وحدها قرود «رماضة» تنعم بالحرية؛ فالدجاج ملك للشيخ والبقر والزرع والأرض ملك للشيخ، حتى الزواح لا يتم إلا بموافقة الشيخ.
إذا قررت في «رماضة» البحث عن الذين لم تطل أقدامهم عتبات سجن الشيخ ستكتشف أنك تبحث عن المستحيل.
أبناء رماضة سمعوا عن ثورة أبناء رعاش في الجعاشن وقرروا أن يكونوا أحراراً مثلهم فرفضوا الاحتكام لشيخ رماضه «مكين الحذيفي».
«النداء» زارت منطقة رماضة - إحدى قرى مديرية العدين، محافظة إب، فجر الأحد الماضي وكان لا بد أن نخترق سائلة وادي «عنة» الطويل وجبال شاهقة، كان علينا أن نجتاز نقيل مسجدين الخطر الواقع في أعلى جبال العدين بمحاذات مديرية شرعب والجراحي.. وكان المفروض أن يرافقنا طقم عسكري من إدارة الأمن.
عقب وصولنا رماضة وجدنا مئات المسلحين منتشرين في الجبال والهضاب محاصرين المنطقة المتمردة على سلطة الحذيفي.. وهذه المرة، حسب الاهالي، فإنه عزز قوته باستخدام المهمشين (الأخدام) يقول الاهالي: كان مكين يحاول طرد الاخدام من المنطقة إلا أنه فكر باستخدامهم كعبيد وجنود له، فعمل على تسليحهم وجعلهم أشبه بالجيوش المنتشرة على الحدود السياسية. هذه المرة خرج المواطنون على مكين فوجد أن قواته لا تكفي، فاتصل بأحد المشايخ في شرعب يدعى «رزاز» الذي مده بمائتي جندي مسلح لتشديد الحصار المفروض على رماضة.
هناك التقينا لمواطنين وتحدثوا لـ«النداء»:
عاصمة عبدالحافظ، 12عاماً، روت لـ«النداء» حادثة الاعتداء على منزلهم: «كنت جالسة أني وأمي وأخوتي بالبيت وجاءوا العسكر حق الشيخ مكين في الليل يدقدقوا (يطرقوا) الباب يشتوا يدخلو يشلوا الغنم وعندما رفضنا فتح الباب قاموا بإطلاق الرصاص على الطواق (النوافذ) وخربوا الجدار حق البيت وراحوا».
عصابة الشيخ انتشرت في جبال رماضة ومداخلها مترقبة المواطنين حال خروجهم من منازلهم لاختطافهم وتأديبهم جراء خروجهم على سلطة الشيخ وتطاولهم على قوانينه.. في هذه الاثناء وصل طقم يتبع إدارة أمن العدين توجه مباشرة نحونا وحاول أفراده أخذ الكاميرات ومنعنا من التصوير و إجراء لقاءات مع المواطنين. وبعد الاتصال بمدير أمن المحافظة «عوض يعيش» الذي اتصل لقائد الطقم وعلى الفور وتغير لون وجهه وأعاد لنا الكاميرا وانصرف.. وبعد ربع ساعة من وصول الطقم قام باعتقال اربعة مواطنين بالاضافة إلى اثنين آخرين كان قد اعتقلهم في العدين بسبب قيامهم بالتبليغ عن الحصار الذي فرضه الشيخ مكين على رماضة.
محمد هزاع، 27 عاماً: «قلنا إن الشيخ بايتغير بعدما طلعناه رئيس لجنة الخدمات، لكنه زاد قساوة وظلم وأصبح يتصرف بالمنطقة كأنها ملك خاص له» مضيفاً أن رجال الشيخ حين هجموا على قريته أبلغوا الاهالي أن كل شيء حق الشيخ ولا أحد له علاقة بشيئ: الدجاج حق الشيخ، البقر حق الشيخ، الزرع حق الشيخ... الخ. ويضيف هزاع: «أحنا أصلاً تعودنا على الظلم من يوم وجدنا في هذه الدنيا وما فيش أمامنا غير الظلم.. تصور أن الشيخ أصدر توجيهات لنا أنه ما يحق لأي واحد أن يعارض تعليماته. وأي واحد يعارض يدخله السجن وفوق هذا كله يقوم بالاعتداء علينا دون أي ذنب. فقط عملية إذلال للناس من خلال إلصاق تهم كاذبة بهم ليحصل على المال مقابل إطلاقهم رغم أن الناس تخاف منه وتطيعه طاعة عمياء، بطش الشيخ لم يصل إلى هذا وحسب، بل تصل الى ان يقوم بإجبار مواطنين خاصة الشباب ليكونوا مرافقين وعسكر يتبعوه بالقوة فيقوم بتسليحهم وجعلهم تحت أمره».
