صنعاء 19C امطار خفيفة

صعدة.. ميدان حربين إحداهما غياب البنية التحتية.. تعاظم الشر في مدينة السلام!!

2007-11-07
صعدة.. ميدان حربين إحداهما غياب البنية التحتية.. تعاظم الشر في مدينة السلام!!
* كان «البشمركة» يطلقون النار على كابلات الكهرباء لإسقاطها وسحبها، وبيعها لمحلات الخردة
* يتحدث أتباع الحوثي عن نصرهم في 4 معارك فائتة اطلقوا على كل منها إسماً من شعارهم. ويتوعدوون بمعركة خامسة يسمونها «معركة النصر للإسلام» آخر مقاطع الشعار
* لا توجد طرق معبدة في صعدة.. حتى أن أحد أسباب عجز الجيش في الوصوف إلى مواقع تمركز أتباع الحوثي في «النقعة» و«مطرة» هو عدم وجود طرق تؤدي إليها
تدخل الدوحة وتعهدها بتحمل الجزء الأكبر على الأقل من تبعات ثلاث سنوات حرب في صعدة، أغرى صنعاء وهي على مشارف حسم عسكري، أن تتوقف، وتحتمل "تمادي" الحوثي وشروطه.
وبعد فشل جهود قطر وجدت صنعاء نفسها وحيدة مع صندوق إعمار فارغ، وِأكثر من أزمة ومأزق. فيما يعتبر أتباع الحوثي الهدنة نصرا يستحق التباهي، ويطلقون على معركتهم القادمة "النصر للإسلام".
عبده أحمد نجار في عقده الخامس كان يقطن منزلاً صغيراً من الطوب على الطريق إلى سوق الطلح وسط المحافظة في مديرية سحار، أقسم أنه لن يسكت عن حقه إذا كذبت الحكومة أو ماطلت في تعويضه.
منزله الصغير تكوم تحت قذائف دبابة يعتقد أنها أطلقت باتجاه منزله دون مبرر، فهو لم يناصر الحوثي يوما، وإن كان سيفكر بذلك إذا بقي دون مأوى، وقال: "ننتظر وعود الدولة بالتعويض، ولا تفكر بأننا سنسكت عن حقنا".
دمر منزله في مارس الفائت حين حاولت مجموعة صغيرة من أتباع الحوثي مهاجمة قصر أحد رجال الأعمال وأكبر تجار السلاح في اليمن، فارس مناع، بسبب دعمه للحرب ضدهم ومشاركته فيها مع شقيقه حسن مناع الذي يشغل منصب أمين عام المجلس المحلي في المحافظة.
غير أن تدخل عدد كبير من أفراد "الجيش الشعبي" عقد الموقف لمحاولتهم الاستيلاء على محتويات منازل ومحال تجارية هناك، فقد اشتبك بعض المواطنين معهم في محاولة للدفاع عن ممتلكاتهم.
تبادل إطلاق النار في المنطقة عرضها لنيران دبابات ومدفعية الجيش المرابطة في مكان قريب، والنتيجة سقوط قتلى وجرحى مدنيين، وعدد هائل من المنازل فيما كان الحوثيون، كالعادة، غادروا المكان بالفعل.
يومها كان النجار عبده في مستشفى السلام في عاصمة المحافظة مع زوجته التي تعاني من مرض حاد في الكلى، وقال: "بقيت ثلاث أيام وزوجتي في العناية المركزة".
لم يكن مستشفى السلام المكتظ بالجرحى والقتلى جراء الحرب ليقبل إلا الحالات الحرجة فعلا. ولم يكن عبده المرابط فيه ليعلم بما حدث لولا وصول قتلى وجرحى وأنباء معركة حيث يقطن.
شعر عبده بقلق، وقرر الذهاب ليطمئن على منزله، وقبل أن يبتعد عن المستشفى كان أحد أصدقائه ينقل إليه الخبر، وقال: "أخبرته أني ذاهب إلى منزلي، فسألني: ليش ما تعرف إيش حصل؟".
ومن يومها يعيش عبده مع زوجته المريضة وابنه الصغير، في كوخ خشبي، كما قال، قريب من مدينة صعدة عاصمة المحافظة، أو مدينة السلام كما تسمى. وينتظر، غاضبا، وعود التعويض.
