عدن بحاجة للعدنيين.. إدارة الرزميت حيث القضايا البعيدة عن المنصة والهاشمي ومكتب المحافظة - نبيل الصوفي
في "مساحة صغيرة" في "الرزميت" بكريتر، قضيت وقتا ممتعا مع شباب "عدني"، يقضون
مقايلهم بين جدران غرفة مفتوحة للشارع في منزل أبقاه صاحبه لهم. قال أحدهم مدعبا، إنهم اشترطوا على صاحب المنزل أن يحفظ لهم مقيلهم ولو تمكن من بناء تجمع أو عمارة في ذات المكان العتيق.
مكان مفتوح، لرواده، يحتفظون بتنوعهم واهتماماتهم، ويلتقي منهم العاطل عن العمل، مع المحامي، والمحاسب، والمهندس. بينهم الشاب الممتلئ "فراهة"، وآخر صار مسكناً للأشباح من الأحلام التي انقرضت من الواقع فسكنت كيانه هو..
يختلفون حول كل شيء إلا "اللقاء في مقيل الرزميت"، بالقرب من مباني المدينة المتهالكة تحت ضغط قوى الريف وحكومة فاشلة على المستوى المحلي.
كريتر حيث لاسلاح يزاحم حضورك، ولا صراع يبحث في الألقاب والمناطق، مكان لانقائل فيه. وحيث المرافق الرياضية التي تحتفظ بتاريخ إنشائها منذ قرابة مائة عام.
وهناك أقدم مبنيين في الجزيرة العربية التي صار بيننا وبين دولها "سنوات ضوئية من فوارق الحضارة المادية"، هما البريد والخزانة، ولمؤسسة المياه حكاية أخرى.
تقف بعيدا عن الجدل الذي يدور بين منصة العروض في خور مكسر وساحة الهاشمي في الطرف الشمالي للمدينة، بين المنع والنضال.ليست بعيدة من حيث موقفها، فعشية الاحتفالات بذكرى نوفمبر، كانت عدن قلقة من مشهد لطالما حفر في قلبها الأحزان، قالت بعض نساء المدينة إن شغلهن انصب على "تخزين المياه". قلن –ومعهن كل الحق- إن إغلاق المدينة بالعسكر المدجج بالسلاح يعني أن ثمة حرباً قادمة.ويتناقل أبناؤها الأحدأث بطريقتهم الخاصة. قال عامل سابق في البريد قبل أن يصبح سائق تاكس مرهقة في شيراتون جولد مور، إنه كان يعمل في البريد في الخمسينيات قبل أن ينتقل للعمل في الإمارات فمبنى بريد كان "عشة قبل أن يتحول إلى بلد".
ومع أنه يشكو كثيرا من وضعه فإنه لايزال قادراً على التفاخر بأنه "رفض التنازل عن جنسيته اليمنية"، حيث عاد للعمل في بلاده!! لكنه يضيف عن حال مدينته إن "إخواننا الشماليين تكاثروا فيها زي الدود، فقلت المصالح"، ومع التزامها الثابت تجاه كونها مدينة لسكانها ومصالحهم، فإن شخصية "بدلت ماكينتها جنوبي" –مثلما قالت للكاتب تعريفا لكونها من الحجرية في تعز ولكنها تتحدث باسم عدن، قالت إن عدن تتمنى عودة "عدن للعدنيين" مع إصلاح جوهري هو "إدارة عدن للعدنيين، ليستفيد منها كل اليمن".وإذا كانت عدنية أجابت على سؤالها: "لماذا يزدحم المتصارعون على ساحات عدن وهي مدينة بلا نفط ولا محاربين؟"، بقولها:"إنهم يبحثون عن محيط مدينة لاتزدحم فيها الأسلحة ولا يغيب عن شوارعها السلام والانفتاح". فإن أبناء عدن، يقولون بوضوح إن مدينتهم تواصل كونها مجرد "ميدان للصراع". ولم يخف نقابي كبير فكرته أمام مسؤولين وهو يقول: "صنعاء توزع المصالح للضالع ولحج وأبين في عدن"، سائلا: "ماذا تنال عدن من كل ذلكـ".وقالت لي مسؤولة في مؤسسة المياه المحلية إن المؤسسة تنفق عشرات الملايين (ذكرتها بالرقم) لمحافظتين مجاورتين، فيما هي عاجزة عن الحصول على أرض جديدة لحوضها المائي الذي يتناقص عكسا لاحتياجات المدينة.
