استغربت هيئة الدفاع عن السجناء المعسرين عدم تفعيل ما اتفقت عليه مع رئيس المحكمة العليا والنائب العام في منتصف مايو الفائت بخصوص سجناء الحقوق الخاصة.
وقال المحامي محمد المداني الناطق الرسمي باسم الهيئة، إن الإتفاق نص على إحالة المحتجزين على ذمة حقوق خاصة إلى قاضي التنفيذ في المحاكم طبقاً للقانون «وليس إلى قاضي المعسرين» بالمخالفة له.
وأضاف، وقد تلقت الهيئة المتحدث قائمة توكيل جديدة لأكثر من 100 سجين حقوق غيرية، وممن تجاوزوا فترات العقوبة التي نصت عليها المحاكم: «لقد سعت هيئة الدفاع عن المعسرين إلى تفعيل النصوص القانونية بهذا الشأن، وليس هناك حاجة إلى أي اجتهاد فيما ورد في النص». مستنكراً فكرة إرسال قضاة إلى السجون للنظر في دعاوى الإِعسار: «هذا التفاف على النصوص القانونية وتعطيل لها».
وتتمسك هيئة الدفاع بنصوص قانونية صريحة توجب الإفراج عن المحكوم عليه في اليوم التالي لليوم الذي تنتهي فيه مدة حبسه. وأشار المحامي محمد المداني أشار إلى نص المادتين 494 و495 من قانون الاجراءات الجزائية اللتين تؤكدان ذلك، وأيضاً إلى نص المادة 197 عقوبات، الذي يقرر عقوبة الحبس مدة لا تزيد عن 3 سنوات فضلاً عن العزل من الوظيفة تجاه الموظف الممتنع عن الإفراج عن سجين بعد انقضاء مدة حبسه.
وتابع المداني: «نحن أولينا الاتفاق أهمية وأخذناه مأخذ الجد، ولكن كثيراً من موكلينا المشمولين بقائمة التوكيل لا يزالون محتجزين بالمخالفة للقانون ولما اتفقنا عليه». وإذ أشاد بالجهود المبذولة من القاضي عصام السماوي رئيس مجلس القضاء الأعلى والدكتور عبدالله العلفي النائب العام للإفراج عن عدد من موكليهم «إلا أن مقتضيات الوكالة تحتم علينا أن نتخذ الإجراء القانوني المناسب اذا لم نجد استجابة لما تم الاتفاق عليه».
وكانت هيئة الدفاع عن السجناء المعسرين، اتفقت مع رئيس المحكمة العليا والنائب العام في 13 مايو الماضي على وضع حد لهذه القضية، وذلك على أن يتولى النائب العام دراسة وفرز حالات الاحتجاز «والتوجيه إلى، النيابات المختصة بالافراج والاحالة إلى قاضي التنفيذ المختص وفقاً للقانون» وفقاً لبيان الهيئة الصادر بتاريخه. وأذيع في مساء اليوم التالي للإتفاق قرار لمجلس القضاء مفاده تكليف هيئة التفتيش القضائي في وزارة العدل «بتعميم توجيه إلى قضاة التنفيذ المدني المرتبط بالجانب الجنائي بصفة مستعجلة (...) وذلك بناءً على مذكرة من النائب العام بشأن السجناء المحكوم عليهم في حقوق خاصة وانتهت فترة عقوباتهم». وإذ أشار الناطق الرسمي باسم هيئة الدفاع عن السجناء المعسرين إلى الإتفاق والتعميم المذكورين قال: «للأسف نص الإتفاق لم يفعل بدليل حصول تجاوزت. كان يفترض على أجهزة القضاء المختصة العليا أن تراقب تفعيل التعميم على أرض الواقع».
ومن تاريخ الإتفاق وعلى مدى ما يقرب من 10 أشهر، باشرت النيابة العامة فرز حالات سجناء الحقوق الخاصة، ولكن ليس لإطلاق حرياتهم وتحويل ملفاتهم إلى قضاة التنفيذ المدني بمقتضى القانون، وإنما ليتقدموا بدعاوى إعسار إلى قاضي المعسرين المكلف في كل سجن للبت في صحة هذه الدعاوي من عدمها. وهو ما زاد من تبطيئ عملية الإفراج.
ورغم أن قرار الإفراج ظل مرهوناً بيد النيابة العامة شريطة أن يحوز المحبوس على حكم إعسار من القاضي المكلف، إلا أن أغلب حالات الإفراج لم تتم، وقد حصلت على حكم إعسار، إلا بموجب ضمانات حضورية وبعضها تجارية.
يوم أمس تلقت الصحيفة رسالة من 105 سجناء (حق خاص) في مركزي صنعاء، وممن تجاوزوا مدة عقوباتهم بسنوات، أكدوا فيها نقل القاضي محمد حمود المعمري المناوب في السجن للبت في قضايا الاعسار وشكت الرسالة: «وحتى الآن لم يأتونا بالبديل».