عبدالله قاسم،40،عاماً : «الشيخ رئيس لجنة الخدمات في المنطقة وكل خدماته ملحوظة ومحسوسة: الظلم والاحتيال على الناس، الاستيلاء على مخصصات الضمان وجمعية الصالح «ومع ذلك ما شبعش». ولا أحد يقدر الوقوف في وجه الشيخ، اذا حاول أحد تقديم شكوى فيه يقوم بحسبه وحين يعلم أن هناك تذمر من المواطنين يقوم بجمعهم حوله ويقول لهم: أنا هنا الدولة، كل شيء حقي».
يقول محمد قاسم، 30 عاماً، كان أبي يعمل مع الشيخ من زمان وحين قرر والدي الخروج من عند الشيخ قام بحبسه وجاء يشتي يخرب بيتنا وبعد أن خرجت إليه وترجيته وقبلته في رأسه بأن يأمر رجاله بوقف الخراب ويطلق سراح والدي، رفض وأصر على تأديب والدي.
«يكفينا ظلم» يقول صادق عماد،30 عاماً: «هذا الشيخ طاغية، فاجر اتصور وصلت به الحقارة أنه يتدخل بحياتنا الشخصية والأسرية.. إذا أراد واحد يتزوج لابد أن يستئذن من الشيخ ويدفع له جزءاً من المهر. وإذا تزوجت فتاة لا يتم زفها الى عريسها إلا بعد أن يدفع له مبلغاً من المال. وأي واحد يخالف السجن مفتوح والقيود بانتظاره».
أثناء تجولنا في رماضة شاهدنا القرود منتشرة في الوديان والجبال، تعيش بحرية.. وحدها فقط قرود رماضة لا تصل اليها سلطة الشيخ «ليتنا أحرار مثل هذه القرود»، يقول أحد الاهالي الذين ذاقوا مرارة ظلم مكين الحذيفي.
قاسم عبدالله40 عاماً، يقول : «الشيخ أدخلني الحبس حقه وقيدني بالقيد بأرجلي وحاولت الهرب من السجن وأنا مقيد وبعد أن نجحت وهربت وصلت إلى بيتي وأنا مقيد وإلى اليوم وأنا محبوس داخل بيتي ما أقدرش أخرج خايف يمسكني حقه العسكر ويرجعوني الحبس حقه».
اما محمد مرشد قائد، 55 عاماً، فيقول: «عشرين مرة وأنا أدخل الحبس حق الشيخ كان آخر مرة السنة الماضية وذلك لأنني رفضت أديله أرضي وما رضيت أعمل له تنازل وأخذني رجاله الى السجن وحاولوا يضغطو عليّ عنده بالتنازل عن الارض بالقوة وما خرجت إلا بعد ما دفعت أدب»، ويضيف: «يوم الجمعة الماضية رجعت من العدين بعد أن بكرت في الصباح وبعت جوافة في سوق «عنَّة». وقبل الظهر رجعت وقد أشتريت «سبغ الغداء» دجاجة وخضروات، وقبل وصولي للبيت تقطع لي رجال مكين وأخذوا مني الصرفة حق الجهال: ياخبرة حرام عليكم رجعوا سبغ الجهال ما يصلحش. لكن دون فائدة». بعد نجاح الشيخ مكين الحذيفي في الانتخابات المحلية الماضية وتعيينه رئيس لجنة الخدمات طلب منه الأهالي أن يقدم لهم خدمة نظير ترشيحه في الانتخابات، فطلبوا منه أن يشق لهم طريقاً من قرية السحة إلى القرى المجاورة وعندما لبى طلبهم وشق لهم الطريق أرسل لهم رجاله إلى القرية وطلب منهم أن يدفعوا له «فرقهم» مقابل شق الطريق رغم أن عملية الشق تمت على نفقة المجلس المحلي. وبالقوة أرغمهم على دفع 50 الف ريال نظير تقديمه هذه الخدمة.
القصة لم تنته هنا، فبعد مرور شهر على شق الطريق سال لعاب الشيخ وطلب من الأهالي دفع مبلغ 50 ألفاً أخرى أجرة العسكر الذين نفذهم لمطالبة المواطنين بدفع المبلغ السابق، وعندما رفضوا دفع المبلغ قام بقطع الطريق بالحجارة وما زالت حتى اليوم مقطوعة.
الظريف في رماضة أن الشيخ مكين الحذيفي، أثناء الانتخابات المحلية الماضية، قام بتوزيع صوره الانتخابية أثناء الدعاية الانتخابية على المواطنين وأصدر مرسوماً مشيخي قضى بتغريم كل مواطن عشرة آلاف ريال يرفض او يمتنع عن الصاق صورته على جدار منزل أو دكان أو سيارات الاهالي.
