الرئيس في معاشيق عدن.. حركة يومية لمعالجات باليومية أيضاً
- نبيل الصوفي:
من مقره على تلة "معاشيق" المطلة على رحابة البحر ومخاوفه في آن، وبشكل يومي يبذل الرئيس جهودا دؤوبة لمواجهة ذات التحديات التي تهدد الاستقرار السياسي في البلاد على امتداد نصف قرن، وهي تحديات عنوانها هذه المرة "الجنوبية كمدخل للإصلاح أو للفوضى". وحتى اليوم الخميس فإن صالح التقى عشرات القيادات المحلية، وبخاصة من معارضيه، واستمع للكثير منهم، ووفقا لشهادات رموز تتحدث بجرأة وقسوة أحيانا فإن الرجل –كماهي عادته أيام القلق- يدير اللقاء دف واحد هو "تغيير تقدير محاوره لمايجب أن يحدث"، وفي سبيل ذلك يستمع صالح طويلا، ويتجاوز أي ملاحظات بشأن خطاب ضيفه ومطالبه.
أيا يكن خطاب صالح السياسي ضد المأزومين، والموتورين، والانفصاليين، فمن يتاح له متابعة الحركة في بوابة "المعاشيق" التي تسلمها صالح من شريكه السابق "الحزب الاشتراكي اليمني"، بعد حرب 94 القاسية، سيدرك حجم واتجاه حركة "الرئيس" ميدانيا.
ورغم الحشد الرسمي تجاه أدوات الحرب (القوات المسلحة) استباقا لأي تصعيد قد يعلن نشاطاً مسلحاً بعناوين مناطقية، فإن الرئيس طالب قواته المسلحة "عدم الانجرار لمخططات أعداء التنمية"، وأعلن قتلى ردفان كشهداء، معبرا عن أسفه عليهم، موجها بالتحقيق مع أطراف اللحظة التي سبقت ال14 من أكتوبر بيوم واحد "مدنيين وعسكريين". ويتابع اللجان التي تعمل يوميا على ملفات الأراضي، والمتقاعدين، والتقى الأحزاب السياسية، ووجه المؤتمر وحكومته بـ"الحوار على مادون الفيدرالية"، لإنجاز حكم محلي يتوج بانتخاب المحافظين قبل نهاية مارس القادم، كما وجه مجالس عدن ولحج والضالع بـ"تولى مراجعة أداء" كل مسئولي المكاتب الحكومية في المحافظات المشار لها. والإعلان عن مصفوفة تنموية خاصة بمحافظ أبين، تشبه ماحدث للضالع التي توجت باعتماد 8 مليار، وتكليف الهيئة العامة للاستثمار ملف المنطقة الحرة "عدن"، والتي قدم رئيسها خطة مختلفة عن سابقيه بشأن "عدن.. النهوض الشاملـ" بدلا عن "التركيز على ميناء الحاويات".
ومع أن هذا يظهر استشعارا رئاسيا لخطورة مايحدث. ويؤكد أن الرئيس –وفقا لمقربيه- سيطيل المكوث في عدن هذه المرة، وأنه منشغل عن "أجواء عدن السنوية" بالمحافظات المشتعلة جنوبا وشرقا، ومهتم بتغيير ملفت بشأن الاستثمار في عدن وبخاصة مايتعلق بمنطقتها الحرة، فإنه يظهر أن الرئيس صالح إما غير مقتنع أو غير واثق بمتطلبات جديدة لـ"إدارة الأزمات".
فبذات العين التي يمكن ملاحظة النشاط الرئاسي بها، يمكن بها تتبع أدلة أن الرئيس يدير نشاطه بذات الطريقة التي اعتاد طيلة ثلاثة عقود على تجاوز الأزمات بها، والمقصود" الحلول الفردية" و"الانفتاح السياسي" مقابل "الانغلاق الإداري والفني". والأخطر "منح الاستعدادات العسكرية والأمنية الأولوية في الإنفاق". وكل ذلك مصحوب بثبات القضايا محل الصراع، ومحاولة تثبيت الخصوم في مربع "فرقاء 94"، ففي الأولى لم يفتح الرئيس صالح ملفات كفاءة الخدمة العامة، ولايناقش احتياجات التربية والتعليم، والطفولة والمرأة وإدارة الأسواق وغيرها، وفي الثانية يحرص على أن يظهر تحالف الحقوق بين ناصر النوبة وعلي صالح عباد مقبل وانصاف مايو، كأنه في سياق ذات الأزمة التي سلمته اليمن الموحد دون شريك بعد حرب 94، بل وأحيانا يتولى بنفسه الحديث عن صراع الثمانينات بين الضالع وأبين، في مواجهة خصومه الذين يتحدثون عن نتائج صراع وحرب 94م.
ورغم تبلور محاور داخل "رواق السلطة" نفسها، بشأن أجندة الأحداث، فلم يظهر حتى الآن أي تموضع للرئيس فيها. فمقابل محور ينضم للمطالبين بمعالجات للقضايا التي تحظى يوميا بمناصرين جدد، يمكن ملاحظة آخر يعتبر كل مطالب المعتصمين والمناطق مجرد "خطاب سياسي للمعارضة".