 
مخاوف المواطنين تتعاظم
كان علينا التقاط صورة لمنزل عبده وله بسرعة في رمضان الفائت، مخافة السلطات التي ضربت حصارا قويا على وسائل الإعلام، إلا أن الخوف الأكبر كان من أتباع الحوثي، فإجراءات السلطة مهما بلغت ستنتهي بالاعتقال ومصادرة معداتك.
خوفنا انتقل إلينا من مرافقينا من أهالي صعدة ونحن نحاول تصوير جموع من أتباع الحوثي يجوبون مدينة ضحيان بأسلحتهم، فهم منذ إعلان الهدنة يتباهون بالنصر أكثر من اللازم.
ويتحدث الناس عن أكثر من حادثة تخلص فيها الحوثيون من أشخاص اعتبروهم خصوما، وخونة، لوقوفهم في صف الدولة، رغم أنهم كانوا على وشك الانهيار في الأسابيع الأخيرة من الحرب.
أحد مشائخ القبائل في صعدة، غير راض عن الهدنة، اعتبر مشاركة رجال القبائل في الأسابيع الأخيرة لدعم قوات الجيش حاصرت أتباع الحوثي، وأضعفتهم، لكن "الدولة ضيعت ذلكـ".
وقال: "كانوا قد تمزقوا، وباتوا يطلبون الصفح ويسلمون أنفسهم وسلاحهم"، إلا أن توقف العمليات العسكرية حول الأمر، كما قال، إلى "ورطة"، فأتباع الحوثي يعتبرون الهدنة، وقرارات العفو، وفرص السلام نصراً لهم.
ويتحدث الناس بأن الهدنة ستنتهي إلى ما انتهت إليها ثلاث جولات من الحرب في صعدة، وهو تجدد المعارك بعد مدة أشبه باستراحة يعود منها الحوثيون أكثر قوة، وتصبح الحرب أكثر ضرراً.
جابر.. أول قصص حرب صعدة، شارك أتباع الحوثي في أول معركة جرت بينهم وبين القوات الحكومية في "مران". واعتقل بعدها، ولم يفرج عنه إلا عقب انتهاء الثالثة.
حين خرج كان ما يزال متضامنا مع الحوثي، لكنه لم يشارك في الحرب الأخيرة، لأن أتباع الحوثي تغيروا، وقال: "كانوا في البداية يدافعون عن أنفسهم، أما اليوم فهم يعتدون، ويؤذون الناس".
لم يقصد جابر في حديث مطول توضيح شيء سوى أسبابه لعدم المشاركة، لكن حكايته تفسر، وإن لم يقصد، كيف أصبح أتباع الحوثي بعد هدنتين وقرار عفو رئاسي أقوى من أي وقت سابق، فيما يخسر الجيش هيبته يوما بعد يوم.
الحرب الأخيرة كانت أكثر قسوة، وفرضت حصاراً صارماً على المحافظة، وطالت الأضرار كل فرد، وتوقفت الحياة بشكل كامل.
ولن ينسى أحد هناك تذكيرك بأن رجال القبائل أصبحوا متورطين لمساندتهم القوات الحكومية في المعركة الأخيرة للمرة الأولى منذ بدأت الحرب منتصف يونيو 2004.
مشاركة رجال القبائل سواء إلى جانب الجنود في المعارك، أو بحماية مناطقهم ومنع الحوثيين من استخدامها، وتسهيل مرور الجيش، أضافت أكثر أبعاد أزمة صعدة خطورة، وإذا لم تشمل جهود التسوية هذه الأضرار فإن حربا من الثارات بين القبائل لن تنتهي.
جزء من المشهد، أن أتباع الحوثي لن يجرؤوا على ترك أسلحتهم خوفا من انتقام رجال القبائل، خصوصا أنهم تعمدوا إلحاق الأذى بالجميع، وتورطوا في قتل واغتيال مواطنين بينهم مشايخ وشخصيات اجتماعية بارزة.
ورجال القبائل الذين ساندوا السلطات الحكومية، لن يأمنوا بعد اليوم أتباع الحوثي ما داموا في جماعة مسلحة ومتعصبة، ستكرر ما شهدته فترات السلم السابقة من اغتيالات واعتداءات، وإن كانت قيادات الحوثيين تنفي صلتهما بها.
ليس هذا كل المشهد، ولكن جزء منه، وبقدر ما يبدو معقدا، فإن تكلفة تسوية هذه المشكلة ستتجاوز كلفة الدمار بأضعاف. وهو أيضا ما حذرت منه أصوات كثيرة طيلة السنوات الثلاث الماضية.
