ضجيج إعلامي فقط..
تحاول وزارة الصناعة والتجارة منذ شهر تقريباً أن تظهر عبر وسائل الاعلام الرسمية بأنها اتخذت تدابير جدية حيال تلاعب القطاع الخاص بالأسعار. لكن الواقع يحول دون ذلك.
حتى صباح أمس الثلاثاء، وصل سعر كيس الدقيق -محلي- الى 7000 ريال في أمانة العاصمة بزيادة 1000 ريال خلال 24 ساعة و1400 خلال 48 ساعة... الخ، ووصل إلى 6000 ريال صباح الاثنين الماضي في ثماني محافظات (المهرة، مأرب، الجوف، لحج، ريمة، تعز، حجة، والحديدة).
بشير السيد
basheralsaeedMail
وزير الصناعة والتجارة يحيى المتوكل ما يزال يطلق تصريحاته الصحفية ويحرص على نشر نتائج اجتماعاته شبه اليومية مع كبار مسؤولي الوزارة، المتعلقة بخطط وبرامج الرقابة الميدانية، وضبط أية مخالفات في الأوزان أو الامتناع عن اشهار أسعار السلع أو التخزين وعدم البيع، وضبط أية ممارسات احتكارية.
الوزير غفل أنه يتحدث عن ثلاث وجبات يومية للمواطن. وإلا فإن الرجل يتعمد الاستخفاف بالمواطن.
والثابت أن القطاع الخاص أقوى من أن تشكل قرارات وزارة الصناعة ضغوطاً حقيقية عليه.
وطبقاً لمصادر خاصة فان الوزير المتوكل طلب قبل أسبوعين من قيادة وزارته كشفاً تفصيلياً يحتوي على كمية القمح المستوردة لكل تاجر على حدة منذ يناير الماضي. لكنه تفاجأ أن الوزارة لا تمتلك أي بيانات بهذا الشأن. تالياً وجهت الوزارة مذكرة لكل مستوردي القمح طلبت منهم كل على حدة كشفاً تفصيلياً عن كمية القمح المستوردة من مطلع العام وبلد المنشأ وتكلفتها في فاتورة الشراء.
وبحسب المصادر تجاهل المستوردون مذكرة الوزارة فلجأت إلى بيانات الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس ومصلحة الجمارك كما حدث في العام الفائت حين استعانت الوزارة بهذه الجهات لإصدار تقريرها السنوي عن القمح المستورد.
الغياب المؤسسي في وزارة الصناعة والتجارة غدا أشبه بعقوبة اقتصادية بدت تعود بالضرر على المستهلك.
وحسب الأرقام الأخيرة التي حصلت عليها «النداء» فإن أسعار المواد الغذائية شهدت مساء أمس الثلاثاء ارتفاعاً جنونياً في عواصم المحافظات. وأفاد مراسلو «النداء» أن تدفق أبناء المناطق الريفية الى اسواق المدن للتسوق قبل حلول رمضان جعل التجار يغالون بالاسعار، واضافوا أن اسعار السلعة الواحدة تتفاوت من تاجر الى آخر وتحديداً مادتي القمح والدقيق.
واتهم رئيس الغرفة التجارية في أمانة العاصمة محفوظ شماخ بعض تجار الجملة والتجزئة بأنهم السبب الرئيسي في رفع الاسعار وقاموا باحتكار القمح والدقيق والتلاعب بأسعارهما.
وقال في تصريح لـ«النداء» إن مستوردي القمح التزموا ببيع كيس القمح بسعر التكلفة الذي حددته لهم وزارة الصناعة (3700 ريال للكيس 50 كيلو)، مؤكداً أن بعض التجار باعوا كيس القمح بأقل من تسعيرة الوزارة.
وأوضح شماخ أن هذه هي المرة الأولى التي يتفق القطاع الخاص والحكومة بشأن البيع بسعر التكلفة مدللاً على استشعار التجار بالمسؤولية الوطنية وضرورة التعاون ازاء الأزمة العالمية لمادة القمح. بيد أن معلومات مؤكدة من غرف عمليات المراقبة في وزارة الصناعة تفيد أن سعر كيس القمح في الميناء وصل الى 4800 وكيس الدقيق 4900.
