موسم الحنين إلى الجراد في إب.. مذاقه كالعسل، وحضوره مقرون بالخير والنعمة
- إب - إبراهيم البعداني
تفتقد الحاجة «دولة» الجراد، ويجرفها الحنين، هي إبنة السبعين عاماً التي تقطن إحدى قرى وراف جنوب غرب مدينة إب، إلى أيام الصبا، أيام كانت ترعى الماشية في قريتها، وتشن رفقة صديقاتها، حملات صيد للجراد.
«كان أصِّيف يجي ومعه اجَّراد والشظوية تنتفش ملآن أأحوال»، قالت دولة لـ«النداء» كمن يصف لوحة بديعة لفنان من المدرسة الطبيعية.
«كنا نلقطهن ونشوطهن واحنا نرعي»، تذكرت مواسم الجراد، قبل أن تضيف متحسرة: «ما ذلحين هذي اسَّنين ولا أبصرنا لهن صورة».
حتى صباح أمس لم يكن الجراد قد بلغ مناطق محافظة إب. لكن التقديرات تشير إلى إمكان اجتياحه مديريات إب خلال الأيام القليلة القادمة. فأسراب الجراد الصحراوي الزاحفة من حضرموت، كانت قد وصلت مديريات محافظة أبين، وبعض مديريات محافظة الضالع، وضمنها مديرية دمت المتاخمة لمديريتي الرضمة والنادرة في إب.
لكن سكان «اللواء الأخضر» ليس لديهم ما يقلقون بشأنه جراء «الزحف الجرادي». وفي حال اخفقت الجهات المختصة في مكافحة أبرز الأخطار على المحاصيل الزراعية، فإن الجراد سيحظى باستقبال يليق بمكانته في الذاكرة اليمنية، التي تحتفظ بأمثال عديدة تبرز ميزاته، ومنها المثل الصنعاني الشهير: «جرادة على مشفري ولا بربري في الصراب».
حسن الجولحي، بائع قات في العدين (غرب مدينة إب)، بدا متذمراً ساعة التقته «النداء». وقد راح يلعن الحظ العاثر. حوقل حسن، وقال: «هذي السنة الدبور محلق علينا من كل زاوية... القات بوار، والبيع ما يخارجش». وكما كل يمني لا يغفل عن إدراج محنته كبائع قات في سياق الوضع العام للبلد: «تحقد (تتذكر) يوم كنا نخرج بالصيف نلقط الجراد والشظوة من اوّادي ملانت اجونية ونشوطها... أمانة كان له طعم مثل العسل، ماذلحين من يوم جاء اكيماوي وزاد اغلاء ما زدناش حصلنا شيء، لا جراد ولا شظوة».
ليس من المؤكد أن يستمر تذمر حسن، خصوصاً وأن «أكيماوي» (فرق الرش التابعة لمركز مكافحة الجراد) لم يؤد واجبه جيداً هذا الموسم، بعد أن تعثر أداء فرق الرش من العمل لأسباب بيروقراطية ومالية.
لدى غالبية اليمنيين ارتبط الجراد بالخير والنعمة، ولئن بدا حسن الجولحي مبالغاً وهو يصف الجراد بأن له مذاق العسل، فإن الحاج عبدالله الحبيشي، وهو مزارع مُسن من مديرية حبيش (شمال غرب مدينة إب)، ظهر أميل إلى الواقعية وهو يتذكر واحدة من أخصب مواسم الجراد قبل ثورة سبتمبر (1962): «غزت الجراد حبيش، وما فيش أسبوع إلا والناس قضوا عليها مثل الجراد، واتنعموا بالجراد مثل اللحمة حين تكثر بالعيد الكبير».
أما مجد الربادي (بائع متجول بعربية في مدينة إب)، فقد اكتفى بالترحم على أيام الجراد، بعد أن جادل «النداء» حول مذاقه، إذ قال بلغة خبير تسويق ماهر: «صدقني ما فيش مقارنة بين الجراد والجمبري».
ويوافقه عبدالله الكبسي (معلم)، الذي قرَّح سنة في المرحلة الإعدادية من أجل عيون الجراد. «في الصف الثالث الإعدادي أكملت ( تبقت عليَّ) في مادة الاجتماعيات بسبب غيابي من الامتحان فقد كنت أصطاد الجراد».
