صنعاء 19C امطار خفيفة

عام على حضوره الأول: هيثم.. الحياة بصيغة أخرى

2008-03-06
عام على حضوره الأول: هيثم.. الحياة بصيغة أخرى
كأنه «عبد العليم» الذي لم يمت أبداً
كأنه لم يبارح هذي الأرض الرخوة، المتهالكة.
كأنه لم يترك الأوقات شاغرة.
كأنه لم يدع ثانية من عمر الحياة تمر دونما حشرها في حناياه.
كأنه محمد حسين هيثم.
كأنه الشاعر الكثير.
كأنه لم يبتعد.
كأنه لم يُحزنّا.
كأنه لم يوزع قهوته على المعزين.
كأننا لم نذهب في السواد عليه.
كأن هذي الحياة قذرة.
كأن هذي الحياة لا تحتمل.
كأنها الفراغ البليد.
كأنها العتمة المجنونة.
<<<
كأنه جعل الحياة ملكاً شخصياً له.
كأنه "عبد العليم" الذي لم يمت أبداً.
كأنه الأشياء التي تخصنا تماماً.
كأنه الـ"كائن الذي تحتمل خفته".
كأنه "هند".
كأنه كل القلوب.
كأننا قلب واحد.
كأننا في المنفى.
كأنه في البيت.
كأنه الوطن.
<<<
كأنه قال: سأمضي.
كأنه قال: أحبكم.
<<<
كأنه يرغب في التيه.
كأنه يرغب في المقام وفي الحضور.
كأنه المكان.
كأنه كل الأماكن.
كأنه "خارج المكان".
<<<
كأنه يهرب من المدرسة.
كأنه يهرب من حصص الرياضيات والكيمياء والفيزياء والفلسفة.
كأنه يهرب من مركز البحوث.
كأنه يفر من نشرة الأخبار الرسمية.
كأنه يحب السيما.
كأنه ما يزال متتبعاً أخبارها.
<<<
كأننا المنفى.
كأنه الحضور.
<<<
كأنه راح بلا اسم.
كأنه عاد بكوكب.
<<<
كأنه يبسط ذراعيه للغرباء.
كأنه يريد المدى بين يديه.
كأنه ناطحة سحاب.
كأنه "غيمان".
كأنه الهاءات.
<<<
كأنه ترنح.
كأننا شربنا من البحر.
 
جمال جبران
 
***
 
 
في عالم الكلمة والحلم الجميل
 
مثلما غادرنا محمد حسين هيثم فجأة، هاهو عام منذ ذلك اليوم الحزين، يفاجئنا برحيله أيضاً.. هل رحل عام حقاً منذ ذلك الوقت؟! نكاد لانصدق فالحضور اليومي للشاعر الكبير محمد حسين هيثم في حياتنا وثقافتنا ووعينا الوطني لا يجعلنا نشعر بوطأة الزمن المتسارع والمشاكل المتراكمة.. أعلم أن هذا هو حال المبدعين -خاصة أولئك الذين بحجم ونوعية هيثم- فهم لا يغيبون رغم رحيلهم، مشرقة كلماتهم دائماً في عتمة الأيام.
ومن يرى بعين متفحصة خالية من أي حسابات صغيرة إلى المشهد الثقافي اليمني خلال عام 2007، سيرى الأثر الكبير الذي كان يتركه محمد حسين هيثم على ما يمكن أن يوصف بأنه انجاز ثقافي في اليمن، وسيتأكد من أننا في أمس الحاجة إلى من يملأ الفراغ الذي تركه الراحل الكبير.
أعرف أنني لست الوحيد الذي يشعر بأننا فقدنا برحيله أيضاً انساناً جميلاً تكبر هامته في ضمائرنا يوماً بعد يوم كلما تذكرنا موقفاً ما كان فيه هيثم مثالاً للأنسان المشبع بروح الطيبة والبراءة والصبر والتسامح... المترع بالبراعة المتجددة والانجازات الحقيقية في عالم الكلمة والحلم الجميل.
يوماً ما سيتسنى لنا أن نكتب أكثر عن هيثم، وعن إبداعه، وسنشهد دون ريب الكثير من الدراسات الجادة عن شعره وتجربته المتفردة دون أن يتبادر إلى ذهننا أي شك بأن الأجيال القادمة ستقرؤه بشكل أفضل مما قرأناه نحن، فهناك نصوص كثيرة لهيثم كُتبت لزمنٍ آخر ولمستقبل أدبي أكثر قدرة منا على تذوقها والاستمتاع والتأثر بها.
وسيعيش محمد حسين هيثم في هذا المستقبل في الوقت الذي يكون الماضي قد دفن معه الكثير من صانعي الأمجاد الكاذبة.
 