وقالت مصادر موثوقة لـ«النداء» إن بعض المستوردين الذين اتفقوا مع الوزارة على بيع كيس القمح بسعر التكلفة هم مجموعة المستوردين الخالية حالياً مخازنهم من القمح.
وعلمت «النداء» أن شركة صوامع ومطاحن عدن التابعة لمجموعة هائل سعيد بدأت أمس عملية بيع الدقيق للمواطنين في محافظة عدن بشكل مباشر عبر وكلائها في مختلف المديريات.
وأفادت مصادر محلية في المحافظة أن الوكلاء يبيعون كيس الدقيق (عبوة 25كيلوجراماً) ب 2450 ريالاً، ويرفضون بيع اكثر من كيس للفرد.
وبقدر ما يرى الكثيرون أن مبادرة مطاحن المجموعة ستعمل على وقف التلاعب في اسعار هذه السلعة من قبل تجار الجملة والتجزئة أيضاً من شأنها ترويض المستهلك والقبول بالسعر الجديد لكيس الدقيق عبوة 50 كيلو جراماً، والمحدد ب4900ريال.
***
عبوات ناقصة.. وشماخ يصف القائمين عليها بـ«المطففين»
في منتصف رمضان الفائت كان عبدالعزيز الحبيشي (52عاماً) على وشك العراك مع مسؤول مخازن دقيق لأحد التجار في مدينة باجل- الحديدة، فبعد تحميل شاحنته ب150 كيساً (سعة الشاحنة) لحظ الحبيشي ان الرصة غير مكتملة. فما يزال هناك حيز من الفراغ لثلاثة أكياس. هو يعمل في تجارة الدقيق والقمح منذ 18 عاماً واصبح خبيراً بشاحنته وسعتها «اتهمت مسؤول المخازن بسرقة 3 أكياس، ورفضت التوقيع على وصل استلام البضاعة» قال الحبيشي لـ«النداء».
لم يسبق للحبيشي أن ابتاع دقيقاً من باجل «كان في ازمة دقيق في رمضان والطلب عليه زائد دلني صديق على تاجر في باجل اسمه (....) يبيع كيس الدقيق ب2450 بفارق 250 ريالاً عن سعر المطاحن».
حينها لم يكن الحبيشي يدرك أن عبوة كيس الدقيق التي تحملها شاحنته (40 كيلو) وان الشاحنة محملة ب150 كيس دقيق بالضبط، والفراغ الذي بقي كان بسبب نقص 150 كيلو عن حمولته المعتادة وهي تعادل 3 أكياس.
وحين علم بالأمر من مسؤول المخازن «ضحكت على نفسي كنت قد توهمت بأنني عرطت صفقة كسبانة».
آنذاك كانت عبوات الدقيق الناقصة تنتشر في محلات الجملة بشكل غير معلن للمستهلك.
لكن بعد مرور ما يقارب العام أضحت اكياس الدقيق والقمح ذات العبوات الناقصة أحد الأحجام المعترف بها، وخلال العامين الماضيين انتشرت معامل العبوات الناقصة في العديد من المحافظات.
مصادر مطلعة أكدت لـ«النداء» أن العبوات الناقصة لمادتي القمح والدقيق بدأت منذ 3 سنوات وانتشرت بشكل لافت خلال هذا العام. واضافت أن خمسة تجار من العيار الثقيل يملك كل واحد منهم صوامع مزودة بمعامل متوسطة الحجم ويتركز كل واحد منهم في محافظة (باجل، الحديدة، عدن، الصليف، صنعاء).
وكشفت المصادر أن تجار العبوات الناقصة يستوردون قمحاً سورياً ويقومون بعد طحنه وتعبئته بتسويقه على أنه قمح روسي.
وعلمت «النداء» من مصادر في وزارة الصناعة والتجارة أن الوزارة لم تتخذ أي اجراء ازاء العبوات الناقصة كما لم يصلها أي مذكرة من الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس بهذا الخصوص.
رئيس الغرفة التجارية في أمانة العاصمة محفوظ شماخ وصف هؤلاء بـ«المطففين» الذين قال الله عنهم في كتابه «ويل للمطففين الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون...». وأضاف: ما يقوم به هؤلاء هو تلاعب في الأوزان وهو محرم في الشريعة الاسلامية.
