صنعاء 19C امطار خفيفة

منصور هائل يصبح على الجريك في ذكرى ميلاده ال72

2007-08-02
منصور هائل يصبح على الجريك في ذكرى ميلاده ال72
منصور هائل يصبح على الجريك في ذكرى ميلاده ال72
على قدر ما تهجرنا الكلمات التي تحتفي بالحياة ويتلاشى حيزها، فإن اتساع المساحة التي تشغرها المراثي يضطرد بعنفوان مجنون إلى الدرجة التي صارت فيها جل الصحافة اليمنية عبارة عن مقابر مطبوعة على الورق، ونعوش محمولة، وأكفان تحت الطلب.
وكأننا لا نبرع ولا نبدع إلا بالتزاحم على الاشتغال في منجم لغة الأخشاب التي تصنع منها التوابيت وما ترشح بها من عبارات الرثاء والتأبين والنعي على النحو الذي يجوز معه التصريح بأن أرقى أشكال الترابط بين الصحفيين تتجلى في موتهم. وحينما يموت أحدهم ستراهم ينخرطون في منافسات طوعية محمومة لاستعراض مهاراتهم في مندبة تشييع الراحل وذكر مناقبه ومآثره وأساطيره، وكأنه لم يكن ذلك الذي كان.
وحتى لا أستطرد في المناحة والقتامة، وأذهب إلى التلويح بأن ما نسب للنبي أشعياء عن «الموتى الذين يشيعون موتاهم»، لا يقصد به غير الصحفيين في هذه البلاد، سأكاشف القارئ بأن أمر الاحتفاء بحياة زميل قدير وأستاذ عزيز قد اشكل علي واستعطى، وذلك هو السبب في استدعائي للخواطر السالفة.
والخلاصة: أني عشت يوم أمس صباحاً مرحاً، مبهجاً، ذكياً بمدينة التواهي عندما كنت برفقة وضيافة الشخص الجميل الذي أخبرنا بغبطة- كنت مع زوجتي الزميلة أروى عثمان، والزميل أحمد الحاج- أنه سيحتفي غدا أو بعد غد بعيد ميلاده (72)، ومن وهلة سماعي لذلك اعتزمت مشاركته في إشعال الشمعة الثانية بعد السبعين.
كدت أبكي عجزي واكتب بكائي وأفسد حفلة عيد ميلاد صاحبي الذي ورد ذكره في حديثه كفاصلة وليس كإعلان بحفلة.
كنت بحاجة إلى باقة كلمات تنضح بالحياة لتفي بقليل من حق رجل تعرض لأكثر من خمسين اعتقالاً، وبضعة محاولات اغتيال، واغلقت الصحيفة التي أسسها وترأس تحريرها (36) مرة.
واعتاص أمر كتابة الأستاذ الجميل سعيد الجريك صاحب صحيفة «الصباح» التي أصدرها عام 1966 من عدن.
كيف أكتب هذا: الرواية المذهلة، الراجلة في أرصفة التواهي ومقاهيها!؟ أو من أين لي القدرة على احتواء بعض تفاصيل تلك الذاكرة المشهدية المبهرة في استحضار الأزمنة الملونة بحذاقة بانورامية تتقافز من ثناياها صور رؤوساء قطفت رؤوسهم ورؤساء أحياء، وبسطاء أشقياء ومشائخ وشعراء وعسس ومجانين وحيوات وأمكنة غزيرة في لندن والحديدة وعدن والتواهي، التي خبِر تصفح دفاترها الخفية، واشتهر بفك شفرة عوالمها المتوارية.
هل أهديه 72 وردة/ شمعة، أم أبارك له استعادة الصباح/ الصحيفة إشراقتها المتجددة في الأيام القادمة؟
هل أهديه بعض العرفان تجاه تفضله بإعادة اختراع التواهي في عيوننا، وتوسيع مدار نظرنا إلى اليمن بنضارة وحيوية كما تلك التي يكتسي بها ويرفل ويحتفل؟
كل ذلك لن يكفي ولن يفي بحقك.. أيها العم سعيد.. فصباحك ورد وسعيد، أيها الإنسان الرائع والاستاذ البارع في التأسيس لصحافة الاعتراض.
mansoorhaelMail

إقرأ أيضاً