تعد إب من المحطات المهمة في رحلة الجراد. وخلال الأعوام الماضية أدمنت فرق مكافحة هذه الآفة الخطيرة التبطل، بسبب الحملا الطوعية التي ينفذها السكان للقضاء على الجراد، على طريقتهم الخاصة، حيث ينتشرون في الحقول والأودية فيما يشبه السباق، لاصطياده. واحترف بعضهم بيعه في الأسواق، حيث يقومون بقليه بالزيت، وبيعه للزبائن كوجبة سريعة.
ويتفاوت سعر الكيلو من محافظة إلى أخرى، ففي ذمار بلغ أحياناً 800 ريال، حسب تقرير نشره «الشورى نت» الشهر الماضي.
وفي الغالب يباع، بالمفرد بسعر 15 ريال للجرادة الواحدة.
وفي غياب حملات توعية مستمرة وعميقة للسكان، فضلاً عن سوء التنظيم والاستعداد لمواجهة الآفة، من قبل الجهات المختصة، حافظ الجراد على سمعته في السوق المحلية. ولا يأبه اليمنيون كثيراً بصورتهم أمام الرأي العام الخارجي. وكذلك يفعل بعض المسؤولين في الجهات المختصة، إذ قلَّل أحدهم من الكارثة المنتظرة، معولاً على رواج مذاق الجراد بين المواطنين.
ومع انتشار التقارير والقصص التي تنشرها وسائل إعلام خارجية عن الأسلوب اليمني في مكافحة الجراد، لم يعد أكل الجراد أمراً يثير الكثير من الاشمئزاز لدى العرب والأجانب.
وفي ريف إب التقت «النداء» المدرس السوداني حسن حسيبو، الذي لم يخف إعجابه بالأسلوب اليمني، وهو قال: «كان عندنا في جنوب السودان مجاعات، والناس بتموت جوع، وأحياناً يأكلون أوراق الشجر، ولما يجيء الجراد عندهم يهربوا، وما يفكروا يأكلوها».
***
مركز مكافحة الجراد يحمِّل السلطة المحلية في حضرموت مسؤولية انتشاره
- بشرى العنسي - حمدي عبدالوهاب
فيما يواصل الجراد زحفه على محافظات الجمهورية انطلاقاً من حضرموت، تتبادل جهات حكومية ومحلية الاتهامات حول مسؤولية الفشل في مكافحته.
المهندس عبده فارع الرميح، مدير مركز مكافحة الجراد، حمَّل السلطة المحلية في حضرموت مسؤولية انتشار الجراد إلى المحافظات الأخرى. وقال إن السلطة المحلية منعت فرق الرش من العمل بدءاً من مطلع أغسطس الماضي بحجة وجود مناحل في مناطق عديدة. مضيفاً بأن السلطة المحلية طلبت بعد المنع مهلة 48 ساعة للتجاوب مع المركز، لكنها ماطلت وسوفت طيلة الشهر الماضي.
وأضاف: في السابع والعشرين من الشهر الماضي، كانت المفأجاة بأن المحافظة طلبت تخصيص مبلغ الفي ريال لكل من: وكيل المحافظة، ومدير مكتب المحافظة، ومدراء المديريات عن كل يوم يتم فيه الرش من قبل فرق المكافحة.
وزاد: ومع ذلك فإن طلب المخصصات جاء متأخراً. وبعد أن انتشر الجراد إلي محافظات أخرى، ولو تقدم قليلاً لكنا نظرنا فيه، لكن المحافظة ما طلت وقدمت الاعتذار قبل أن تكشف عن رغبتها. وأشار مدير المركز الى أن الجهات الرسمية ومنها رئاسة الوزراء لم يكن لديها حلول جاهزة لمكافحة الجراد برغم أننا رفعنا عدة تقارير إليها. الأمر الذي أدى إلى تطاير الجراد وغزت كل المحافظات، ومن أمام أعين المسؤولين.
وقال إن الامكانيات كانت متاحة لمكافحته في حضرموت، خصوصاً أن منظمة الزراعة العالمية، ودول أخرى تدخلت في تقديم معونات، وذكر الرميح أن منع فرق الرش من مكافحة الجراد في بعض مديريات الوادي بحضرموت، كانت النواة لانتشار الجراد الى المحافظات، كما استوجب من فريق المكافحة سحب امكانياته من المحافظة ونشرها في محافظات: شبوه، مأرب، الجوف، حجه، الحديدة، لحج، أبين. على أن يسبق الدخول إلى المناطق للبدء في عملية الرش إبلاغ السلطات المحلية حتى لا تكون لديهم أعذار ولن تعطى مهلة اكثر من ثلاثة أيام للرد.