ورغم الجدل الإعلامي فإن أبناء كريتر، وحيهم يمكن أن يكون المؤشر الحقيقي لتوجه الدولة اليمنية، محجمون عن الجدل السياسي، فلهم جدلهم اليومي عن أصغر الاهتمامات، وهذا ليس جدلا تستفيد منه السياسية اليمنية التي تبدو عاجزة عن تحمل أعباء مدينة.وشبابها الذي ورغم تزاحم الخريجين منه على أرصفة البطالة أكثر انكسارا بافتقاده لفضاء منظم من الآليات الاجتماعية والثقافية للتعبير عن احتياجاته. بل ووقوعه تحت ضغط آليات الإقصاء الاجتماعي والثقافي والديني التي لم تتوقف منذ بدأت الثقافة الثورية تعصف بالمكان والزمان منتصف القرن الماضي.
ومع أنه يمكنك أن تستغرب من بقاء عدن رغم أيامها الساخنة، ورغم احتياجاتها المتصاعدة بدون نخبة تعبر عن مزاج واحتياجات المدينة وسكانها، وهي الاحتياجات التي تعد أهم أسباب المشاكل في اليمن، وأهم مفاتيح حلولها، فإن وضاح حريري –وهو عضو شاب في مركزية الاشتراكي-، يسأل: "هل المطلوب نخبة يعاد تركيبها على طريقة عقال الحارات"، مجيبا: "على الدولة أن تعيد للمجتمع الثقة في أنه هو من يفرز قادته وفقا لاحتياجاته، وأنها ستحترم هذه النخب مهما اتفق مع رأيها السياسي أو اختلف".خلاصة القول إن عدن ستنتظر نقاشا حول مصالح وقضايا تختلف عما يدور حولها الصراع حاليا، هي ليست ضد "مايحدث"، لكن حماس شبابها –نساء ورجالا- ينتظر سلطة أو معارضة "شابة التوجهات تنتمي لهم أو بالأقل تحترم حقيقة احتياجاتهم"، وتشتبك معهم لـ"تغيير ظروف الاختناق التي تردم فضاء المدينة".
ورغم أن عشرات المتقاعدين العسكريين ينتمون لها باعتبارها عاصمة جمهورية ماقبل حرب 1994م، فإنها إن تحركت هذه القضايا ستكون أكثر "انتعاشا". وستعود إلى واجهة الحياة عشرات من شخصياتها التي يطويها الضجر. وتتجاهلها سلطة محلية بالكاد تقدر على التعامل مع ما هو ظاهر أمام أنفها.
***
الأراضي واحتقانات الجنوب
فيما يشتكي مواطنون من تباطؤ المعالجات بشأن الأرض، وإيقاف إجراءات إدارية ضد نافذين احتجوا على التعامل معهم كمتهمين بدون حكم قضائي، قال رئيس مصلحة الأراضي (يحيي دويد): "إن اللجنة عالجت منذ بداية عملها التراكمات التي خلفتها الأحداث السياسية وسلمت الأراضي الخاصة بالمدنيين والعسكريين الذين لم يتمكنوا من استلامها في الفترة الماضية بسبب البسط أو الاعتداء والتي تزيد عن 10200قطعة في منطقة بئر فضل بعدن". وفيما يخص موضوع التعويضات للمرحلة الأولي من المساكن، قال دويد: إنه تم صرف 4400 عقد تعويض في فعالية حضرها جميع المستفيدين وتم الاختيار بالقرعة وبحضور وسائل الإعلام، وهناك قرارات معالجة 359 حالة تمت بحضور المستفيدين ووسائل الإعلام وتم تسليم 6000قطعة للجمعيات و40 ألف قطعة سلمت ويسير عليها العمل في موضوع تأهيلها بالخدمات وغيرها.
