صنعاء 19C امطار خفيفة

حنايا

2008-07-03
حنايا
حنايا - هدى العطاس
"أنت مذنبة في نظرهم دونما نية لإثبات براءتكـ"

حماة الفضيلة في حضرموت!

جملة أثارت حنقي وضحكي واستهتاري واستغرابي، حينما سمعتها من فم إحدى عضوات فريق البحث الميداني لجمع الموروث الشعبي في أحد المراكز المختصة بالثقافة والتراث. وعلقت أنا مستنفرة ساخرة: حماة الوهم في حضرموت؟ كانت حواسي مستفزة وأنا أتابع سردها لما لاقوه وعانوه من معاملة سيئة وانتهاكات في الفنادق ووسائل النقل، ورفض غالب الفنادق تسكينهم بحجة عدم اصطحاب محرم رغم حرص رئيسة الفريق على اصطحاب ابنها الشاب، غير أن مسؤولي الفنادق يردون عليهن: هو ابنك ولكن الأخريات ما أدرانا ما العلاقة بينهم؟ تعليق بشع ولاإنساني، ويعد شبيها بالقذف المسبق في أخلاقنا وشرفنا. اضطررنا معه للجوء للمحافظة والجهات الرسمية لاستخراج أوامر وتوجيهات لمسؤولي الفنادق من أجل تسكيننا، والحديث للباحثة وهي تقص مغصوصة لوقائع من هذا القبيل واجهوها في أكثر من مكان. وأضافت أنها ليست المرة الأولى التي يقومون بالبحث داخل حضرموت، وأن الفريق قد عمل في كثير من مدن حضرموت وقراها في الساحل والوادي، ولم يواجه من قبل مثل هذه السلوكيات، بل على العكس كان الحضارم من أكثر الذين قابلوهم تهذيبا في التعامل واحتراما للمرأة.

قد تبدو الثقافة الحضرمية الملفوظة والمكتوبة ملغومة بقيم التبخيس والتحقير للمرأة، وتنحو محاميل الحكايات والأمثال لتصويرها كمرافق للشر وأفعال الرذيلة، وهي صورة نمطية مكرورة في غالب الثقافات الشعبية، بل تراثا عالميا مشتركا... غير أن السلوك اليومي والمباشر للحضرمي ينقض هذه الثقافة إن لم ينفها، والسلوك في البيئة الحضرمية بين الجنسين يتحلى بعفوية شديدة ودونما اشتباهات وإحالات تحتمل التوصيف اللاأخلاقي، بل أذكر -وهي ظاهرة مازالت موجودة- أن كثيراً من البيوت في وادي دوعن الذي ترعرت فيه، تسكنها نساء دونما رجال بحكم واقع الهجرة التي لايفتأ الحضرمي يشد رحاله إليه ، مما يضطر النساء الاستعانة برجال القرية من غير المحارم في معاشهن وتسيير شؤون الحياة اليومية. وأذكر أني طفلة كثيرا ما تعلقت بساعد أحدهم وهو يجلب احتياجات البيت، بل ويدعى للمشاركة في الغداء أو الفطور اذا صادف وقته، وهو سلوك عام لم يكن مستهجنا أو مشينا. ويحمل التعامل بين الجنسين الكثير من النقاء والاستطراد العفوي غير المشتبه، وهي مسلكيات مسترخية على معاني القيم التي يمارسها الحضرمي كبديهيات لايقف عند تمحيصها. ولم يتغير هذا السلوك ويحل مكانه سلوك مشين ومستراب تجاه المرأة، إلا في السنوات الأخيرة بعد الوحدة، ترافقا مع اختراقات الجماعات الدينية المتشددة بمحمول ثقافة الوهم المرجعي. وحتى يتسق الاستطراد وسوق القرائن، كان قد سبق ذلك -وإن كان بشكل أخف في تأصيله المرجعي الديني- اختراقات ثقافة المجتمع الخليجي بحكم الحضور الفيزيقي والمعنوي للمغتربين من أبناء الوادي، وحملهم وممارستهم مسلكيات تلك المجتمعات. كل هذه الهجمات لاقت صدى الى حد ما في حاضنة غذتها تدابير الحكم السابق للوحدة، ومصادراته الفكرية، وتشدد أطروحات خطابه اليساري المنغلق. الحاضنة الإضافية التي قد لايبنى على عمق تأثيرها كثيرا، أن المجتمع الحضرمي مجتمع محافظ بطبيعته، ولكن على طريقته المتميزة، وبمرجعيات تنبثق من خصوصيته ومحدداته.

واللافت الآن، والذي يجب أن ينتبه إليه أبناء حضرموت، ويستنفر قرون استشعارهم، أن السلطة الموجودة لن تتوانى عن حقن هذا المنحى والمسلكيات المستجدة على البيئة الحضرمية وإنشاطها وتغذيتها إذا كانت تتناسب وتوافق هوى استراتيجياً في نفس يعقوب، واستخدامها كأجندة انتهازية لضرورة مرحلية، قد تنتهي الضرورة البرجماتية ولكن لن تنتهي الويلات التي ستلحق ببيئة المجتمع الحضرمي ذي الحضور المغاير والخصوصية الثقافية التي نراهن على غور عمقها وقوة صمودها أمام تهجينات الثقافة السلبية المتفيدة من مظاهر الانحطاط العام وتفتئت بزيفها على قيم الخير وصناع الحياة بلبوس لفظية من مثل حماة الفضيلة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأطروحاتهم وتاريخهم الاعتباري هي المنكر بعينه، والمجتمع الحضرمي الحصيف الذي يزدهي بسلامه ونظامه ومنظومة قيمه المجبولة في سلوكه العام، في غنى عنهم. وحديثنا... ممتد.

hudaalattasMail

إقرأ أيضاً