الضبيبي يستحضر المنسيين في السجن الحربي: 6 سنوات عصفت برقمه العسكري وراتبه.. وأسرته
على خلاف كثيرين من زملائه العسكريين نزلاء السجن الحربي بصنعاء، يمضي المساعد ناجي حسين السفياني سنواته الست في صراع دائم لاسترداد حياته. ويقضي الشاب، وقد شارف على الأربعين، لياليه الموحشات في دوشة تفاكير وكتابة مناشدات لإعادة حقوقه المنهوبة: راتبه ورقمه العسكري.
ورغم الأوامر الصريحة عالية المستوى التي حصل عليها، من وزراء الدفاع المتعاقبين ونواب رئاسة الأركان، إضافة الى مدير القضاء العسكري، إلا أن المأساة تتفاقهم. فيما دائرة شؤون الأفراد لا تزال صامدة أمام هذه الحزمة من الأوامر على امتداد 6 أعوام.
كان السفياني أميناً لمخازن فرع المؤسسة الاقتصادية اليمنية بالمحويت، وفي 9 سبتمبر 2001 حلَّت به الكارثة. لقد وقع في شباك عجز مالي قيمته 12 مليون وقُدِّم فيه الى المحكمة كمتهم. وبعد 9 أشهر من تاريخ دخوله منشأة العقاب الجماعية (الحربي) أصدرت المحكمة الابتدائية (العسكرية) ضده حكماً في 1 يوليو 2003 قضى بحبسه سنتين، من تاريخ القبض عليه، وتسديد مبلغ العجز.
الحاصل انه منذ ذلك الحين صار بلا راتب وبلا هوية عسكرية أيضاً. فقد صُودر رقمه العسكري، وقُطع عن أسرته المعاش. ولأن الحكم القضائي لم يقرر ذلك، إذ لا يجوز الجمع بين عقوبتين، فقد وجه القاضي عبدالإله النحوي مدير القضاء العسكري في 15 يونيو 2004 مذكرة الى دائرة شؤون الأفراد والاحتياط العام «بنقل راتب المذكور إلى قسم السجناء المنطقة 50» وفقاً للقانون، فكان الجواب: «لقد تم تجنيد بدلاً عنه» نزولاً عند رغبة المؤسسة.
كان المنكوب يتململ من وراء الحديد ومن خلف سور الطين المتهالك واستمر يبعث أنَّاته في ورق مسَّطر إلى وزارة الدفاع: «أرجوكم قطع الراس ولا قطع المعاش». أما اسرته المكونة من 12 فرداً، أغلبهم صغار، فكانت تضرب كفاً بكف، وهي تقف على حافة الضياع، بعد أن استكملت بيع كل ما يملك عائلها الوحيد من الأموال لسداد جزء من مبلغ العجز المحكوم به.
مرة أخرى عاود النحوي (مدير القضاء العسكري) خطابه لشؤون الأفراد بعد مضي 8 أشهر من خطابه الأول، وطالب في 12فبراير2005 الدائرة بإلغاء تجنيد البديل ومواصلة السجين برقمه ومرتبه، ثم أمر بنقل راتبه الى القضاء العسكري إعمالاً لنص القانون رقم 67 لسنة 1991 الخاص بالخدمة في القوات المسلحة والأمن، والذي تنص مادته (101) وما بعدها على أحقية العسكري لكافة مستحقاته ما لم يقضي الحكم الصادر ضده بغير ذلك. وحيث أن الحكم، والمؤيد بحكمين: استئنافي وعليا، لم يقل بفصله أو طرده من الخدمة، لذلك، يقول القاضي: «لا يجوز قانوناً حرمانه من رقمه العسكري ولا راتبه كما لا يجوز الجمع بين عقوبتين».
