هسس.. ممنوع الكلام! - خالد سلمان
< تنهد الرجل، بمركب هو خليط من القهر والتأفف والضجر:
اووووف! اليوم الاحتفال صباحا، سيخرج الزعيم مرة أخرى، كما هو حال كل عام، من البيضة، ليعلن أنه هو الستيني، يولد للتو من جديد، وأن علينا العد ثانية، من سنة أولى حكم.
 لا نعرف سببا خبيئاً يكشف ما خفي في منعطفات دامر عقله الباطن. لماذا يصر الزعيم العجوز المؤله، أن يبدأ به (عيده) عيد الوطن؟ لماذا يطلب دوما أن يبدأ الكرنفال، بصورته تُحطِّم قشور البيضة، تطل مخضبة من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، بابتسامة ساخرة بالمحتفين، والمنشدين والمؤدين... بالرعاع وضيوف المنصة؟ نعم، هو تخطى عقده السادس، ولكنه لم يبارح قط فقاسته.
<< لا مجال للخطأ
نعم، هو يخوض معركته الفاصلة، مع جيوش التجاعيد، لكنه ما زال هو الزعيم الفتي، الرمز الذي لا ينحني تحت ضغط الشيخوخة ومخلفات أرذل العمر.
<< ممنوع مس الذات العليا
ربما هو عاصر وصنع الكثير من النكبات، في خلاط سياسته المغامرة. وربما جمد حياة البلاد في براد حكمه السيبيري، نوم أحلام الناس في سرير قصره. ولكنه فعل كل هذا، لحكمة هو يعلمها، وهو وحده من يفك تشابكات أسبابها. فهو الزعيم المكشوف على سدرة المنتهى.
<< لا مجال للتأويل
بين كرنفال (عيد وطنه)، حيث الأطفال يحملون بيضة، تتفتح قشراتها ويخرج مبتسما الزعيم، وبين غياب حبة البيض عن مطبخ العائلة... بين هذين المتضادين لا خوف من أن يأتي اليوم الذي يأكل فيه الفقراء بيضة الزعيم القبان، بصفارها وزلالها.
ألم يبتلع جوعى قريش آلهتهم؟ ألم يمصمصوا تمراتها، ثم يقذفوا بالنواة إلى ما تحت أقدامهم؟!
إياكم وهذه المقاربة الشيطانية. لن يؤكل الزعيم، فله وحده أن يبتلع الجميع بين شدقي ضحكاته المروعة.
< يواصل الرجل اجترار أسئلة المشهد الكرنفالي. لم يتخط قط لفحة السؤال المركب:
 لماذا يخرج الزعيم، في لوحة كل موسم احتفائي، يرقة من فراشة.. برعم من زهرة.. كتكوت من بيضة...؟ لما لا يخرج من باطن الأرض.. من تحت الثرى.. من حفرة القبر.. يشد كعادته "بلاده" إلى مساحة مغبرة لا حركة فيها ولا حياة؟
ربما حينها فقط سيكون المشهد أكثر جدية.. أكثر واقعية.. أكثر تماهيا مع رمز يلبس حسناء البلاد وجهه المتجعد المجهد.
يخفي الرجل استنتاجه هذا الخطير، فربما كرة بيضاء حمراء، من ملايين كريات دمه، تحمل رتبة مخبر سفري، في عالم الأمن القومي المرعب:
هسسس.. هسس.. ممنوع الكلام.. ممنوع الهمس.. الموت لي.. وللسيد الرئيس ملاحم التقويم وانتصارات كل "سبعات" العقود القادمة. هسس.. هس.. ممنوع الارتياب.. ممنوع الكلام.
[email protected]