ورصدت «النداء» الاثنين الماضي سعر كيس الدقيق عبوة 45 كيلو ب5800 ريال وعبوة 40 كيلو ب4800 في أمانة العاصمة ومحافظة تعز. ووصل سعر الأول مساء أمس الثلاثاء إلى 6400 ريال والاخير ب5300 ريال.
***
تكدس شاحنات نقل الدقيق والقمح في ساحات المطاحن
صنعاء: النداء - عدن: إياد البحيري - تصوير: ماجد القيسي
قبل شهرين ونصف كان «محمد.ع» يُحمل شاحنته بالدقيق أو القمح مرتين في اليوم، من أحد المطاحن بميناء المعلا عدن. وينقلها في نفس اليوم الى مدينة تعز حيث مخازن تاجر الجملة الذي يعمل لحسابه.
(سعة الشاحنة150 كيساً).
الآن الوضع أصبح أكثر تعقيداً. حين اتصلت «النداء» بـ«محمد» (37عاماً) مساء الاثنين الماضي، كان قد مضى عليه 30 ساعة في باحة المطاحن. وما تزال شاحنته تقف في طابور طويل ويسبقها16 شاحنة. وبحسب «محمد» فإن دوره سيأتي بعد 6-7 ساعات ويأمل ألا تنفد كمية القمح المقررة لليوم من قبل إدارة المطاحن (20 الف كيس يومياً) إذ سيكون عليه الانتظار حتى صباح اليوم التالي.
وبصوت متذمر قال: «هذه أسوأ شهرين في حياتي، كرهتني بالعمل»، وزاد: «قبل شهرين كنا نجي نسجل وحملنا ما فيش تأخير. وبعدها كلما جاء من يوم نتأخر نتأخر بين الحرارة ليوم يومين حتى نحمل الشحنة».
ما يشكو منه محمد غدا ظاهرة في كل مطاحن الجمهورية. يومياً تقف 50-60 شاحنة وقاطرة في ساحات المطاحن ويتم تسجيلها لكن دورها لن يأتي إلا بعد تحميل الشاحنات المنتظرة منذ يومين أو ثلاثة.
شدة الطلب ونقص المعروض أفرز ممارسات خاطئة اذ يشكو السائقون من مسؤولي تسجيل الشاحنات بأنهم يشترطون عليهم دفع مبالغ مالية حتى لا يُبقوا على أسمائهم في ذيل قوائم الانتظار. هم يقولون ان قاطرات التجار الكبار تخترق طابور المنتظرين لتصل الى المقدمة ويتم تحميلها بالبر (القمح).
وأفاد سائق شاحنة تابعة لأحد التجار في مفرق شرعب (طلب عدم ذكر اسمه) «إذا دفعنا رشوة مثل التجار الكبار ستخصم من مستحقاتنا، وأصحاب المطاحن(...) يتعاملون بمزاجية وسننتظر حتى يتذكروا اننا منذ ثلاثة أيام منتظرين، ويمكن تزيد. أمرهم لله».
أما محمد محمود سائق قاطرة تابعة لأحد تجار الجملة في إب، فقد اعتاد النوم على قاطرته المحملة بالدقيق منذ أسبوع والقابعة داخل ساحة أحد مطاحن محافظة عدن في مشهد غريب، وقد سألته «النداء» لماذا لا يغادر إلى إب، فأوضح: «قيمة الحمولة مدفوعة كاملة ومن يوم الى يوم يتحججوا ويمنعونا من الخروج، والآن طلبوا مني حق ابن هادي علشان أخرج، لكن ليش المشايخ يدخلوا بقاطراتهم يومياً ويخرجوا محملين بالدقيق ومحد (لا أحد) يطلب منهم حق ابن هادي!».
وطبقاً لمصادر مطلعة فإن المطاحن أوقفت بيع الدقيق للتجار وتفرج عن كميات بسيطة وبشكل متقطع لأصحاب الأفران وبعض تجار عدن والحديدة بما يغطي احتياجات أبناء المحافظتين. وقالت إن كيس القمح يتراوح سعره في الميناء بين 4200و 4400، أما سعر الدقيق يتراوح من 4350و4800.