وحول طلب السلطة المحلية بمحافظة حضرموت مبلغ الفي ريال للبدء في عملية الرش من قبل فريق المكافحة، قال صالح القمعي، رئيس لجنة الخدمات بالمجلس المحلي بالمحافظة لـ«النداء» إن هذا الطلب عارٍ على الصحة ولا أساس له وانه تواصل مع مدير مكتب الزراعة واخبره أن عملية الرش شغالة في المديريات من دون معوقات، سوى حالتين منع من قبل أصحاب المناحل. وأضاف أن اللجنة المصغرة من المجلس المحلي لم ترفع إليها تقارير عن تقصير في عملية الرش. وعن الامكانيات الحالية لمكافحة الجراد في المحافظات التي تنتشر فيها، أوضح الرميح أنها قادرة على مواجهتها إذا ما أتيح لها العمل، كما أن السفير السعودي عند لقائه مع وزير الزراعة أول أمس الاثنين، وعد بتقديم معونات: عبارة عن سيارات التي من المتوقع وصولها قريباً. ورأى الرميح صعوبة مكافحة الجراد في المناطق المأهولة بالسكان لما قد يسبب ذلك من أضرار على صحة السكان والمواشي مما يجعلنا نعتمد على الأهالي في القضاء عليها كونها مصدر غذاء لهم. وقال إن عملية المكافحة تتم في المناطق الصحراوية حتى لو كان الجراد قد وصل الى مرحلة الطيران.
وتوقع الرميح أن الجراد في حضرموت سيقل عدده خلال منتصف الشهر الحالي مما يؤدي إلى طيران الجراد في المناطق الأخرى بأعداد قليلة الى أن تصل الى مرحلة النضج الجنسي ثم تنتقل الى سواحل تهامة وخليج عدن لتستقر هناك.
إلى ذلك قال النائب محمد الشدادي، رئيس لجنة الزراعة والري بالبرلمان، إن مكافحة الجراد أصبحت تحتاج إلى امكانيات كبيرة، وبواسطة طائرات لا توافر لدى الحكومة الأمر الذي يتطلب أن تطلب الحكومة مساعدات خارجية. وأضاف الشدادي في تصريح لـ«النداء» أن عدم اتخاذ السلطات الاجراءات اللازمة في مكافحة الجراد، بداية ظهوره في صحراء حضرموت، مايو الماضي، عمل على انتشاره إلي محافظات عديدة وجعل مكافحته تحتاج الى مراقبة ومتابعة مستمرة. مشيراً إلى أن عملية المكافحة يجب أن لا تقتصر على الجراد الطائر، وإنما أماكن تكاثرها واين تضع بيضها؛ لأن من دون ذلك وخلال اسبوع واحد فقط تتوالد بكثرة و يكون بمقدورها الطيران لمسافات بعيدة مراسل «النداء» في محافظة الجوف أفاد بأن عدد من مشايخ المحافظة طلبوا من رئيس الجمهورية التدخل في مكافحة الجراد، الذي استجاب لطلبهم وأسفر عن إمداد المحافظة بتسع سيارات للمكافحة في المناطق الوعرة والتي توجد بها مناحل.
طلب مشايخ الجوف تدخل رئيس الجمهورية، جاء جراء تقاعس مكتب الزراعة في مكافحة الجراد الذي غزى المحافظة منذ فترة.
***
قبل وصول المؤسسة إلى الضالع.. أسراب الجراد تصل دمت
- الضالع - فؤاد مسعد ضيف الله
استقبل أهالي دمت بمحافظة الضالع في الأيام القليلة المنصرمة أسراب الجراد القادم من الأطراف الشمالية والشرقية، وقاموا باصطياده بصورة جماعية، وغدا يمثل واحدة من الوجبات السريعة لكثير من أبناء المنطقة الذين يحتفظون بكميات كبيرة من الجراد بعد صيده الذي يتم في عملية تقليدية توارثها الناس للإيقاع بهذه الأسراب الزاحفة نحو الحقول الخضراء، والتي تسببت في تلف بعض المحاصيل الزراعية في المنطقة وأهمها محصول الطماطم الذي سجل هذا الموسم ارتفاعا ملحوظا في سعره الذي وصل في معظم مناطق المحافظة إلى200 ريال للكيلو الواحد.