كما يمكن الحديث أيضا عن محاور بشأن المعالجات، إذ مقابل تيار أو محور يتحدث عن معالجات مدنية خالصة يتحدث آخر عن معالجات عسكرية خالصة أيضا، وبينهما تمحورات مختلفة. والمقصود بالحلول العسكرية "اعتبار أي تجمعات معارضة نشاطاً معادياً للوحدة"، ومن ثم وجوب استهدافه عسكريا "حماية للوطن" وفقا لذات المنطق، وكلما اقترب موعد ال30 من نوفمبر ازداد هذا المنطق تحفزا لإثبات وطنيته، ولعل ذلك هو السبب الذي قاد سفارات أوربية لرفع مستوى التحذير لرعاياها، تخوفا من "انفجار الوضع في اليمن" مع إبقاء ذلك طي الكتمان "الشديد" تجنبا لـ"أزمات سياسية مع صنعاء".
حتى الآن لا يبدو واضحا لأي من هذة المحاور ينحاز الرئيس، سواء في التشخيص أو في المعالجات.
ومع إنه لا يفضل الحلول العسكرية –مثلا-، فإنه يوافق على مزيد من الإنفاق على أرباب الخيار العسكري، ومقابل ظهور اندفاعه للحكم المحلي فإنه حتى الآن لايثق سوى بأدواته المقربة منه في معالجة الملفات المختلفة. ومقابل إدراكه إن المشكلات تتعلق بمعطيات على الأرض حيث أن عدن التي شهدت أول شوارع حديثة وخدمات صحية وحكماً محلياً، وكانت فيها "حافة حسين" أرقى من كل مدن الخليج والجزيرة، أصبحت مثلها مثل محافظة المحويت أو ريمة.. فإنه يتحدث عن الحوار السياسي. ثم، ومع أنه يقول إنه مع الحوار فإنه يتابع يوميا –دون أي إجراء إن لم يكن بتوجيه منه- هجوما لايمكن فهمه ضد الأحزاب السياسية من قبل أركان سلطته وإعلامها. وحذف نهائي لرأي الأحزاب في الإعلام المملوك للدولة إلا ماكان منها مطابقا لـ"رأي المؤتمر الشعبي العام".
خلاصة القول إن "المعاشيق" وبعد أكثر من عقد من إلغاء شراكتها مع الرئيس علي سالم البيض، تعود لتتولى تقرير مصير اليمن.. وبيد علي عبدالله صالح هذه المرة اتخاذ القرار: إما إعادة الحياة لقلب اليمن "عدن" لتبث في كل اليمن روح الحياة، أو الركون لذات أداء سابقيه تجاه المشكلات صوب نهاية لايمكن لمن يقف على تلة، مشرفاً المكان، أن يغفل ماهيتها.
البدوي أوقف علاقاتها بالإم سي سي.. اليمن شريك فقط للسي آي إيه
انتهى الجدل بشأن وضع جمال البدوي، بعد أن حمى اليمن القديم من التوقيع على برنامج أولي للإصلاح كانت أعلنت هيئة تحدي الألفية الأميركية استعداها لتمويله. (كان من المقرر أن تستقبل صنعاء رئيس الهيئة الأميركية للتوقيع على الاتفاق الذي تتجاوز قيمته ال21 مليون دولار إلى كونه وثيقة عن التوجه اليمني للإصلاح، وقبل أن يصل المسئول الأميركي بيومين ظهر جمال البدوي إلى صدارة الإعلام، ولم تنف الحكومة صحة الخبر –الذي يبدو أن الأميركيين تعاملوا معه كمعلومة ميدانية- إلا وقد تأجل الاتفاق إلى أجل غير مسمى.
رغم أن البدوي ممن عجز الادعاء القانوني إثبات أنه يستحق عقوبة أكثر من 15 عاما بشان علاقته بثاني أخطر نشاط تنظيمي للقاعدة في اليمن خلال عقد التسعينات "تفجير كولـ"، فإنه وفقا للتطورات خلال الخمسة الأيام الأخيرة أصبح من البارزين الذين أدخلوا اليمن ملفات السي آي إيه، ولكنهم أخرجوها من الإم سي سي، وهي مختصر هيئة تحدي الألفية.
وأيا تكن الوقائع وماحدث حولها، فإنها تثير المخاوف من عودة تسيد الارتباك لأداء اليمن سواء بشأن مكافحة الإرهاب أو بشأن تبني برنامج الإصلاحات. ممايعيد التذكير بأرفع مسئول يقول إنه من أصدقاء اليمن في البيت الأبيض "فرانسيس تنساوند" التي زارت اليمن خلال ساعات الخبر الأولى التي أعادت البدوي للواجهة بعد عيد الفطر.
المسئولة التي زارت اليمن ثلاث مرات، وهي من تتولى ملف الشيخ عبدالمجيد الزنداني، وجاءت زيارتها بعد أيام قليلة من أقوى خطاب يمني في الأمم المتحدة ضد قائمة المطلوبين بتهمة دعم القاعدة وبن لادن بعد المنع الدولي في 1999م، سبق أن قالت إن اليمن "تسير بالاتجاه الخطأ" بعد سلسة ارتباكات مماثلة بشأن مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان وحرية التعبير. مؤكدة إنها وإن كانت صديقة لليمن في البيت الأبيض منذ أول لقاء جمعها والرئيس علي عبدالله صالح في مكتبه بمحافظة الحديدة، فإن الأصدقاء مهما كانوا بارعين لايمكنهم الدفاع عن صديق فاشل.
ن. ص
الرئيس في معاشيق عدن.. حركة يومية لمعالجات باليومية أيضاً
2007-11-01