صنعاء 19C امطار خفيفة

الفهيدي وإخوانه يناشدون رئيس الجمهورية منتظرين التفاته إلى قضيتهم

2008-03-13
الفهيدي وإخوانه يناشدون رئيس الجمهورية منتظرين التفاته إلى قضيتهم
الفهيدي وإخوانه يناشدون رئيس الجمهورية منتظرين التفاته إلى قضيتهم
- أحمد عبد الرحمن الشرعبي
"للعدالة وجه واحد، وللظلم أكثر من وجه" عبارة يؤمن بها جيداً علي رزاز، ويردد حتى اللحظة أن العدل أساس الحكم. إلى وقت قريب ظل علي رزاز الفهيدي، وخلفه رتل من الورثة يؤمنون بوجود العدالة، ويؤمنون أيضاً بأحقيتهم في المطالبة بميراث آبائهم وأجدادهم. ذلك الإيمان والثقة العاليان هما ما جعلاه يخوض غمار البحث عن ميراثه وإخوانه وأعمامه، ليعود محملاً بأوراق هي فصول لقسمة تركة مورِّثهم، أحمد علي الفهيدي، وأوامر وتوجيهات عليا "ليست أكثر من حبر على ورق"، كما يقول؛ فقد تفاجأ، والورثة الباقون، بعدم تجاوب رئيس محكمة استئناف تعز وعدم تنفيذ حكم المحكمة الابتدائية.
اليوم لم يعد متحمساً للدفاع عن العدالة، كونه أدرك مؤخراً أنها في غياهب الضياع تجتر أنفاس الموت، والجميع يعيش حالة حداد ممتدة عليها!! القضية التي طال أمد البت فيها، رغم الكثير من التغيرات الحادثة من بين يديها ومن خلفها، رغم قيام الثورة وإعلان الجمهورية، وبعد ذلك إعلان الوحدة... ظلت القضية كما ولدت أول مرة،غير آبهة لما يحدث على مقربة منها. لقد حافظت على نسجها/ خلقها الأول من أن يطاله التغيير أو التحديث!!
فيصل محمد رزاز مؤخراً أسعفه تفكيره بأن يوصل قضيته وقضية أعمامه إلى منظمات عالمية تعنى بحقوق الإنسان علها تلتفت إلى قضيتهم المستعصية، بعد اللاتجاوب الذي لقيه من منظمات المجتمع المدني في اليمن. "المسألة لم تعد قابلة للمماطلة" كما يقول فيصل، الذي ولد بعد أن ولدت القضية بسنوات. فيصل، الرجل المثقف والمدني، عرض قضيته مؤخراً على وزارة حقوق الإنسان. لقد شكا للوزارة الظلم والحرمان والاستبداد الذي ألحقه بآبائه وأجداده أحد الورثة ومن بعده أولاده. لقد اكتفت وزيرة حقوق الإنسان بالتوجيه إلى رئيس هيئة التفتيش القضائي "لاتخاذ ما يراه مناسباً". لقد ذهب بشكواه مؤمناً بأن الوزارة ستعمل على فك أسر ممتلكاتهم. ولكنه أخطأ، كما أخطأ عمه سابقاً!
تعود جذور القضية إلى خمسينيات القرن الماضي، وبالتحديد إلى العام 1954، منذ أن كان الإمام أحمد يقطن قصر البشائر في تعز. منذ ذلك الحين والقضية لم تراوح مكانها. ما يزيد على نصف قرن من البحث، الذهاب، والمجيء... نصف قرن والورثة يرابطون عند بوابات المحاكم... ينتظرون هبوب أول عاصفة للعدل، هبوب من يمكنهم من حقهم المستغل من قبل وريثين اثنين فقط، بينما ثمانية من الورثة يقبعون في الدرك الأسفل من العدمية.