وفي الضالع وصلت شاحنات المؤسسة الاقتصادية المحملة بالمواد الغذائية يوم السبت الذي صادف توترا غاضبا أدى إلى قطع الطريق العام بين صنعاء وعدن بعد الاعتقالات التي قامت بها سلطات الأمن في عدن وطالت عددا من أبناء الضالع, مما تسبب في عدم وصول الشاحنات إلى المدينة، حيث دشنت البيع بالأسعار الرسمية في المنطقة القريبة من الخط العام والواقعة في المدخل الشمالي لمدينة الضالع.
مواطنون قالوا لـ"النداء" إنهم فوجئوا بانتقال الشاحنات من الضالع بصورة سريعة ومفاجئة ظهر الاثنين أي بعد يوم واحد من بدء البيع، حيث اكتفوا ببيع عدد قليل من أكياس القمح (قدرها البعض ب15 كيسا فقط) ليتم بعدها تصوير المواطنين الذين تجمعوا بهدف الشراء وإعلان الرحيل دون الالتفات لتوسلات المجاميع الكبيرة من الناس، مع العلم أن هذا الأسبوع وصل سعر كيس القمح في مدينة الضالع عاصمة المحافظة إلى 4800 ريال بينما تجاوز ال5200 ريال في مدينة ضوران عاصمة مديرية الحشاء الواقعة شمال غرب الضالع.
***
مواطنون في ذمار أكلوا الجراد قبل أن يأكل محاصيلهم
- "الشورى نت"– ذمار – عبد الواحد الشرفي
توافد العشرات من المواطنين إلى قاع شرعة ومنطقة اللسي وسنبان بمديرية ميفعة – عنس– بمحافظة ذمار خلال اليومين الماضيين عند سماعهم عن تواجد أسراب من الجراد الصحراوي آتية من محافظة البيضاء، وذلك لاصطياده وتجميعه في أكياس وقوارير بلاستيكية.
وقال بعض هواة الاصطياد لـ"الشورى نت" إن أفضل وقت لجمع الجراد هو بعد الفجر حيث يسهل صيده ورؤيته. ويقومون ببيعه في الأسواق الشعبية بعد تجهيزه للأكل بتحميصه بالفرن وتركه معرضا لأشعة الشمس حتى يجف. ويصل سعر الكيلو إلى حوالى 800 ريال.
ويعد من الوجبات المفضلة لدى البعض خصوصا وأن بعض الدراسات العلمية غير الموثقة تؤكد أن الجراد غني بالبروتين ويمثل 62% من جسمها زيادة على 17% دهون وعناصر غير عضوية تمثل الباقي مثل: الماغنسيوم، الكالسيوم، والبوتاسيوم، المنجنيز، الصوديوم، الحديد، الفوسفور، وغيرها.
إلا أن بعض الاجتهادات الفقهية لا تجوز أكله، وقد اشتهر بهذا الرأي الإمام مالك أحد فقهاء المذاهب الإسلامية. وقد روى أبو داود أن الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، سُئل عن الجراد فقال: "أكثر جنود الله، لا آكله ولا أحرمه".
وقد لا يشكل الجراد خطرا حقيقيا على المحاصيل الزراعية في محافظة ذمار في الوقت الراهن بسبب تواجده بأعداد قليلة فضلا عن عملية اصطياده، إلا أن الخطر يكمن في عملية تكاثره خصوصا وأنه ينتمي إلى فصيلة الجراد الصحراوي Shistocerca Gregaria الذي يتسم بكثرة تناسله حيث تضع الأنثى من 95 إلى 158 بيضة ولثلاث مرات على الأقل في حياتها. وتؤكد الحقائق العلمية أن الحشرة الواحدة من الجراد تستطيع أن تلتهم طعاماً بمقدار حجمها كل يوم، أو ما يعادل جرامين كل يوم.
علاوة على ذلك فقد حذر خبراء اقتصاديون من وقوع كارثة غذائية بسبب الانتشار الواسع للجراد في المحافظات الزراعية كصنعاء وذمار بسبب نقص حاد في الإمكانيات الفنية والبشرية لمكافحة الجراد.
الجدير ذكره أن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) حذرت بلادنا في فبراير الماضي من إمكانية مهاجمة الجراد للأراضي اليمنية بعد اكتشاف أسراب من الجراد في المنطقة الجنوبية من السواحل السودانية المطلة على البحر الأحمر، إضافة إلى وجود بؤر واسعة لتكاثر الجراد في بعض المناطق الصومالية والمناطق المطلة على خليج عدن والبحر الأحمر.