وأضاف أن هناك العديد من المعالجات الفردية لبعض الحالات التي كان لديها إشكاليات إضافة إلى أنه تم استكمال المعالجات بالمساكن الناتجة بالصراع السياسي خلال 74و94 تم معالجة 160 قائلا يمكن طرحها بالأرقام والأسماء لمن ينكر تلك المعالجات.
مؤكدا أن اللجنة ستعمل على إزالة كافة الاستحداثات والاعتداءات على كافة الأراضي وأن اللجنة المعنية بدراسة وتجميع البيانات والوثائق المزورة وتكييفها قانونيا لازالت في طور العمل. وفور الانتهاء من ذلك سيتم إحالتهم إلى القضاء وفقا للتنسيق المسبق مع وزارة العدل والنيابة العامة.
مقابل ذلك قال عضو مجلس النواب "علي عشالـ" إن من يديرون مجلس النواب لا يريدون أن نخرج لحل مثل هذه القضايا، موضحا أن لجنة شكلت قبل رمضان للنظر في إشكاليات الأراضي لكن حتى الآن لم نر لها وجوداً.من جهته اعتبر عضو مجلس النواب محسن باصرة أن مجلس النواب هو مجلس ديكوري لا أكثر لإعطاء الحزب الحاكم الشرعية.
باصرة هو رئيس لفرع الإصلاح في حضرموت، وردا على سؤال "نيوزيمن" لماذا لا يتم مناقشة قضايا الأرضي عبر مجلس النواب؟ قال أن المجلس لا يوجد فيه توازن سياسي حقيقي كون الأغلبية لحزب واحد.
وأشار القيادي الإصلاحي عن محافظة حضرموت إلى أن مجلس النواب لايستطيع أن يلزم السلطة التنفيذية بأي قرار والدليل الكثير أن تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة يثبت فساد كثير من مسؤولي الدولة ومجلس النواب لا يستطيع أن يفعل شيئاً في ذلك.
قائلا إن مجلس النواب مجلس الحاكم يثبت فقط للعالم العربي والدولي أنه دولة ديمقراطية فقط، لكن إذا نظرنا إلى الواقع نجد الفساد والظلم والدكتاتورية موجودة حتى داخل مجلس النواب، مشيرا إلى أن قضايا الأراضي جزء من قضايا موجودة،
متسائلا: "من يستطيع محاسبة ومساءلة المسؤولين وأبناء المسؤولين الأطفال عن أراضي تملكوها في حضرموت"، مستفسراً عن لجان شكلت من قبل مجلس النواب والشورى لدراسة قضايا الأراضي.
كذلك قال النائب الاشتراكي سلطان السامعي، الذي قال إن قضية الأراضي ضمن قضايا تدخل مجلس النواب ويتعمد إفشالها من قبل الأغلبية المؤتمرية، موضحا أنه سبق وطرح جزءاً من مشكلة الأراضي التي تم نهبها من قبل المؤسسة العسكرية ولم نر نورها حتى الآن.
وأضاف السامعي أن مجلس النواب بحكم الأغلبية الكاسحة؛ فإن أى قرار يتخذه المجلس أو يحاول اتخاذه فإن هناك اتصالات ليلية لإفشال أي قرار يتخذ، مؤكداً أن قضية الأراضي أصبحت قضية رأى عام في كل المحافظات ليس في الجنوب فقط، منتقدا "اللوبي الذي ينهب أراضي الناس"، موضحاً أن هناك مجموعة من المستفيدين من الأراضي مقربين من السلطة والحاكم، وبمعنى أدق من الرئيس، قائلا: "قضية بمثل هذا الحجم سيكون لها دور كبير جدا في الاحتقانات الموجودة في الجنوب والمحافظات الأخرى".
nbil
عدن بحاجة للعدنيين.. إدارة الرزميت حيث القضايا البعيدة عن المنصة والهاشمي ومكتب المحافظة
2007-12-05