وأفادت المصادر بأن إدارة المطاحن تقوم برفع اسعار القمح والدقيق بشكل اسبوعي، وأحياناً ترفع الأسعار بعد الامضاء على فوايتر بيع بالاسعار السابقة، ويتم ابلاغ التجار بدفع فوارق الأسعار أو تفريغ الشاحنات.
***
على آخر رمق
القول بأن البلد لن ينجو هذه المرة، ليس محض تهويل. إنه أبعد من مجرد تكهنات. إنه التوصيف الأكثر دقة لما صارت إليه الأمور.
المؤكد أن «مجاعة» مدمرة، تغذ الخطى، ولا تلوي على شيء. المعطيات في الواقع تقول ذلك.
قبيل الانتخابات الرئاسية والمحلية الفائتة، كان الكيس القمح يباع في بوابة الميناء، طبقاً لتقرير برلماني، ب2200 ريال.
آنذاك، كانت الماكينة الانتخابية للمؤتمر الشعبي، تبذل كل ما في وسعها، كي ينصاع الناس لفكرة أن القادم لن يكون مفخخاً بالمخاطر.
وفي حين أفلحت (عدة الشغل) خاصة المؤتمر، (البدائية والحديثة المشروعة وما سواها)، في استمالة وعي الناس، ها إن حكومته تخفق تماماً في درء كارثة اقتصادية محدقة، سيكون من شأنها، بالتأكيد، تقويض الحياة برمتها.
محمد العلائي
alalaiyMail
مساء الاثنين، عاودنا، نحن في «النداء»، رصد اسعار القمح والدقيق في بضع محافظات. حقاً، لقد كانت النتائج مثيرة للذعر، والسخط، في آن.
على أية حال، كانت الأسعار متفاوتة من منطقة لأخرى. لكنها، وفقاً لمندوبي الصحيفة، لم تبارح ال5500، إلا لترتفع الى ال7000 ريال، في عديد مناطق.
سجلت مديرية قفل شمر -محافظة حجة- اعلى رقم، اذ بلغت قيمة الكيس الدقيق، حسبما افاد مندوب «النداء»، 7000 ريال، في الوقت الذي فاقت قيمة الكيس القمح ال6000 ريال. وفي مديريات الخميسين، ومدينة حجة، والجميمة، تراوحت الأسعار بين 5000 الى 6000 ريال.
لا يفتقر أبناء الضالع للذرائع المحرضة لتحريك المظاهرات. فهم، وعلى غرار بقية المحافظات، يتجرعون مرارة الفاقة، الا أنهم، خلافاً لسواهم، لا يسعهم استساغتها على أي وجه كان.
في الضالع، تدرجت قيمة الكيس القمح من 6100 الى 6500 في مديريات: الضالع، جبن، الازارق، جحاف، قعطبة، وهذه الأخيرة تحتل الذروة، على الدوام.
في المقابل، يكتفي أبناء الحديدة بندب حظهم التعيس. إن البحر لن يعصمهم من هول الكارثة. ففي مدينة الحديدة يشتري المواطن كيس القمح ب6000 ريال. فوق ذلك، اسواق الحديدة ليست عامرة بالقمح، على الرغم من رسو البواخر الزاخرة بالحبوب وما لذ وطاب، في أطراف المدينة.
يتضاءل حجم الكارثة، كلما اتجهنا صوب عدن. ففيها يباع كيس القمح ب4900 بالتجزئة، في حين تبلغ قيمته في ميناء المعلا 4200 ريال، طبقاً لمعلومات «النداء».
الرقمان ليسا اعتباطيين، أو مطلق صدفة. ثمة ما يمكن قراءته فيهما. فحالما نربطهما بالحركة الاجتماعية الموارة في الجنوب، فستكون المحصلة، دون شك، مفادها: لدى العدنيين ما يكفي من الخسارات، حتى باتوا نافدي الصبر، وبالتالي يتوجب على الدولة بطريقة أو بأخرى، تفادي غضبة مدوية، سيكون سببها الجوع زائداً المتاعب التي أرخت بوطأتها عليهم بعد صيف 94.
