سعيد الرجاعي مأموراً لطور الباحة نهاية العام المنصرم. ولأنه (الرجاعي) من أبناء المديرية فقد اشترط على القيادة في لحج تقديم قتلة الصوملي والأصنج للعدالة إذا ما رغبت في توليه لمهامه.
ضغوط كبيرة واجهها الرجاعي منعته من مزاولة مهامه خلال الفترة الماضية الامر الذي دفع السلطات استبداله بآخر خلال الاسابيع الماضية. ولما امتنع هذا الاخير عن مزاولة المهام لم يجد أبناء المديرية من مشائخ وشخصيات اجتماعية بداً من البحث عن صيغة جديدة يسيرون بها الأمور.
خلال الأيام الماضية جرى تشكيل مجلس قبلي ليحل محل السلطة المحلية. هذا المجلس كلف شقيق «الشهيد يحيى الصوملي» تولي مهام المسؤول الاول في المديرية سداً للفراغ الذي وسعته استقالة الأمين العام الذي اشار في استقالته إلى أن السلطات لم تساعده في ضبط الأوضاع، ناهيك عن خلق عوائق وصعوبات جديدة أصبح المجلس المحلي عاجزاً أمامها.
كل هذه التداعيات التي خلفتها حوادث مارس ومايو 2008، وما يتصل بها من ممارسات انطلقت من داخل الحراك الجماهيري، في مقابل عجز السلطات عن إنجاز حلول توافقية ومرضية، تضع طور الباحة ذات الموقع الاستراتيجي الهام أمام فراغ واسع وخطير قد يجعل منها جبهة مفتوحة الاحتمالات لزعزة الاستقرار في عدن وباب المندب.
تشكيل مجلس قبلي بدلاً من السلطة المحلية: طور الباحة.. احتمالات الصراع خارج دائرة «الحراك الجماهيري»
2009-02-26