وأفاد «النداء» الدكتور عبدالله العلفي النائب العام بأن القاضي البديل قد أرسل، موكداً اهتمامه المتواصل بهذه القضية، وإشرافه المباشر على اجراءات سير الإفراج، وقال إن القاضي الجديد سيكون أكثر نشاطاً وسرعة في البت في قضايا الإعسار من سلفه.
وعلمت «النداء» من مصدر مسؤول في السجن المركزي بصنعاء أن النائب العام وجه هذا الأسبوع بالإفراج عن اثنين من المعسرين، وأن الدكتور عيسي عبدالعزيز خواجه (أردني) صاحب مدارس الحسين قد أُطلق سراحه قبل يومين (خواجه محبوس منذ 3 سنوات على ذمة 90 ألف دولار، وبدون أن ينص الحكم القضائي بحبسه. وحسب المصدر فإنه لم يغادر السجن لولا الضمان التجاري).
***
«ضوء البيت» يبعث رسالتين للنائب العام والرئيس
صالح، ويكتب وصيته للسفير السوداني: اقبروني في كردفان
كتب السجين السوداني عبدالقيوم محمد خير ضوء البيت وصية مساء أول من أمس وأرسلها عبر «النداء» إلى قنصل سفارة السودان في اليمن.
أوصى أن لا يقبروه إلا في السودان حيث مسقط رأسه، تحديداً «مدينة أم رملية شمال كردفان». وجاء في وصيته أنه في حال ما إذا وافته المنية في سجن اليمن المركزي فإن الأسرة «ستتكفل بالدفع والمساهمة معكم بتسفير جنازتي».
وطلب ضوء البيت من القنصل السوداني، بعد أن كتب له رقم التيلفون، الاتصال بوالده إلى السودان. وقال عبدالقيوم البالغ من العمر 35 سنة، والمضرب عن الطعام منذ 26 نوفمبر الفائت، إن له إبناً يقيم في عدن مع أمه واسمه محمد خير «يرجى تسفيره إلى السودان هو وأمه اذا وافقت فوراً». أما ريهام، يخاطب القنصل: «فقد ماتت وأنا هنا في السجن»، وحدد بدقة عنوان أسرته.
وطلب عبدالقيوم من أبيه أن يتكفل بتربية ولده محمد «ويمنع ممارسة أي قسوة عليه». متمنياً : «نشر قضيتي بعد موتي للرأي العام السوداني ليطلع على ما جرى لي في اليمن حتى لا يتورط أحد للاستثمار أو التجارة في هذه البلاد اليمن»، وسبب ذلك قائلاً: «لا يوجد بها قانون غير الحبس وتلفيق التهم ضد الغريب».
وعبدالقيوم رجل أعمال سوداني أتى للاستثمار في اليمن فوقع في حبائل «اللف والدوران» كمايفيد. ويمضي الرجل في السجن المركزي بصنعاء منذ 7 سنوات في قضية خلاف مع شريك له وحكم فيها بالسجن سنة ونصف من محكمة جنوب شرق الامانة -اضافة إلى ذلك يدفع 100 الف دولار لشريكه.ومذ دخل السجن حتى الآن يكون قد أمضى 5 أضعاف المدة.
وصية عبدالقيوم رافقتها رسالة له بليغة من صفحة ونصف إلى رئيس الجمهورية اليمنية علي عبدالله صالح جاء فيها: «سيادة الرئيس أنا مستثمر سوداني محبوس منذ عام 2000 على ذمة قضية باطلة وملفقة ضدي». وأضاف: «لقد صودرت جميع حقوقي القانونية وتم حرماني من الدفاع عن نفسي». ويزيد يشكو: «بل صودرت أوراقي ومستنداتي وإثباتاتي من ملف قضيتي وممن التمست منهم تحقيق العدل لي وإنصافي».
وترفض نيابة جنوب شرق الأمانة إطلاق سراح عبدالقيوم رغم الأومر القضائية العليا التي وجهت بذلك: «لدي أوامر من الجهات القضائية العليا وبمختلف درجاتها بالإفراج عني بالضمان الحضوري»، ولكن للأسف يقول : «هذه الأوامر قوبلت بالرفض من وكيل نيابة جنوب شرق الأمانة أحمد أبو منصر في سابقة قضائية خطيرة تدل على مدى تعصبه مع غرمائي وإصراره غير المبرر على عدم الإفراج عني رغبة منه في استمرار بقائي في السجن».
وخاطب رئيس الجمهورية وترجاه، وقد خابت كل رسائله التي وجهها عبر الصحافة وبصورة مباشرة إلى القضاء: «تشكيل لجنة قضائية ونيابية نزيهة لكشف الظلم والجور الذي طالني في القضية وإجراءاتها الباطلة». وكرر مناشدته بكل معاني الإنسانية والرحمة للرئيس: «لم يتبق لي إلا التوجه إلى فخامتكم. أرجوك وألتمس منك أن تعمل حلاً لمأساتي ومعاناتي الشديدة في السجن المركزي بصنعاء».
