ألاعيب صغيرة - المحرر السياسي
قررت الدائرة الدستورية في المحكمة العليا صباح الأحد الماضي رفض الدفع المرفوع إليها من المحكمة الجزائية المتخصصة، والمقدم من هيئة الدفاع عن الزميل عبدالكريم الخيواني.
كانت المحكمة الجزائية استجابت في 11 نوفمبر الماضي لطلب هيئة الدفاع عن الخيواني برفع أوراق اتهامة إلى المحكمة العليا للفصل في الدفع بعدم دستورية القرار الجمهوري بإنشاء نيابة جزائية متخصصة. وقد استغرقت الدائرة الدستورية نحو شهرين ونصف لإنجاز المهمة، وإذ رفضت الدفع فقد دفعت بالقانون مجدداً إلى ملعب السياسة، ليواصل أرباب الجهالات والعصبيات العقائدية والعنصرية والفئوية لعبتهم الأثيرة: ركل العدالة.
تقاصرت الدائرة الدستورية, مع حفظ الاحترام لرئيسها وأعضائها، عن الإمساك بالفرصة التي تخلقت عبر أداء مهني راقٍ التزمته هيئة الدفاع عن الزميل الخيواني، فأصدرت حكم الأمر الواقع. وبدلاً من الرد الشافي على أوجه دفع المحامين، توسلت تسويغ الاعتداء على اختصاصات السلطة التشريعية، عبر جملة من الصياغات المتهافتة، كما في إصرارها على أن إصدار قرارات جمهورية بإنشاء نيابات أو محاكم متخصصة تقع في صميم اختصاص رئيس الجمهورية طبق الفقرة 8 من المادة 118 (دستور)، قبل أن تنتهي إلى القول بأن القرار الجمهوري بإنشاء النيابة الجزائية لم يكن سوى قرار كاشف لقرار مجلس القضاء الأعلى بانشاء النيابة، خالصة باطمئنان غريب، إلى أنه إذا لم يكن هناك قرار من مجلس القضاء لكان قرار رئيس الجمهورية معدوماً. وإذاً فان الدائرة الدستورية تقر بعدم اختصاص الرئيس بإنشاء نيابة، وأن قراره مجرد كاشف لقرار مجلس القضاء الأعلى. لكن المتابع العادي قبل أهل الاختصاص، يعلم بأن الرئيس أصدر القرار بصفته التنفيذية، ويعلم أيضاً أن أحداً لم يزعم بأن مجلس القضاء الأعلى قرر في أي وقت إنشاء نيابة أو محكمة جزائية متخصصة. ولا غرابة أن حكم أصحاب الفضيلة في الدائرة الدستورية لم يشر في مفرداته إلى رقم وتاريخ قرار مجلس القضاء المفترى عليه! كما أن الحكم لم يزعم بأن ملف القضية يحتوى على صورة من قرار مجلس القضاء، وهذه أمانة جديرة بالتنويه.
حكم الدائرة الدستورية يمضي قدماً في الالتفاف على عريضة الدفع بدلاً من دحضها، كما في رده على الوجه الثاني للدفع والقائل بالعوار الدستوري للقرار الجمهوري لأنه عطَّل أحكاماً قانونية نافذة منها نص المادة 231 ونص المادة 24 اجراءات جزائية. قطع الحكم بأن نص المادة 234 لا يتعلق بالنيابة ولا يقرر اختصاصاً محلياً لها، وإنما هو يقرر الاختصاص المحلي للمحكمة، وهو ما اعتبرته الدائرة مبرراً لعدم التقرير بما إذا كان هذا النص قد عُطَّل بالقرار أم لا. علماً بأن الدفع يؤكد على أن القرار الجمهوري عطَّل ما يقرره هذا النص من معايير قانونية لانعقاد هذا الاختصاص، وذلك ما توجب على الدائرة الدستورية الرد عليه. بالطبع ليس ذلك في طاقتها، فقررت اتباع طريق التفافي.
الدفع قال بأن القرار الجمهوري عطًّل نص المادة 231 اجراءات جزائية، والذي يقرر بأن للمحكمة الابتدائية الاختصاص بالفصل في جميع الجرائم الواقعة في نطاق اختصاصها المحلي، فيما أن القرار الجمهوري يخرج من هذا الاختصاص الوقائع الجرمية التي حددها ليجعل منها نطاقاً قانونياً للاختصاص النوعي للمحكمة الجزائية المتخصصة.
هذا وجه عوار لا يقبل الالتفاف عليه، فماذا فعلت الدائرة الدستورية؟
استعانت بالتعاويذ، فهي إذ أشارت إلى أنها ستلتزم بما جاء في حدود الدفع، فإنها ما لبثت أن طوحت بالتزامها هذا بعيداً، وتجاهلت تماماً الرد على هذا الوجه من أوجه الدفع بالعوار الدستوري للقرار الجمهوري.
العدالة تركل كما هي العادة، وسيمثل الزميل الخيواني مجدداً أمام محكمة سيئة الصيت، وسيتوارى القانون، بما هو الخاسر الأوحد من حكم الدائرة الدستورية، بعيداً مخلياً ساحات العدالة لأسياد الأمر الواقع.
ألاعيب صغيرة - المحرر السياسي
2008-02-28