،يتذكر حمود قاسم، 55 عاماً، يتذكر :«كنت جالس داخل البيت أنا وزوجتي وبنتي وفجأة سمعنا أصوات حجار كبيرة تتساقط على السقف وعندما خرجنا نشوف أيش الحكاية شفنا رجال مكين يراجموا بالحجار على البيت وبعد دقيقة من خروجنا أصيبت زوجتي وبنتي بسبب تعرضهم للحجارة أنت شايف راقدات ما استطيع اسعفهن للمستشفى لأن الطريق مقطوع والقرية محاصرة».
طه هزاع، 30 عاماً، ساعة سماعه صياح الجيران ليلة الاحد الماضي بسبب إقدام رجال مكين على رمي المواشي بالحجارة، صعدت إلى السطح تبصر من الذي يصيح «وبعد دقائق سمعت صوت إطلاق نار من خلف المترس الواقع خلف التبة التي تبتعد عن بيتنا حوالي 20 متر وبعدها وجدت نفسي على الارض» فقد أصيب بعيار ناري في رجله. يواصل: «كما تشوف أنا جالس في البيت ما استطيع أخرج للمجارحة». ويضيف :«أغلب الرصاص وُجهت الى غرفة النوم».
ما من بيت في مديرية العدين إلا وله ذكريات مريرة مع سلطة المشيخ المتنفذة والمهيمنة على أغلب أرض العدين، لا زال الناس هناك يتذكرون الكوارث التي لحقت بهم أواخر السبعينيات القرن الماضي حين وُجهت فوهات الرشاشات والمدافع صوب منازلهم وسوت العشرات منها بالأرض عقاباً لساكنيها الذين اتهموا بالتخريب من قبل مشايخ كبار مدعومين من الدولة، ومن حينها أصبحت العدين إقطاعية خاصة بهم مكافأة لهم لما قدموه من تعاون للدولة لإخماد التمرد آنذاك».
ودون بقية مواطني الجمهورية، فإن قانوناً صدر من مشايخ النفوذ على الرعية بأن عليهم واجبات وليس لهم حقوق فانعدمت الحرية وحل مكانها الظلم والاضطهاد والتسلط في غياب واضح وفاضح لدولة تدعي أنها وسعت سقف الحريات وذللت الصعاب أمام مواطنيها فأصبحوا ينعمون بالعيش الرغيد والحريات المتساوية.. إلا أن الواقع وما هو حاصل في مديرية العدين بمحافظة إب شاهد على تخلف وتراجع دولة بأكملها من خلال غيابها منذ أكثر من 40 عاماً تاركة سلطة المشايخ هي المستحوذة على كل شيئ فمارسوا ضد المواطن صنوفاً شتى من الظلم والاضطهاد.
منطقة رماضة إحدى إقطاعيات سلطة المشيخ، حاول مواطنوها التحرر من سلطة شيخهم الذي سخر كل شيء فيها لصالحه لدرجة إقدامه مؤخراً على استعباد شباب المنطقة وجعلهم «عسكر ومرافقين تابعين له.
«النداء» أثناء تجولها داخل القرية شاهدت عشرات النساء والأطفال يحملون أواني فارغة بحثاً عن ماء زائد عند الجيران بسبب عدم تمكنهم من الخروج إلى الخزان الواقع أسفل القرية لأن الشيخ أصدر تعليماته بعدم السماح لهم بإحضار الماء.
«الله لا ألحقه خير»، يقول الحاج محمد يحيى الحميدي،70 عاماً، ساعة التقته «النداء» فبدأ يروي قصته مع الشيخ كمن يحاول الشكوى بظالم استولى على ماله: «أنا لي أكثر من ستين سنه وأنا أربي هذه المزرعة (يشير الى مزرعة البن) وكل هذه الغرسات أنا غرستها بيدي وربيتها مثلما يربي الواحد عياله وكان الشيخ يشتي يشاركني بالمزرعة بالصميل وأنا أرفض ذلك وفي شهر مارس الماضي أستولى عليها بالقوة ومنعني من الدخول إليها. والآن تقدمت بشكوى ضده إلى المحكمة والى اليوم ما رجعوا لي خبر وكل يوم أتابع القضية في المحكمة، يقولوا لي تعال بكرة. ويعلم الله متى يجي بكره واستعيد أرضي ومالي المغتصب».
«الله يهلكه الله يحرق قلبه مثلما حرق قلوبنا. الحاجة «تقى مهدي»90 عاماً، التي سردت لـ«النداء» معاناتها مع الشيخ: «نهب حقي الغنم والثور والبهمة حقما مارضيتش أزوج بنتي على حقه السواق. وبعدما شل كل شيئ جاء وهددني بالقتل إذاما وافقش على طلبه وبعدها ضغط علينا وزوج بنتي على حقه السواق بالقوة دون أن يدفع مهر».
ibrahemibbMail
في رماضة كل شيء حق الشيخ.. عدا القرود - ابراهيم البعداني
2007-11-01