وفيما يتابع المواطنون هناك كيف تحولت الهدنة إلى نصر بالنسبة لأتباع الحوثي، يشعرون بالخذلان، وبأن الدولة تخلت عنهم، خصوصا بعد فشل مبادرة الدوحة، التي علقوا عليها هم أيضا آمالاً كبيرة.
ومقابل الشعور بالخذلان، يتحدث أتباع الحوثي عن نصرهم في أربع معارك فائتة أطلقوا على كل منها اسما من شعارهم. ويتوعدون بمعركة خامسة يسمونها "معركة النصر للإسلام". آخر مقاطع شعارهم "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام".
وفي حال تحقق ذلك، وهو ما يرجحه كثيرون، خصوصا مع استمرار التوتر، واستدعاء عسكريين من إجازة عيد الفطر للعودة إلى مواقعهم، فإن الجميع سيكونون أعداء، سواء من شارك في المعارك إلى جانب الجيش أو تعاون معهم، أو من منع أتباع الحوثي من استخدام مناطقه.
 
مأزق فشل مساعي "الدوحة"
تدخل قطر بدا غريبا أول الأمر مثله مثل الحرب الدائرة في صعدة منذ يونيو 2004، والتي كلما طالت زادت غموضاً وتعقيداً، وتساقطت عنها كل الأسباب المعلنة وغير المعلنة.
حسب مقالة للكاتب الصحفي ومدير تحرير جريدة "النداء" جلال الشرعبي، فإن تدخل قطر جاء ضمن سباق بين الدوحة والرياض على مبادرة تتعلق بالأزمة الصومالية. ورأت قطر أن اليمن النافذة الأفضل لضمان نجاح مبادرتها.
التكتم الرسمي لأكثر من ثلاثة أشهر حتى إعلان وجود دور قطري رسمي شكل مجالا خصبا لكل التكهنات، وما لبث الأمر أن أحاطه الغموض مجددا بعد انسحاب اللجنة القطرية أكثر من مرة، وتسرب أنباء عن دور إيراني أيضا.
وسواء صحت التكهنات بشأن نوايا الدوحة أم لا، فإن صنعاء وجدت نفسها نهاية الأمر في مأزق حرج.
الحوثي تحول من متهم إلى خصم سياسي محنك بشكل لم يعهد عن أسلافه من قيادات الحركة، وتصرف ككيان مستقل يملك ما يخوله فرض شروط وليس كمتهم وجد مخرجا ثريا.
تطرف الحوثي، وموقف السلطات الرسمية المرتبك في التعامل مع من اعتبرته متمردا على اعتباره خصماً سياسياً، بالإضافة إلى الرفض غير المعلن للهدنة بين المواطنين وصفة الجيش وقيادات سياسية في السلطة، كل هذا أعاق مبادرة الدوحة وبالتالي تعهداتها.
كانت صنعاء تعول على تعهدات الدوحة في تمويل صندوق إعمار صعدة، وتغطية نسبة كبيرة من كلفة الحرب، وهي كلفة كبيرة وفادحة جدا، كما أن وجود قطر سيشجع الكثير من المانحين الذين فقدوا الثقة في صنعاء، على المساهمة.
ورغم محاولة سلطات صنعاء، وتحديدا الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، لدعم جهود الدوحة، وإعادة اللجنة القطرية لأكثر من مرة إلا أن الأمر فشل، وكان المستفيد الوحيد مما حدث هو عبدالملك الحوثي وأتباعه.
ولا يبدو أن هناك أملاً في عودة الدوحة، خصوصا أن الرياض أعلنت مبادرتها في الصومال، كما يعني ذلك أيضا أن احتمال تدخل السعودية، أكبر جيران اليمن، غير وارد.
ومع الأزمة الاقتصادية والسياسية في اليمن، وتقلص ثقة المانحين خلال السنوات الماضية، فإن صنعاء ستكون وحيدة أمام تركة ثقيلة جدا خلفتها ثلاث سنوات مضت في صعدة، وقد تكون فوق طاقتها إذا ما استمرت.
 
صندوق إعمار فارغ
في يوليو الفائت أنشأت صنعاء صندوق إعمار صعدة، لإيجاد مخرج وعدم سد الطريق أمام إنهاء أزمتها في الشمال والتي باتت آخر ما تريده في ظل توتر الوضع في المحافظات الجنوبية.