محافظات الحديدة، أو حجة، مأمونتا الجانب. انهما يتلقيان الدقة تلو الأخرى ببال مستكين، إذ ليس بحوزتهما أية أوراق «مصيرية» يرفعانها في وجه حكم، غدا من السهل ابتزازه.
في دحض منطق الحكومة
دأبت الحكومة، عند كل موجة غلاء، عزوها إلى ارتفاعات عالمية.
في الواقع، لا يخلو تبريرها من منطق. لكن على المرء أن يحتكم للأرقام. بدلاً من ذلك، تلجأ الحكومة الى مقولات مجردة من قبيل؛ السوق الحرة، والارتفاع العالمي. في حين تحذو أحزاب المعارضة حذوها، عند تشخيص المأزق الاقتصادي الماحق.
يوم الجمعة الفائتة، بث موقع «مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار»، المصري لائحة بآخر اسعار أهم السلع العالمية. يوم ذاك بلغ سعر القمح الأبيض اللين (عالمي) 283.3 دولار، والأحمر اللين 308.7 دولار للطن، فيما كانت قيمة الأحمر الصلب 296.3دولار للطن.
مهما يكن، تلك عينات قمح فاخرة. غير أن ما يصل للمواطن اليمني البسيط هو أردأ أنواع القمح.
«وقد أوردت الوزارة (التجارة والصناعة) في ملاحظاتها، أن القمح الأمريكي الأحمر يعتبر من الدرجة الأولى، لكنه لاي أتي لليمن، وأن الذي يصل يحمل مواصفات البروتين بين (8-9.5٪_)، وهو كثير الشوائب والحبوب الضامرة والمكسرة، وكذلك ارتفاع نسبة الرطوبة فيه»، هذا ما دونته لجنة التجارة والصناعة البرلمانية، في تقريرها للعام 2006.
ولئن سلمنا جدلاً بأن قائمة الاسعار المنشورة في الموقع «المصري»، هي نفسها القيم الافتراضية لعينات القمح المستهلك في الأسواق اليمنية، فسوف لن نجدها موازية لما آلت إليه القيم المتداولة الآن! (مع احتساب تكاليف النقل، وحصص الارباح المشروعة).
الحال، أن تكلفة الطن الواحد، لدى بلوغه الميناء ستوازي 365 دولاراً حسب مصادر في وزارة التجارة والصناعة، الا انه يباع حالياً في الأسواق بما يربو على 603 دولارات، أي ان رحلة الطن من الميناء الى نقطة البيع ستكلف نحو 238 دولاراً تقريباً، في الوقت الذي تبلغ تكاليف نقله من بلد المنشأ الى الموانئ اليمنية فقط 90 دولاراً، أو نحوها.
ببساطة أكثر: القيمة الحقيقية لكيس القمح عند وصوله الميناء 3600 ريال تقريباً، وبعد نقله للبيع بالتجزئة ترتفع قيمته بشكل مهول، لتصل الى 6000 ريال أو أكثر، في معظم نقاط البيع.
كانت الاسعار السائدة عند الإغلاق في 27/10/2006 للقمح الأبيض اللين 192 دولاراً للطن (فوب) ، وفقاً لتقرير لجنة التجارة والصناعة بمجلس النواب، لكنه كان يباع في الأسواق بنحو 225 دولاراً تقريباً، ما يعني أن المستوردين كانوا يضيفون فوق السعر العالمي زيادة معقولة نسبياً. بالطبع كانت الأجواء الانتخابية لما تنقشع بعد.
في كل مرة، يتحدث الحكم عن السوق الحرة بنوع من التبجح، تماماً كما لو كان يتحدث عن «الإبادة الحرة».
وأياً يكن الأمر، فبعدما يفرغ المرء من قراءة فلسفة الرأسمالية ونماذجها، سيلفىَ نفسه في دوامه من الحيرة والالتباس.
الثابت، أننا بإزاء دولة عصية على التصنيف والتنميط. إنها دولة تحمل عصى «العنف الشرعي» لحراسة شروط بقاء الحكم، لكنها بمعنى ما، تتسلح بنسخة مزورة من منطق الليبرالية الاقتصادية لستر عورة فشلها في حفظ توازن السوق.