توفي والد علي رزاز واثنان من أعمامه دون أن يتمكنوا من تركة والدهم. ببساطة: لقد ماتوا محرومين من حقهم، بعد أكثر من أربعة عقود ظلوا خلالها يجيئون ويذهبون إلى مقرات المحاكم، ليُتوفوا دون أن يجتروا رائحة الإنصاف وعودة حقوقهم المغتصبة. وها هو يواصل رحلة أسماها "رحلة الضياع"، مضيفاً إلى قائمة الأربعة عقود 14 عاما قضاها كما قال في المطالبة و"البرطعة" دون أن يحقق أي نتيجة. ففي القضاء كما يقول ثمة حكمة مفادها "مقسم لم ينفذ على أرض الواقع لا قيمة له". لذا كل ما يمتلكه حتى اللحظة لم يتعدَّ الورق.
حين تولى القضية القاضي فضل الإرياني، بإجماع الورثة عليه، غادر أحد الورثة المسيطرين على الأرض إلى السعودية رفضاً لذلك. كما غادر القاضي إلى خارج الحدود. حينها رد القاضي أحمد محمد الشامي متهكماً على فرار القاضي، أو ما اعتبر حينها تهرباً من قبله، بعبارة صغيرة حملت الكثير من الدلالات قالها بكل ثقة: "ماذا نقول للقضية رافقتكِ السلامة؟!!" موجهاً خطابه للإرياني.
لم يقف الورثة عند ذلك الحد، بل واصلوا شق طريق مطالبتهم حتى انتهى بهم الأمر إلى القاضي عبد الملك الوزير. وطيلة 9 سنوات والقضية لا تزال بحوزته. وبعد أن كلف من القاضي محمد إسماعيل الحجي، أصدر فصول القسمة الممتدة إلى ما يقارب ال8 أمتار وأكثر، والمعمدة من مجلس القضاء الأعلى. يقول علي رزاز: "ست سنوات والقاضي في تعز، وتكاليف إقامته كلها على الورثة. نحن نخسر من جيوبنا ونستلف في سبيل دفع بعض التكاليف، والورثة الآخرون يدفعون من عوائد أرضنا".
بعد نضال امتد لعقود صدرت الفصول في العام 2002، لتحال للتنفيذ، مرفقاً بها عدد من التوجيهات إلى المحكمة الاستئنافية بتعز، لتحيلها إلى الابتدائية التي قررت تنفيذ "الفصولـ". لكن الإقرار بالتنفيذ عاد أدراج رئيس الاستئناف الذي زفر في وجوه الورثة: "ابحثوا لكم عن قاضي ينفذ لكم".
عاد الرجل إلى صنعاء. عاد بالكثير من اليأس، وربما بالقليل من التفاؤل. توجه صوب رئيس مجلس القضاء الأعلى، الذي رد بأنه "سبق التوجيه، راجعوا رئيس المحكمة". وإلى جانب توجيهه ثمة الكثير من التوجيهات من وزارة العدل، والنائب العام، والتفتيش القضائي. لكن على ما يبدو أن القاضي العنسي رئيس محكمة استئناف تعز غير ملزم بتنفيذ أوامر رئيس مجلس القضاء الأعلى، إلاّ أن الرجل مازال يحلم بأن يلتفت الرئيس إلى قضيته "ولو من على كرسي الرئاسة". مؤكداً بأن الأخير يدرك كل صغيرة وكبيرة.
 يتمنى علي رزاز، وهو الرجل الستيني، أن لا يموت قبل أن يتمكن من حقه وحق إخوانه وأعمامه، الذين يسميهم "المظاليم الكبار". لقد توفي ثلثا الأسرة. وأما هو فقد تمكن الشيب منه، حطم كل جسده.
ويقول رزاز محمد أحمد، الذي تجاوز السبعين من العمر: "حقوقي مسلوبة من قبل بعض الورثة. ورغم تقادم سني أتذكر بداية الشكوى والمطالبة بتقسيم الأرض". وحتى "ذالحين" –كما قال- لم ينل حقه من أرض أبيه وجده.
علي رزاز يقول بلكنة تبدو متعبة: "لقد رحنا عند الجميع، لم تبق جهة إلا وطرقنا بابها". ويردف: "تبقى فقط بوابة دار الرئاسة. ويبقى أن نصل إلى الرئيس"، الذي قال إنه حتماً سيلتفت إلى قضيته! فهو منذ شهرين مرابط في صنعاء لأنه تعب "طالع نازلـ".

إقرأ أيضاً