قرار إنشاء الصندوق يعتمد على مساهمات المانحين وهبات ومساعدات "شركاء التنمية والدول الشقيقة والصديقة"، على حد نص القرار. وقبل أن يجف حبر القرار كان الصندوق الذي أنشئ لدعم جهود قطر وتحفيزها، يخسر قطر.
وفي سبتمبر أقر اعتماد خمسين مليون ريال (قرابة 251 ألف دولار) نفقات تشغيلية للصندوق للفترة المتبقية من العام الجاري. أقرت الحكومة تمويله بمليار ريال (أكثر من 5 ملايين دولار) من ميزانية العام المقبل.
إلا أن كل ذلك، مع حجم ما خلفته الحرب، والأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، يجعل صنعاء حتى الآن أمام صندوق إعمار فارغ.
ويواجه الصندوق بوضعه الحالي، قائمة من المشاكل ليس أولها احتمالات أن تطاله يد الفساد المالي الذي يستبيح أموال الدولة.
وحسب المراقبين والمهتمين فإن التضخيم الإعلامي حول الصندوق ودوره، سيكون في مقدمة المشاكل التي تواجهه.
هذا التضخيم من وجهة نظر كثيرين لن يجعل انتظار المتضررين في صعدة سهلا، ولن يفكر أحد بأن الصندوق غير قادر على تلبية كل آماله دفعة واحدة من جهة، ومن جهة أخرى يعكس خللا في تقدير المسؤولين على الصندوق لأبعاد ما حدث ويحدث، وسوء دراية بحجم الأضرار التي ليست بنى تحتية فقط.
بنية تحتية؟!!
المشهد في صعدة مختلف عن أي مشهد قد تخلفه حرب. لو اقتصر الأمر على البنى التحتية فلن يتطلب الأمر صندوقا، لأنه لا يوجد في صعدة ما يمكن تسميته فعلا بنى تحتية.
كانت المحافظة وما تزال بحاجة إلى الكثير من المشاريع تحت مسمى البنى التحتية، وتنفيذ مشاريع في هذا الصدد لا يندرج ضمن أضرار الحرب.
ومبالغة وسائل إعلام السلطة في تناول أنباء تخصيص جزء كبير من ميزانية الصندوق لصالح البنى التحتية في صعدة، يثير الكثير من التساؤلات. إنه إنذار مبكر عن فشل في فهم ما يفترض القيام به.
لا توجد طرق معبدة في صعده باستثناء ما استحدث خلال العامين الماضيين من شوارع فرعية حول عاصمة المحافظة التي كانت بعيدة نسبيا عن المعارك.
وهناك طريق منها باتجاه الشرق حتى الحدود السعودية مع همدان بدأ العمل فيه قبل سبع سنوات ولم يكتمل بعد، والطريق الدائري البعيد، من حجة إلى رازح غربي المحافظة ومنها إلى جماعة ثم منبه. والذي لم يكتمل العمل فيه أيضا منذ قرابة 20 عاما.
وقد تكفل سلاح الصيانة التابع للجيش بترميم الأضرار القليلة التي لحقت بالطرق خصوصا في رازح، ولا يمكن لطرق ترابية وأحيانا غير موجودة أن تتعرض للأذى.
حتى أن أحد أسباب عجز الجيش في الوصول إلى مواقع تمركز أتباع الحوثي في النقعة ومطرة هو عدم وجود طرق تؤدي إليها.
وباستثناء عاصمة المحافظة فإنه لا توجد شبكات مياه، حيث يعتمد الناس على الآبار الموجودة في مزارعهم، أو الآبار والبرك خاصتهم.
ورغم أن المدارس والمنشآت الحكومية تحولت إلى ثكنات ومواقع تابعة للجيش بسبب عدم وجود بنية تحتية خاصة به، إلا أنها شكلت أكثر قطاعات البنى التحتية تعرضا للدمار.
وحسب مصادر رسمية، فإن عددا من المدارس دمرت بأيدي الحوثيين أو بسبب تمركزهم فيها، كما استولوا على التجهيزات البسيطة في عدد كبير من المرافق الصحية.
وتعمدوا في مناطق كثيرة تفجير مقار تابعة للحكومية وتدمير مجمعين حكوميين، الأول في قطابر، والثاني في مديرية رازح.
وأتلفت الشبكة الكهربائية المحدودة والممتدة من مدينة صعدة إلى مناطق مختلفة وسط المحافظة بغض النظر عما إذا كانت هذه الشبكة تنقل التيار الكهربائي أو حلم الكهرباء. كان يكفي أنها من "النحاس".