5 أشهر والسفياني ينتظر رداً من شؤون الافراد، وفي 19 يوليو 2005 كان الجواب. لقد أوصت بالتفاهم مع المؤسسة اليمنية. وبدت الأخيرة مصرة على موقفها، ولكون كل الوسائل لم تجدي معها فقد لاذ القاضي بوزير الدفاع. وكان اللواء الركن عبدالله علي عليوة وجه أمراً في 6 يوليو 2005 نائب رئيس هيئة الاركان للقوى البشرية «بوجوب إعادة مرتب المذكور ومواصلته على الخدمة ومواجهة مرتبه من الموازنة». و في حالة تعذَّر ذلك، أمر الوزير بـ«تضمين وحدته لمرتباته». ومن حينها واللواء الركن سالم علي قطن نائب رئيس الاركان يوجه مدير دائرة شؤون الأفراد والإحتياط العام ومدير الدائرة المالية أمراً تلو آخر بإعادة مرتبات السفياني ومواصلته. وفي احدى مذكراته إليهم بتاريخ 17 سبتمبر 2005 بدا شديد الامتعاض ومستنكراً عدم تنفيذ أوامر وزارة الدفاع والحكم الصادر من دائرة القضاء العسكري. وقال عن التصرف الذي اتخذ حيال المذكور وتوقيف صرف مرتباته لأسرته أنه: «يعرِّض وزارة الدفاع للإنتقادات من قبل الصحافة والمنظمات الانسانية التي تقوم بمراقبة السجون»، وكرَّر نفس التوجيهات السابقة: الإعادة فوراً، نقل مرتبه الى قسم السجناء. وزاد: «على مدير المؤسسة الاقتصادية دفع جميع رواتب المذكور ومستحقاته من تاريخ توقيفها وتسليمها لأسرته» ثم ذيَّل توجيهه هذا بفقرة إضافية: «مرسل للتنفيذ». كلما في الأمر أن لا شيء تحقق.
وطبقاً لراجح أسعد، أحد اقربائه، فإن أسرة السفياني تعيش في وضع معيشي بائس: «ما يصرف عليهم إلا خلق الله»، وقال راجح إن دائرة شئون الافراد، بعد التوجيه الأخير من نائب رئيس الأركان، وافقت على اعادة توزيعه كسواه من نزلاء السجن العسكري. ذلك في تاريخ 13 نوفمبر 2006 لكنِّ.. وزفر راجح: « لا حدْ الآن لم يستلم شيء من حقوقه ولم يعاد الى الخدمة».
ما يزال الضيق يخيِّم على صدر ناجي، ومن يوم لآخر ونوبات الإحباط تلاحقه. «ضعت داخل السجن وضاعت أسرتي خارجه»، أكد ذلك في إحدى مناشداته للنائب العام.
ما يُتخذ ضد السفياني من إجراء تعسفي يخالف المادة 74 من قانون العقوبات العسكرية التي تقول : «في حالة توقيف العسكري عن العمل يستحق 75٪_ من مرتبه الأساسي الذي كان يتقاضاه، وفي حالة تبرئته يعاد له ما خُُصم من راتبه».
وإذا كان الحكم الصادر قد قرر الحبس سنتين، فإن بقاءه في السجن اربع سنوات اضافية على ذمة حق عام يدخل في سياق المخالفة لقانون الاجراءات الجزائية، بل ولمختلف الأعراف والنصوص القانونية، لا سيما وقد ثبت للقضاء إعساره.
في 6 سبتمبر الماضي حكمت محكمة المحويت الإبتدائية بإعسار ناجي السفياني وتبين لها إن «حالته المادية غير ميسورة».
وكان العميد احمد علي محسن، محافظ المحويت رفع أكثر من مذكرة إلى رئيس الجمهورية للنظر في حالة المذكور المادية الصعبة والوضع المعيشي الذي آلت إليه أسرة المساعد ناجي بعد فقدانه. وتمنى المحافظ على الرئيس التوجيه الى الجهات المختصة «لتسوية المبلغ المتبقي عليه في ضوء الإعسار».
وتلقى المحرر، حال طباعة هذه المادة، مناشدة من أهالي قرية السفيانية مديرية المحويت الى رئيس الجمهورية لإمعان النظر في وضع أسرة السجين بعين الرحمة والرأفة، آملين توجيهه النافذ بضم اسم السفياني في قائمة المستحقين الرمضانية، ولا سيما وقد سدَّد ما يقرب من نصف المبلغ المحكوم به. وأبدوا استغرابهم من عدم تنفيذ دائرة شؤون الأفراد لتوجيهات وأوامر وزارة الدفاع.
الضبيبي يستحضر المنسيين في السجن الحربي: 6 سنوات عصفت برقمه العسكري وراتبه.. وأسرته
2007-08-23