وهذه هي المرة الثالثة التي تعرض فيها «النداء» حالة هذا السجين البعيد عن أهله والمقطوع عن الزيارة. إذ سبق وأن نشرت قبل شهرين خبر إضرابه المفتوح عن الطعام، وما تشهده حالته الصحية والنفسية من تدهور بائن (راجع العدد 133 من «النداء»).
وتأمل الصحيفة من النائب العام التدخل المباشر لمعرفة ملابسات هذه القضية, لاسيما فيما يتعلق برفض وكيل نيابة جنوب شرق لأوامر الإفراج عنه, مع أمل أن يضع حداً لمأساة هذا الرجل المنكوب.
***
.. وبسام الحميدي:أفرجتم عن كثير من أصحاب الأروش إلاَّ أنا
تسلمت الصحيفة الرسالة الثانية من السجين المعسر بسام الحميدي، 25 عاماً. وفيها يقول: «لقد صدر لي حكم الإعسار بتاريخ 24 يونيو 2007، غير أنني ما زلت سجيناً على ذمة الحق الخاص».
ويقضي بسام في السجن المركزي بصنعاء عامه السابع على ذمة أرش قيمته مليون وربع المليون ريال. وهذه المدة ليست منصوصة في منطوق حكم محكمة جنوب شرق الامانة مطلع 2001. إذ لم يقرر القاضي حبسه سوى 3 سنوات (حق عام).
وبسام الحميدي أحد موكلي هيئة الدفاع عن السجناء المعسرين، وواحد من المنكوبين الذين عصفت بهم الأقدار إلى براثن السجن. أمه جاءت إلى مكتب الصحيفة لأكثر من مرة وهي تحمل رسائل من ولدها المحبوس و أخباراً غير سارة عن وضعه الصحي والأسري. قالت الأم إن ولدها يصرخ برجاءاته في وجهها كل يوم أن تنقذه من كُربة السجن «لكن ما سوي له، ما بش معه إلاَّ الله وأنتم».
إلى ذلك فهذا الشاب القادر على السداد بكد عرقه، بُلغ مؤخراً أن زوجته غادرت البيت صوب أهلها بعد أن أصابها اليأس والإحباط. وقالت الأم وهي تكفكف دموعها أن بسام «تلقى الخبر كالصاعقة». لقد تضاعفت حالته النفسية «قدو يهلوس في الإنتحار».
منذ منتصف 2006، وبسام ينتظر حكم الإعسار، ضمن طابور محتجزي الحقوق الخاصة، وحين حاز عليه بعد عام لم يغير هذا الحكم في حاله شيئاً. لا يزال باقياًٍ في عُهدة السجن إلى أجل مفتوح. لقد مر على تاريخ حكم الإعسار الصادر من القاضي محمد المعمري 6 أشهر. لكأنه بمثابة صورة تذكارية تستحق الحفظ أو شهادة تقدير. ماذا تريد السلطة القضائية من هؤلاء المعذبين على ذمم مديونيات عجزوا عن الوفاء بها وثبت لها ذلك لأكثر من مرة؟ حتى الآن لا يبدو أن الأمور قد جلت أمام رجال العدالة بخصوص سجين الحق الخاص الذي تمتهن كرامته وحريته لاتزال. ورغم مرور أكثر من سنة ونصف على قضية السجناء المعسرين إلا أن المعنيين في السلك القضائي لا يبدون جدِّية حيال هذه القضية. إذ لا تلوح في الأفق أية تصحيحات قضائية في هذا الموضوع.
تؤكد رسالة بسام أنه، ومنذ صدور حكم الاعسار لصالحه، لم يكف يناشد ويستغيث كل الجهات الحكومية ذات الصلة «لكن للأسف لا يأبه لي أحد»، يشكو. وكان تلقى وعداً بضم إسمه في كشف رئيس الجمهورية العام الماضي ضمن أصحاب الأروش ولكن، يقول بسام : «تم الإفراج عن كثير من المحبوسين من أصحاب الديات والأروش إلا أنا».
يوم أمس جاءت أم بسام إلى مكتب «النداء» وهي في حالة منهكة تتفاقم من يوم لآخر. ناشدت القاضي عصام السماوي رئيس مجلس القضاء، وكذا النائب العام إنقاذ ولدها من السجن: «ولدي له سبع سنين ياقاضي، والله لو يجلس عمره ما يقدر يسدد ريال.. هو مسكين حالته حاله. لو خرجتوه بعد الثلاث السنين إن قد بارح ما عليه لكن ما شاء الله كان».
وحصلت «النداء» على كشف من مكتب النائب العام لبعض سجناء الحقوق الخاصة، وتبين للصحيفة أن النيابة العامة تعلم تماماً بأن بسام أحمد عبده الحميدي حصل على حكم إعسار، كما هو موضح قرين اسمه في الكشف النيابي.
دعت إلى تفعيل مواد القانون وإلى عدم الإجتهاد على حساب النصوص.. هيئة الدفاع عن السجناء المعسرين: اتفقنا على إحالة هؤلاء المحتجزين إلى قاضي التنفيذ وليس إلى قاضي الإعسار
2008-02-28