وقال شهود عيان إن أفراداً من "الجيش الشعبي" أو "البشمركة" كما يسمونهم، وهم رجال قبائل محسوبون على الجيش، قاموا عن عمد بتدمير الشبكة الكهربائية.
وحسب الشهود، كان "البشمركة" يطلقون النار على كابلات الكهرباء في كثير من الأماكن لإسقاطها وسحبها، وبيعها لمحلات شراء الخردة. وهي المحال الوحيدة التي استمر نشاطها أثناء الحرب.
لم تكن سلطات الجيش تسمح بمغادرة أي شيء للمحافظة دون أوراق ملكيته، وتمكنت من مصادرة الكثير من المسروقات قبل خروجها، حتى أن فناء أحد المؤسسات الحكومية أكتظ بعشرات السيارات المسروقة.
غير أن المتورطين في عمليات نهب انتشرت على نطاق واسع وطالت كل شيء حتى أبواب ونوافذ المنازل، اتجهوا إلى تجار الأثاث القديم، ومحلات بيع الخردة، وهي محال تشتري القطع المعدنية بالكيلوجرام، لكنها طورت نشاطها أيضا.
وقال عادل سويد (35 عاما) الذي كان يملك ورشة لصيانة المعدات الثقيلة والمتوسطة، ومعدات البناء، إن "البشمركة" دمروا الكثير من قطع الغيار والمعدات للحصول على الأجزاء المعدنية وباعوا معدات وماتورات كاملة لموازين شراء الخردة.
وحسب عادل، فإن قطع غيار ثمينة، ومعدات تتجاوز قيمة بعضها 200 ألف ريال بيعت بألف وألفين وخمسة آلاف ريال في تلك المحلات التي تشتري الكيلوجرام من الحديد غير النقي بعشرين ريالا، والألمنيوم 200 ريال (دولار واحد)، والنحاس 600 ريال.
تمكن عادل مع بعض الأهالي، وبمساعدة من قيادات عسكرية من استعادة بعض المسروقات، واضطر لشراء بعض منها، لكن أشياء كثيرة لم تعد لعادل، ولا لغير عادل. وأكثر ما يقلقه أن بعض تلك المعدات تعود لعملائه، أو لشركاء معه.
 
ماذا خلفت الحرب حقاً؟
مسافة 50 كلم تقطعها باتجاه الشمال انطلاقا من مدينة السلام أو مدينة صعدة، عاصمة المحافظة، يمكنها نقل مشهد مغاير لما تتوقعه عقب حرب.
ستصل إلى مشارف سحار الشام، ماراً ببني معاذ والطلح وآل الصيفي وضحيان ومجز.
ليست كل المناطق التي تضررت، لكنها الأسهل والأقرب من طريق أسفلتي وحيد شقته السعودية قبل قرابة 40 عاما.
معظم الدمار مرسوم في المنازل والعمارات السكنية، والمحال التجارية، وللأمر سببان رئيسيان، أهمهما أن أتباع الحوثي حرصوا بشكل واضح أن يطال الضرر كل مواطن هناك.
حين بدأت مؤشرات المعركة الرابعة عقب أزمة اليهود المتبقين في صعدة في يناير الفائت، اكتفت قوات الجيش بالانتشار دون محاصرة أتباع الحوثي في مراكز تجمعهم الأساسية.
وهو ما سمح لأتباع الحوثي بالانتشار على طول وعرض المحافظة قبل أن يعلن الرئيس منتصف مارس2007 نهاية مرحلة الحوار وبدء العمليات العسكرية.
وقد استغل أتباع الحوثي ذلك، بالإضافة إلى فشل قوات الجيش، التي تحارب في معظم المواقع، وسط وشرقي وشمالي المحافظة، في التعامل مع حرب عصابات.
كان أتباع الحوثي يستخدمون القرى والتجمعات السكانية لإطلاق النار منها على الجيش الذي يرد بدوره بقصف هذه المواقع وبشكل لا يخلو من عشوائية.
المواطنون عجزوا عن حماية مناطقهم من أتباع الحوثي، أو لم يرغبوا في التورط في الأمر، قبل أن يعقد مشايخ القبائل اجتماعا موسعا قرروا بعده دعم الجيش.
وقال مواطنون إن "الحوثيين" كانوا في كثير من الأحيان يمرون بمنطقة ويطلقون بعض الأعيرة النارية قبل أن ينسحبوا، تاركين للجيش بقية المهمة.