همدان دماج
 
 
***
 
 
مبان من الشعر
لأنه
كان يترك العديد
من مكوناته
على السطح
وينفذ الى العمق
وعندما يعود
يحرص على اهداء الاخرين
مبان
من الشعر.
 
 جازم سيف
 
 
***
 
هيثم الحي
 
حين بلغني نبأ وفاة الصديق الشاعر محمد حسين هيثم قبل عام من اليوم، شعرت بالصدمة، وحين تجاوزت ذلك الشعور بالصدمة، قلت إن اشكالية المبدع الاول. الإشكالية الكبرى هي إشكالية الحياة والموت، ومحمد حسين هيثم انتصر على هذه الإشكالية بالفوز بالحياة الدائمة لأنه شاعر موهوب، تفوق على نفسه دائماً.
واليوم، بعد عام من وفاته المباغتة أشعر بالأسى، لأنه كان يستحق أن يعيش حياة جسدية أخرى، لأسباب مختلفة، لعل أهمها أن الشعر في اليمن يحتاج إلى من يرفعه، وان الحياة اليوم تحتاج إلى من يغني لها.
وشدو محمد حسين هيثم كان شدو البلابل.
رحمه الله.
 
 عادل ناصر
 
***
 
قلوب لا تتحمل  كل هذا العبث
 
تسائل أحد الحاضرين في المقيل كم من المبدعين توقفت قلوبهم منذ حرب عام 94 في اليمن، كان العدد كبيراً فقال أحد الحاضرين «هؤلاء بشر يحسون وقلوبهم لا تتحمل كل هذا العبث».
كان محمد حسين هيثم أحد هؤلاء، ولست هنا بصدد كتابة رثاء له، بقدر ماهو رثاء لنا نحن الذين نفقد أصدقائنا واحداً واحداً، لأننا نعيش في بلد يرتدي كآبة أكبر من حجمه، بلد يحاول أن يختزلنا، ويحولنا إلى أياد عاجزة، وإلى أذهان شاردة، بلد يريدنا أن نرسم بلون واحد، وأن نكتب قصيدة بحرف واحد، وأن نفكر بفكرة واحدة، البعض تمرس على التآلف مع كل عرضي مع كل علائقي مع كل كامن، البعض منا يستقرء سماءً في سطح كأس لا تملأ تجاويف رأس، البعض منا يختبئ خلف مرايا الرائي دون أن يعول على ما يفضي إلى أفق ما، وهؤلاء كلهم الأحياء منهم والموتى أصحاب قلوب لا تتحمل كل هذا العبث.
فقط، أريد أن أقول لك يا صديقي بأننا نصنع في كل يوم طرقاً للهرب، سنهرب هروب الشعراء الجميل، سنسرق صوت الرعد، سنسرق وميض البرق وسنضع أمطارنا الخاصة وبها سنغسل كل هذا البكاء، وبها سنروي بذور الأمل التي أهديتمونا إياها، وأنتم الذين جعلتم منا أصحاب قلوب قوية تتحمل كل هذا الألم، وتتحمل كل هذا العبث.
 
 نبيل قاسم

إقرأ أيضاً