الراجح أنها لا تدرك كنه الاقتصاد الحر ومآلاته. فالرأسمالية الفجة والمطلقة بدأت تذوي في منابتها.
كانت، رغم جاذبيتها، فكرة جامحة. وعندما باتت الرأسمالية (الكلاسيكية) مسلكاً اقتصادياً وسياسياً تسير فيه المجتمعات المتحضرة، وجد أنها من الوعورة بحيث تصبح مداومة اعتناقها تنذر بصدوع اجتماعية فادحة وطافية على السطح. لقد رتبت طبقية اجتماعية بالغة المقت.
كذلك بدأ خبراء الاقتصاد الشروع في ترميم النظرية الرأسمالية. وعوضاً عن إبقاء الدولة على مبعدة من الدورات الاقتصادية، والانحدارات الفجائية، أنيط بها رزمة من التدابير والتدخلات لمواجهة عسر السوق، واهتزازته، التي من شأنها تقويض الامن والتماسك الاجتماعيين.
وهكذا بزغت ما تسمى بـ«دولة الرفاه الاجتماعي» أو (الدولة الراعية، او الحانية المتدخلة). إنها في معناها القريب، دولة تضع نصب عينيها إيديولوجية المسؤولية الاجتماعية، في مقابل ايديولوجية السوق الحرة.
المواطن، لاشك، ليس علىَ درجة عالية من الوعي، كيما يدرك الملل والمذاهب الاقتصادية الرائجة.
فهو قلما يستخدم أدوات التحليل الاقتصادي، لتفسير المآزق السعرية التي تثقل كاهله، بل وتهدد وجوده. وعلى ذلك، فالدولة التي يتموقع القرار فيها بيد فرد واحد، يصبح الأمر الأكثر حتمية هو إعادة أية اخفاقات أو اضطرابات اقتصادية فيها الى ذاك الفرد وحده، تماماً كما تعزى كل النجاحات إليه.
البلد يستهلك، وفق دراسة أعدها مدير إدارة التجارة الخارجية بوزارة الصناعة والتجارة فؤاد هويدي، ما يربو على 3 ملايين طن من القمح، بقيمة اجمالية تقدر ب78.80.1000.000 ريال خلال 2006. فكم من البشر سيموت لو أصبح الخبز مادة غير متاحة.
لابد أن على الدولة الكف عن التنصل. المؤشرات تقول إن الأسعار الباهظة لمادة القمح في الأسواق اليمنية ليست عالمية، بالمطلق. وهي تجر البلد حثيثاً الى قعر الهلاك. ومثلما تؤدي وظيفتها في قمع الخصوم على أكمل وجه، يتوجب عليها سد الثغرات التي تهب منها نذر كارثة «ماحقة».
أصبح الظلام أكثر عمقاً
في 2003، بلغ متوسط ما يستهلكه الفرد اليمني من مادة القمح 101.8 كليو جرام، لكنه بات الآن يستهلك 149 كيلو جراماً في 2006، بمعدل زيادة سنوية قدرها 28.4٪_ من القيمة وقالت دراسة حديثة أعدها فؤاد هويدي مدير إدارة التجارة الخارجية بوزارة الصناعة والتجارة، إن متوسط استهلاك الفرد في اليمن، يفوق متوسط الاستهلاك العالمي بفارق 40 كليوجراماً.
في ضوء هذه النتيجة توصلت «النداء» الى استنتاجات إحصائية مرعبة. وفيما لو كان سعر كيس القمح في بعض نقاط البيع يناهز ال6000ريال، سيتبين الآتي: الأسرة المكونة من 6 افراد تستهلك في العام الواحد نحو 882 كيلو جراماً (18 كيساً)، وبالتالي سيكون اجمالي سعر الكمية 540 دولاراً (أي 107.460ريالاً) ، بمعدل 8955 ريالاً شهرياً.
«أصبح الظلام أكثر عمقاً»، يقول الروائي البريطاني جوزيف كونراد.
إنهيار مصداقية كبار المسؤولين.. كيس الدقيق ب7000 ريال
2007-09-13