هذه الأخطاء لم تحدث في مديرية رازح التي تولى عملية تحريرها من سيطرة أتباع الحوثي لواء "العمالقة" والذي أشرك في المرحلة الأخيرة من الحرب.
فخلال أقل من شهرين تمكن "العمالقة" من استعادة المديرية، وتوجيه ضربة قاسية لأتباع الحوثي، مقابل سقوط جنديين فقط، ودون الإضرار بأي ممتلكات خاصة.
وقد اعتبر مراقبون إشراك العمالقة في الحرب والسماح لقياداته بالتحدث إلى أكثر من 30 صحفياً، تم تنظيم زيارتهم للمديرية، كان رسالة عدم رضى عن أخطاء حدثت في مواقع أخرى.
أما السبب الثاني لحجم الدمار في مناطق وسط المحافظة والمناطق الشرقية والشمالية، فكان إشراك "الجيش الشعبي"، حيث خلقت عمليات النهب التي تورطوا فيها رد فعل سلبي لدى المواطنين جعلهم أقل تعاونا مع الجيش مخافة "البشمركة".
كما كان إشراكهم سببا في إرباك حركة القوات النظامية. وحسب مصادر قبلية وشهود عيان، كان هدف أفراد "الجيش الشعبي" هو نهب المحال التي تقصف والمنازل الكبيرة.
حتى أن أعدادا كبيرة منهم قتلوا بنيران قوات الجيش في أكثر من موقع بسبب تعجلهم للوصل إلى المواقع التي يتم قصفها أولا. كما تورطوا في مواجهات دامية مع مواطنين.
أحد مشاهد التخبط التي تسببوا فيها ما حدث في منطقة "الطلح" حيث كان يسكن عبده النجار في منزل صغير من الطوب.
ورغم أن مسؤولين، وعسكريين نفوا وجود عمليات النهب أو تورط الجيش فيها، إلا أن هناك من تحدث، وعلى نطاق محدود، عن أكثر من سبب بينها إشراك مجندين جدد يفتقرون للخبرة والقدرة. وأنه تم معاقبة الجنود الذين ثبت تورطهم في أمور مماثلة.
ما يجمع عليه هؤلاء أن هناك مبالغة بعض الشيء في أحاديث الناس، وبأن الحروب في كل الأحوال لا تجلب النعيم والرخاء، ولا تعطر أحاديث الناس أيضاً.
 
ترقب معركة...
حين قررت صنعاء استخدام القوة لمواجهة حركة الحوثي، كانت تعلم بأنها لاذت بآخر الحلول، وأن أي خيارات أخرى بعد ذلك لن تكون في مصلحتها، قبل تحقيق حسم عسكري.
رغم هذا، فقد حاولت التوصل إلى حلول سلمية وتقليص الأزمة أكثر من مرة، وأصدرت قرار عفو، وأفرجت عن المعتقلين.
وفي كل مرة كان ذلك يرتد عليها بأسوأ مما بدأ، ويعيد المعارك على مساحة أوسع، وبأسلحة أكثر فتكاً وخطورة.
ومع تكرار عودة الحرب فقد الكثيرون الأمل، وارتكبت الكثير من الأخطاء، وبات الناس هنا أكثر ميلا لتوقع الأسوأ مع كل إعلان هدنة. وتزايد أتباع الحوثي من الناقمين والمحبطين، ليس في صعدة فقط، بل من أكثر من محافظة.
وتلقى أنباء المعركة الخامسة التي سميت سلفا، صداً واسعاً، فحالة من الترقب والتوتر تسود حتى خلال شهر رمضان الذي شهد أوسع مظاهر الانفراج بعودة الأسواق ورفع حضر التجول.
وتتردد أنباء عن حالة من التأهب في صفوف الجيش، وأتباع الحوثي على حد سواء. وتحدثت بعض المصادر عن استمرار عمليات استفزازية من قبل مسلحين تابعين للحوثي في أكثر من مكان. وقالت إن جهودا تبذل للحيلولة دون تطور الصدامات إلى معركة جديدة.
كما اتهم الحوثي من جهته سلطات الجيش والأمن بمواصلة مطاردة أتباعه ومضايقتهم، واعتقالهم في أكثر من مكان.
لقد انتهت المعركة الرابعة، ولا شيء آخر غير ذلك يمكن التأكد منه بشأن حرب "الحوثي" في صعدة.

إقرأ أيضاً